< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

40/01/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تلخيص ما مضى من مباحث الاصول وبيان رأي السيد الاستاذ ودليله مختصرا.

الحقيقة الشرعية: هل للشارع عندما استعمل الفاظ العبادات والمعاملات هل له وضع خاص وله الفاظ ومعاني خاصة. [1]

لا شك أن معاني العبادات والمعاملات كانت موجودة عند معظم الامم قبل الاسلام، فالصلاة موجودة عند اليهود والنصارى والهندوس والبوذيين، وإن لم تكن بنفس لفظ " الصلاة "، أما عند العرب في الجاهلية فلا شك في استعمال لفظ الصلاة بهذا المعنى، لان هذا المعنى كان موجودا عندهم، ولا شك في انهم كانوا يعبّرون عنه. واستعمل الشارع المقدّس نفس لفظ الصلاة للدلالة على هذا المعنى، ثم تدخل الشارع في الاجزاء والشرائط، وهذا واضح لمن استقرء استعمال اللفظ في القرآن والسنة، لاحظ قوله (ص): " صلوا كما رأيتموني أصلي "، فالظاهر منها أن معنى الصلاة كان معروفا عندهم موجودا في أذهانهم، لكن الشارع تدخل في الكيفية. الصحيح والاعم: مسألة هي من الفاظ العبادات وفي المعاملات موضوعة للصحيح أو للأعم من الصحيح والفاسد.

لا شك أن الموضوع له هو الاعم من الصحيح والفاسد، وإن كانت غاية الشارع هو الصحيح، ويجب أن نفرق بين المطلوب وبين الموضوع له من قبيل: إذا قلت " ائتني بغلام " الموضوع له هو كل غلام قوي حتى يعمل، المطلوب قد يكون غير الموضوع له.

ولكن عرفت أن الارادة لا علاقة لها بنفس المعني وهي تقيّد الموضوع له، اللفظ موضوع للمعاني بذاتها اريدت أم لم ترد، فمثلا: لو قال المولى ائتني بحنطة، واعلم انه يريد خصوص النوع الجيّد منها، لا يعني أن لفظ " حنطة " موضوع لخصوص الجيّد، بل يشمل الرديء، وإن كان المراد الجدّي هو خصوص الصحيح. وأما الاستدلال على الوضع للصحيح بنفسي الماهية بقوله (ع) " لا صلاة إلا بطهور " فهو مردود لان وزانه وزان: " لا علم إلا بعمل " ومن الواضح أن العلم بلا عمل يسمى علما بدون أدنى مجازية أو تكلّف.

وأما الثمرة: فهي ما عليه المشهور من التمسك بالإطلاق على القول بالوضع للأعم، وعدم جواز التمسك به على القول بالصحيح. يعنى انه إذا شككنا في شرط للصلاة نستطيع ان نقول هذه صلاة فاطرد الشرط المشكوك بأصالة الاطلاق، فلو اشترطنا الصيغة في عقد البيع أو عقد النكاح، فبأصل الاطلاق استطيع ان اطرد اشتراط الصيغة، اقول : هذا عقد نكاح واشك في الشرط فاطرده بالاطلاق، وغير ذلك.

أما الثمرة الأخرى على الصعيد العملي المذكورة عند علماء الاصول وهي التمسك بالبراءة على القول بالأعم دون الصحيح، وذلك لعدم الاجمال في المأمور به على الصحيح وإنما الاجمال انما يتحقق به، أي في الامتثال وفي مثله لا مجال للبراءة. وهذه الثمرة وإن كانت مشهورة إلا أنها غير تامة، لان هذه الثمرة تندرج في مسألة الأقل والاكثر الارتباطيين ونحن لا نذهب إلى البراءة فيها، بل إلى الاحتياط. والفرق بين مسألة الصحيح والأعم ومسألة الأقل واكثر الارتباطيين ان مسألة الصحيح والاعم من مباحث الالفاظ فيجري فيه اصالة الاطلاق. أما الأقل والاكثر الارتباطيين فهو في عالم الاصل العملي فلا يجري فيه اصالة الاطلاق، بل يجري فيه إما البراءة أو الاحتياط، ونحن سنقول هناك في تلك المسألة بالاحتياط لا بالبراءة. [2]

 

الفرق بين مسألة الصحيح والاعم ومسألة الأقل والاكثر الارتباطيين: الاولى هي من باب مباحث الالفاظ، ولذلك تكون النتيجة فيها من باب الامارات، أما الثانية فهو من باب الاصول العملية. المشتق: الظاهر هو أن المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدأ، مع ملاحظة اختلاف المبادئ من الفعلية والشأنية والمهنة، أي ملاحظة كيفية التلبس، وقد استدلوا عليه بالتبادر وصحة السلب عمى انقضى عنه التلبس، ومضادة الصفات المأخوذة من المبادئ المتضادة. مثلا: المطلقة الرجعية بعضهم قال انها زوجة، ونحن نقول انها بحكم الزوجة لان هذه المرأة هي مطلقة وهي متزوجة في آن واحد، هذا بالوجدان محال لان الصفات متضاده، فلهذه الثمرة ثمرات في المشكوكات، فإذا كانت زوجة فباطلاق الزوجة عليها تنطبق كل احكام الزوجة عليها حتى المشكوكات إلا ما خرج بدليل. اما إذا كانت بحكم الزوجة نقتصر حينئذ على القدر المتيقن والباقي ليس له حكم الزوجة.

 


[1] سئلت مسألة وهي شخص اخذ منه الحيوان المنوي وهو حي ثم توفي، بعد الوفاة تم زرع الحيوان المنوي في رحم التي كانت زوجته، اولا: هل هذه العملية جائزة أو لا؟ ثانيا: هل يرث أو لا؟ الجواب: المسألة الاولى تتبع مسألة كيفية الزرع. فان كان بنحو طفل الانبوب فتكون جائزة. وإن كان بنحو الزرق بالرحم فهناك اشكال. أما الارث، قال بعض الفضلاء انه لا يورث باعتبار ان تكونه بعد الوفاة. اما تصوري انه ولد عرفا وشرعا إذ لا حقيقة في الولدية، لا نقل من المعنى العرفي إلى المعنى الشرعي وباطلاق الولدية يفترض ان يرث، وليس هو ولد زنى حتى لا يورّث.
[2] سئل السيد الاستاذ عن دليله على الاحتياط في مسألة الاقل والاكثر الارتباطيين فقال: هي مسألة الاقل والاكثر الارتباطيين ليس هناك جعل مستقل للمشكوك. فهذا الخلل الذي زلّت فيه اقدام بعض الكبار كالشيخ الانصاري وغيره حيث قالوا اننا إذا شككنا مثلا في الصلاة هل هي احدى عشر جزءا أو عشرة اجزاء، وذلك في مقام الاصل العملي. مثلا السورة جزء أو لا؟ قالوا نشك في طلبه أي التكليف فالاصل عدمه. نقول: نحن ليس لدينا جعل خاص بهذا الجزء إلا من باب المقدّمة الداخلية التي ذكرنا في باب مقدمة الواجب أنه ليس هناك مقدمة داخلية وليس هناك انحلال إلى اجزاء. أصل البراءة انما يكون في الجعل الخاص، فإذا شككت في المحقق يجب أن احتاط لان العقل يقضي بذلك، لان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني. فما ذهب اليه اكثر الاصوليين إلى البراءة دون الاحتياط في مسألة الاقل والاكثر الارتباطيين لا نسلم به، بل بالعكس نقول بالاحتياط. فإذن في العبادات إذا شككت في جزء أو شرط أو مانع في كل الاجزاء والشرائط في عالم الاصل اللفظي اقول بأصالة الاطلاق فاطرد الشرط. اما في عالم العمل - الاصل العملي –. نقول هذه المسألة في الاقل والاكثر الارتباطيين هي من عالم الاصل العملي ونحن لا نقول بالبراءة بل نقول بالاحتياط.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo