< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الأصول

37/07/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النفسي والغيري:

تفريعات من السيد الخوئي (ره) على المسألة.

ثم إن السيد الخوئي (ره) بعد بيان ما يختاره من توجيه عبادية الطهارات الثلاث يفرّع على ذلك ثلاثة أمور:

الاول: لا إشكال في صحة الاتيان بالطهارات الثلاث قبل وقت ذي المقدمة [1] مثلا: قبل الزوال، لأنها ستقع عبادية على كل حال، سواء أتى بها بداعي أمرها الاستحبابي النفسي، أو بداعي التوصل إلى الواجب النفسي قبل وجوبه كالصلاة والطواف. لما عرفت من أن إتيانهما كذلك لا يتوقف على عروض الوجوب الغيري عليهما.

وسنتعرض له ان شاء الله عند التعرض للمختار.

الفرع الثاني: لا إشكال ولا شبهة في صحة الاتيان بها – أي الطهارات الثلاث – بعد الوقت بقصد التوصل بها إلى الواجب النفسي ( أي ذا المقدمة ) .

الفرع الثالث: بعد دخول الوقت، لو أتى بالطهارة بقصد أمرها الاستحبابي النفسي، فقد اجتمع أمران بناء على القول بالوجوب الغيري: الأمر الاستحبابي النفسي والأمر الوجوبي الغيري. والأحكام الخمسة متضادة فيما بينها، لا تجتمع في محل واحد وزمان واحد وجهة واحدة.

فلا بد حينئذ من القول بأحد ثلاثة امور: إما بالاندكاك أو بالتبدل أو بما ذكره السيد الخوئي في مسألة اجتماع الضدين.

والاندكاك: أي اندكاك الأمر الاستحبابي النفسي في ضمن الأمر الوجوبي الغيري بحيث يصبح لدينا وجوبا واحدا غيريا مؤكدا يأخذ صفات الاستحباب النفسي. وقد بينا ذلك في جواب السيد الخوئي (ره) على النائيني (ره) عندما ردّ الاخير على الآخوند كما بيّن السيد الخوئي (ره) رأيه في مسألة اجتماع الضدين بان الوجوب والاستحباب لا يندكان ولا يتبدلان، بل الاستحباب باق على محبوبيته وملاكه ومطلوبيته الكامنة في الفعل، وإنما يرفع حدّه، فيرتفع جواز الترك.

وهنا لا بأس بالإشارة إلى ما ذكره السيد محسن الطباطبائي الحكيم (ره) في شرح العروة الوثقى من حل لإشكال اجتماع الضدين – من ناحية تعدد الجهات - حيث اعتبر اجتماعهما من جهتين بناء على ما اختاره من جواز اجتماع الأمر والنهي في واحد [2] . وذلك ان الضدين لا يجتمعان في جهة واحدة، أما لو تعددت الجهات فلا مانع من ذلك . وبما أن الجهات قد تعددت في المقام فلا مانع من إجتماعهما، فالأفعال الوضوئية مستحبة من حيث إنها وضوء، وواجبة من حيث إنها واجبة غيريا. فتعددت الجهة ولا مانع من ذلك، ولا داعي للقول بالاندكاك، أو للقول بانفراد أحدهما وطرد الآخر.

ويجيب عليه السيد الخوئي (ره) بقوله: وغير خفي أن تعدد الجهة إنما يجدي في جواز اجتماع الأمر والنهي إذا كانت الجهة تقييدية، وأما إذا كانت تعليلية كما في المقام فلا أثر لتعددها أصلا. [3]

وهذا الجواب صحيح في محله ولبيانه نقول، هناك مطلبان يجب أن نبينهما:

المطلب الاول: الفرق بين الحيثية التعليلية والحيثية التقييدية.

المطلب الثاني: أن قصد العنوان لا يعني قصد الامر، أو الاضافة لله عز وجل. فالسيد الخوئي (ره) بنا على ان قصد الامر النفسي اضافة لله عز وجل وعليه يصبح عبادة. وهذا المطلب له اثر كبير في بعض الاستنباطات الفقهية في تعبديات بعض المسائل كالكفارات والخمس والزكاة.

المطلب الاول: الفرق بين الحيثية التعليلية والحيثية التقييدية. من لفظهما واضح، الحيثية التعليلية أي الجهة إذا كانت علّة، اما الحيثية التقييدية الجهة إذا كانت قيدا.

الجهة إذا كانت علّة لا علاقة لها بالمعلول إلا في اثبات الحكم ثم تخرج عنه. مثلا: المشي لبر الوالدين، بر الوالدين واجب والمشي عرض عليه الوجوب من جهة كونه مقدمة، فالمقدمية حيثية تعليلية للمشي. لكن المشي شيء وبر الوالدين شيء آخر، فالمقدمية تكون مجرد علّة لإثبات حكم، لا دخالة لها في متعلق الحكم. أما الحيثية التقيدية فلها دخالة، وللتوضيح بمثال آخر تكويني: الماء المغلي والماء المتجمد، في الماء المغلي النار علّة لغليانه، فالنار حيثية تعليلية لغليان الماء، فأقول: الماء الذي يتعرض للنار يغلي، ثم اقول: الماء إذا تعرض للبرودة يجمد، فالبرودة أيضا حيثية تعليلية للتجمد. هناك جهتان: الاولى: النار علّة للغليان. والثانية: البرودة علّة للتجمد. فإذا جعلنا النار والتبريد حيثيتان تعليليتان والجامع الماء فمن المحال اجتماع الغليان والتجمد في نفس الماء في زمان واحد.

أما لو كانتا تقييديتان مثلا اقول: الماء الذي يكون في البرودة متجمد، والماء الذي يكون تحت النار يغلي. هنا لا مانع من اجتماعهما، بمعنى حصول الغليان والتجمد في الماء في مكانين.

فإذا كان البرودة حيثية تقييدية وتحت النار حيثية تقييدية، صار هناك عنوان التبريد والنار جزء المتعلّق، فصار الجهتان عبارة عن متعلقين، وكل حكم له متعلق يختلف عن الآخر كليا. وكذلك في الامور الاعتبارية الامر كذلك.

وقد يقال: ان هذا اعتبار نستطيع ان نتصرف به كما نشاء.

غدا ان شاء الله نكمل وكل عام وانتم بخير بمناسبة ولادة أمير المؤمنين وإمامنا وسيدنا سيد الأوصياء علي بن ابي طالب عليه السلام، الذي نحتفل بذكرى ولادته، راجين من المولى أن يوفقنا لاتباعه واتباع القيم التي جاهد من أجلها ونسأل الله أن يجعلنا من المتمسكين بولايته وحبل هدايته عليه السلام .

 


[1] تذكير: وقع الاشكال في الطهارات الثلاث إذا اتي بها قبل الوقت، - اشكال المقدمات المفوّتة - وهو حكم ان الوضوء قبل الزوال، مع انه لا يوجد وجوب نفسي، والوجوب الغيري مترشح من الوجوب النفسي، فالوجوب الغيري غير موجود، فكيف يصح الاتيان بالوضوء بقصد الوجوب الغيري لأجل التوصل للنفسي ؟ صاحب الفصول لحل هذا الاشكال دخل في مسألة المعلّق والمنجز، ودخل غيره في مسالة قصد التوصل.
[2] ذكرنا في مسألة الملازمات العقليّة مسالة اجتماع الامر والنهي في أمر واحد: قالوا ان شيء واحد هو بنفسه مأمور به ومنهي عنه في زمان واحد ومكان واحد وجهة واحدة قطعا لا يصح. اما السيد الحكيم (ره) هذه الاجتماع لا يجوز من جهة واحدة أما من جهتين فيجوز، مثلا: " أكرم العالم " " لا تكرم الفاسق " فهذا زيد يجب اكرامه من جهة العلم ولا يجب اكرامه من جهة الفسق، اجتمع الامر والنهي في واحد وهذا لا اشكال فيه.
[3] محاضرات في الاصول السيد ابو القاسم الخوئي. ج2 ص402.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo