< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

39/07/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: اجتماع الامر والنهي.

     المختار جواز اجتماع الامر والنهي.

     وبالتفصيل: إن كان احد المتعارضين هو المجعول، فان احدهما أظهر من الاخر قدّم وإلا بحثنا عن عام فوقاني، وإلا وصل الامر إلى الاصل العملي.

إذن إذا تعارض الدليلان في مقام الدلالة وكان بينهما عموم من وجه، حينئذ نرى، فان كان هناك اظهر وظاهر يقدم الاظهر على الظاهر لاي قرينة كانت هذه الاظهرية، وان لم يكن احدهما الاظهر وتساويا في الظهور وبالتالي ففي التقديم فلا يقدم أحدهما، حينئذ نبحث عن عام فوقاني كما يفعل عرف الناس العقلاء فنبحث عن اصل لفظي. فان لم يكن قالوا: نذهب للاصل العملي، ذكرنا ذلك في المنهجية في الشبهة الحكمية ترتب مراحل الاستنباط: علم، علمي، اصل لفظي، اصل عملي. لكن نقول ان الاصل العملي يجري عندما يفقد المكلف كل الامارات، حينها يتساءل ماذا اصنع؟ ماذا اعمل؟ لذلك سمي بالاصل العملي الذي هو عبارة عن وظيفة عمليّة عند فقدان جميع الامارات، فإذا كان هناك امارة متقدمة عليها وموجودة تقدم على الاصل العملي، وهذه الامارة غالبا موجودة، والسبب لوجودها اننا قلنا ان الاحكام متعلّقة بالطبائع وموضوع الحكم يكشف عن وجود ملاك كلما وجد الموضوع سواء كان الملاك تابع لنفس الموضوع او للازمه مثلا: إذا قلت لك اكرم العلماء فلدينا حالتان: تارة يكون الملاك اناس لهم صفة أخرى تستحق الاكرام لكني اشرت إليهم بعنوان العلماء، قد يكون المراد العلماء، وقد يكون الملاك اكرام العلماء كعلماء وهو الظاهر فمع وجود الملاكين نرى ان الناس تبحث عن اقوى الملاكين ولو بكشف اقوى المناطين عنهما، وذكرنا الفرق بين المناط والملاك [1] .

قد يقال: انه هنا إذا قدمنا الاقوى ملاكا ما هو الدليل على هذا التقديم؟ مثلا: " اكرم العالم " : لا تكرم الفاسق " وقد اجتمعا في معنون واحد، إذا لم يكن هناك عموم فوقاني نقدّم الاقوى ملاكا ظاهرا، هكذا عند الناس. الغصب والصلاة اجتمعا في حركة واحدة الناس ترى بشكل عفوي الصلاة واجبة والغصب حرام واجتمعا في مكان يقدم الاقوى ملاكا، أو انقاذ طفل من الحريق والدخول إلى مكان الحريق الذي يعلم عدم رضا صاحبه بالدخول. وهذا التقديم امارة وليس اصلا عمليا، عمل العرف والعقلاء هنا امارة وليس اصلا عمليا، ليس مجرد وظيفة انتهي بها عند الشك، بل نقدم الاقوى ملاكا، هكذا الناس. فإذا شككت في تعيين الاقوى ملاكا حينئذ اقف واقول ماذا اعمل؟ واذهب إلى الاصل العملي.

بعبارة اخرى: بعد فقدان العام الفوقاني أي الاصل اللفظي اتساءل هل توجد أمارة أخرى؟ فانظر إلى العنوانين، أي متعلق الحكمين فاجدهما تامين، مما يدل على وجود الملاكين، وحينئذ ان دل دليل على ان المجمع محكوم بحكم واحد ذهبنا إلى تحكيم الاقوى ملاكا لان تمام الموضوع يظهر منه تمام الملاك، ويكون التزاحم بينما في مرحلة الاقتضاء، ومع عدمه ذهبنا إلى الاصل العملي. اما مع احتمال وجود الحكمين بثبوت الملاكين وتعلق الاحكام بالطبائع، وعدم تعلق الاحكام بالافراد، وبالتالي عدم اجتماع الامر والنهي في واحد حقيقة، ولا المحبوبية والمبغوضية كذلك، لكون المحبوب هو الطبيعة، وقد بيّنا جليا الفرق بين مقام التعلق ومقام الامتثال لأجل هذا كله ذهبنا إلى كون المكلف ممتثلا وعاصيا في آن واحد.

وبالخلاصة: نذهب إلى جواز اجتماع الامر والنهي وهو ممتثل وعاص في آن واحد، وهذا موجود في حياتنا كل يوم وان كان المشهور امتناع اجتماع الامر والنهي. ونحن نقول بالجواز، فان دواء واحدا قد يكون فيه مصلحة من جهة ومفسدة من جهة، وهو محبوب ومبغوض في آن واحد لجهتين فهو حرام بعنوان وواجب بعنوان آخر.

وما اجمل ما ذكره السيد البروجردي (ره) حيث قال في نهاية الاصول: إنك إذا راجعت الوجدان رأيت جواز الاجتماع من ابده البديهيات، فإذا امرت عبدك بخياطة ثوبك، ونهيته عن التصرف في فضاء الغير، فخاط العبد ثوبك في فضاء الغير فهل يكون لك ان تقول له انت لا تستحق الاجرة لعدم اتيانك بما امرتك، ولو قلت هذا فهل لا تكون مذموما عند العقلاء؟ بل تراه ممتثلا من جهة الخياطة وعاصيا من جهة التصرف في فضاء الغير، ويكون هذا العبد عند العقلاء مستحقا لأجر العبودية والاطاعة وعقاب التمرد والعصيان " انتهى. [2]

لاحظوا الفرق بين مقامين: تارة يقول الشارع خيط لي الثوب وينهاه عن الوجود في بيت فلان مثلا، وتارة يقول الشارع لا تخط لي الثوب في بيت فلان.

ففي التعبير الثاني يكون ظرف المكان قيدا لموضوع الامر وهو الخياطة، فلا يكون الموضوع مطلقا بخلاف التعبير الاول حيث كان موضوع الخياطة مطلقا. فلو خاط الثوب في بيت فلان فعلى التعبير الثاني لم يتمّ موضوع الخياطة، فلا يقع الامتثال، وليس لدينا إلا حكم واحد.

اما في التعبير الثاني فان موضوع الامر مطلق وكذا موضوع النهي من دون ان ينظر أحدهما إلى الآخر، فيتم موضوع مسألتنا.

وخلاصة ما ذكرناه في المختار:

     بعد الذهاب إلى تعلق الاحكام بالطبائع وليس بالافراد.

     وبعد الذهاب إلى عدم سريان الحكم إلى الافراد.

     وبعدم كون المبغوضية والمحبوبية هي في الطبيعة.

     وبعد الذهاب إلى عدم وجود الطبائع في الخارج،

حينئذ لا تجتمع المحبوبية والمبغوضية في أمر واحد حقيقة وبالتالي: علمنا بوجود حكم واحد منهما فان جمع العرف بين الدليلين عملنا بذلك، وإلا قدّمنا الاقوى مناطا كما هو عند الناس، وهذه أمارة لم يرد نهي من الشارع عنها فلا بد من العمل على طبقها.

ومع عدم وجود الاقوى يقف المكلّف حائرا وبذلك نصل إلى الاصل العملي في المسألة.

هذا. وإن لم نعلم بوجود حكم واحد فقط، بل يحتمل الحكمين أو نعلم بثبوتهما، يكون كلا موضوعي الحكمين قد تمّ مما يكشف عن وجود ملاكين، ونذهب إلى كون المكلف حينئذ مطيعا عاصيا في آن واحد.

هذا ما نذهب اليه وغدا ان شاء الله نرى الثمرة.


[1] المناط هو يدور الحكم مداره وجودا وعدما في مقام الاثبات. والملاك ما يدور الحكم مداره وجودا وعدما في مقام الثبوت. غالبا لا نعرف مقام الثبوت، وغالبا عند الاصوليين يعبر بالمناط بالملاك والملاك بالمناط او المصلحة، التعبيرات تشتبك لكن التعبير الصحيح نقول ان هناك مصالح وملاكات ومناطات. المصالح هي مرحلة الاقتضاء، الملاك هو مرحلة ما بعد الكسر والانكسار، والمناطات هي ما يدور الحكم وجودا وعدما مداره.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo