« قائمة الدروس
الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله
بحث الفقه

46/05/29

بسم الله الرحمن الرحيم

أحكام الأيمان.

الموضوع: أحكام الأيمان.

     تتمة تفسير الآية الكريمة: " تحلة ايمانكم".

     الظاهر ان الآية في مقام بيان بطلان اليمين عند مرجوحيتها.

     التنظير بمسألة اقتضاء النهي الفساد.

 

إذن البحث في هل يجب الوفاء باليمين أو لا؟

قلنا ان ادلة وجوب الوفاء ﴿لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ[1] آية قرآنية واضحة كدليل، ويمكن الاستدلال ايضا بقوله تعالى في نفس الآية: ﴿إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ .

ثانيا: ان اليمين بجوهره التزام، والالتزام ينافي جواز المخالفة وعدم الوفاء.

ثالثا: الروايات "لازم له".

رابعا: الاجماع وهو مدركي، وقلنا انه من الصعب مخالفته. وقالوا: ان مخالفة المشهور مشكل لكن العمل به اشكل، وهكذا الاتفاق. لانه برأينا عمل بلا دليل.

اما قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [2]

قالوا ان " تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ " تعني جواز حلّ الايمان وذلك خلاف ما يقتضيه حكم اليمين قبل نزول التشريع، معنى اليمين اللغوي، فظاهر الآية على ذلك بداية.

ذكرنا سبب نزول الآية، وقد يقال ان الآية خاصّة برسول الله بدليل قوله: يا ايها النبي ولم يقل يا ايها الرسول. لكن قلنا انه يقابلها " قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ".

الجواب انه ليس هناك ظهور واضح في التخصيص بالنبي (ص) خصوصا مع قوله تعالى: " قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ". والمخاطب هو المسلمون ظاهرا، فهي عامة بجميع المسلمين، فالآية ليست صالحة لتخصيص قوله تعالى: " ولكم في رسول الله اسوة حسنة "، فكل ما يفعله الرسول نستطيع ان نفعله، والتخصيص هو الذي يحتاج إلى دليل.

لكن قلنا في مقام التفسير ان اليمين معنى لغوي كان قبل الاسلام وليس حقيقة شرعية، بل حقيقة لغوية، وعند العرب كانوا يلتزمون باليمين حتى لو كان مرجوحا.

كان اليمين ملتزما به، لذلك قلنا ان هناك قاعدة اسسناها في الاصول ومهمة جدا: ما كان في الحقيقة اللغوية بعد استعمال الشارع له اعتبرها، اعتبرها بكامل احكامها وشرائطها واجزائها وشراشيرها، إلا ما خرج بدليل.

هنا اليمين معنى لغوي فاعتبرها الشارع بكل شراشيرها، اخرج منها وتصرف في الشرائط والاحكام، مثلا: لا يمين للولد مع والده. اليمين المرجوحة لا لا اعتبار لها شرعا.

في الآية الظاهر ان متعلق اليمين في الآية مرجوح " لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ" ، وما كان مرجوحا غير منعقدة من الاساس شرعا، ومع عدم انعقاده الله عز وجل شرَّع لك عدم الالتزام بها، اي ان هذا اليمين غير تام، على عكس يمين الجاهلية يلتزم به حتى لو كان مرجوحا.

وهنا تسأل:هل تتعلّق اليمين بالمرجوح؟

الجواب: ذكرنا في مسألة "النهي عن المعاملة يقتضي فسادها". فكيف الله عز وجل يشرع معاملة فيها مفسدة؟.

قد يقال: كما ذهب ابو حنيفة وايده بعض الاصوليين الكبار: "ان النهي عن المعاملة يقتضي صحتها"، إذ لا يتعلق الموجود بالمعدوم، فإذا كان البيع باطلا أي بحكم المعدوم شرعا، فكيف يتعلّق به النهي، والنهي أمر وجودي وليس امرا عدميا، كيف يتعلق الموجود بالمعدوم؟ فإذن لو لم تكن المعاملة صحيحة فلا يمكن تعلّق النهي بها.

نعم بداية إذا كانت المعاملة فاسدة أي باطلة وجودها كعدمها، فكيف يتعلّق بها النهي الذي هو امر وجودي، ؟ هذا محال عقلا.

اجبنا هناك نفس الجواب الذي سيأتي هنا: النهي عن المعاملة هو النهي عن المعاملة بمعناها اللغوي أي الواقع في الخارج مما يعتبره الناس بيعا بغض النظر عن الشرع لا المعاملة بالاعتبار الشرعي، أي يقول مثلا في البيع: ان هذا البيع الموجود في الخارج باطل أو منهي عنه، أي ان النهي متعلق بالواقع الخارجي لا المعاملة الشرعية.

وهنا في اليمين نفس الشيء قالوا: " تحلة ايمانكم " اعتبروه يمينا إذن يجوز للأنسان ان يحل يمينه، لان الله اعتبره يمينا، اعتبر ما فعله الرسول يمينا أي يمينا شرعيا.

جوابنا: لقد استعمل القرآن اليمين بما هو لفظ بمعناه الموجود بين الناس، اليمين باطلة لمرجوحيتها، فلم تقيّد نفسك بها.

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ﴾ [3] فلا تحرم على نفسك ما احله الله لك، لان اليمين باطلة.

لذلك هناك بعض الروايات انه يستحب في النذر الباطل الكفارة وليست بواجب، وفي ذلك مصالح من عدة اوجه كالدفع على عدم حلف اليمين جزافا.فنحمل الكفارة على الاستحباب جمعا بين الروايات.

في مسألة النذر، هناك رواية في استحباب التكفير عن النذر غير المنعقد. الوسائل: ح 10- محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عبد الجبار عن أبي جميلة عن عمرو بن حريث عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل قال: ان كلم ذا قرابة له فعليه المشي إلى بيت الله وكل ما يملكه في سبيل الله وهو برئ من دين محمد، قال: يصوم ثلاثة أيام ويتصدق على عشرة مساكين . [4]

حكم تكليفي استحبابي وهو من قبيل الظهار الباطل برأينا لكن من باب التأديب عليك الكفارة.

وبالحاق اليمين بالنذر غالبا قد يقال: كما يستحب التكفير في النذر أيضا يستحب التكفير في اليمين، حتى لو كان النذر أو اليمين باطلا غير منعقد.

 


[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج16، باب17ح10، ص201.
logo