< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

45/07/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: لو تعارض الأصل مع الخبر، ماذا نفعل؟

 

     سقوط الأصل يكون بأحد امرين: إما بزوال الشك بصدور علم اجمالي أو علم تفصيلي، وإما باقتران الشك بعلم اجمالي.

     الفرق بين الموضوع والمورد.

     الشك موضوع الأصل ومورد للأمارة.

     إذا كان متعلق العلم الإجمالي حكما ترخيصيا فلا أثر له.

     الفرق بين نظريتي الآخوند والشيخ الانصاري في سبب عدم جريان الأصل العملي، هل هو عدم جريانه من الأساس مع وجود العلم الإجمالي أو للزوم المخالفة القطعيّة لو أجرينا الاصلان؟.

تذكير: نعود إلى اذا تعارض الأصل مع الروايات، قلنا ان هناك حالات:

تارة يكون الأصل نافيا للتكليف، وتارة يكون الأصل مثبتا للتكليف. وتارة يكون الأصل تارة نافيا وتارة مثبتا.

الأصل النافي للتكليف كأصل البراءة، والاصل المثبت للتكليف كأصالة الاشتغال أي الاحتياط. والاصل تارة ناف وتارة مثبت كالاستصحاب، أو التخيير.

وقلنا انه إذا كان الأصل مثبتا للتكليف فلا مانع من جريان الأصل ولو تعارض مع رواية.

البحث هو انه هناك اتجاهان في حجيّة الرواية إذا تنافى الأصل مع الرواية:

اتجاه ان العمل بالرواية من باب الحجية، كما لو استدلينا على دليل الحجية بالآيات القرآنية كـ " ان جاءكم فاسق فتبيّنوا "، أو السيرة العقلائية، أو الاجماع، أو نفس الروايات بناء على التواتر الإجمالي ثم المعنوي، كل هذه تؤدي إلى حجية الخبر كخبر.

وتارة نستدل على حجية الخبر من باب العلم الإجمالي الذي يقتضي الاحتياط.

كل الحالات سواء كان كالأصل المحرز أو غير المحرز، والاصل المثبت وغير المثبت، رواية ترخيصيّة أو الزاميّة، لكل هذه الحالات مناط واحد في المعالجة وهو يدور حول أمرين اساسيين:

متى يسقط الأصل العملي أو متى لا يجري؟

يسقط أو لا يجري بأحد امرين: إما بسقوط الشك، لان الشك دخيل في موضوعه، وقلنا سابقا انه هناك فرق بين المورد والموضوع.

موضوع الأصل هو الشك، ومورد الامارة أيضا هو الشك، والفرق بينهما ان الموضوع هو ما كان الشك جزءا أساسيا في الموضوع، اما في المورد فلا يكون دخيلا في الموضوع، عندما أشك في حكم ابحث عن دليل، وقد لا اشك أصلا وياتيني دليل، فمثلا: لو اخبرني شخص بموت فلان من دون سابق تصور أو شك، ومثل: ﴿أوفوا بالعقود﴾. نعم، غالبا ما يكون البحث بعد الشك وهذا معنى كونه موردا وليس موضوعا، اما في الأصل العملي جزء الموضوع هو الشك، فعندما اعجز عن الدليل اقف حائرا واتساءل فاذا اعمل؟ .

إذن يسقط الأصل عن الجريان إذا انتفى الشك لانتفاء الموضوع. وانتفاء الشك يكون إما بحصول علم وجداني أو علم تعبدي كحجية خبر الواحد، او الشهرة الحجّة، أو الظن المطلق الحجة، أو الاجماع المنقول الحجّة، كل هذه ليست علوما ولا يقينيات، لكن تعبدا نزلت منزلة اليقينيات.

والحالة الثانية هي اصطدام جريان الأصل بان يكون متعلّقه احد طرفي العلم الإجمالي، فمع وجود العلم الإجمالي ينتفي جريان الأصل وذلك على القول المشهور.

ومن باب اغناء المطلب، وتوضيحا، هناك كلام بين الأصوليين وهو ان الأصل لا يجري عند وجود علم اجمالي، ولكن ما هو سبب عدم الجريان؟ هل لانه يؤدي إلى انتفاء العلم الإجمالي، بمعنى انه هل جريان الأصل يتعارض مع العلم الإجمالي إذا جريا؟ للزوم الجريان المخالفة القطعية، لأننا إذا أجرينا احدهما دون الآخر لزم الترجيح بلا مرجح، وإذا أجرينا الاصلين لزمت المخالفة القطعية وهذا هو كلام الشيخ الانصاري (ره) في الرسائل والمرزا النائيني (ره) وهو ما نذهب إليه أيضا.

أو ان مجرّد "لا تنقض اليقين بالشك ولكن تنقضه بيقين آخر"، فبمجرد وجود علم اجمالي أو تفصيل فهو يقين فالأصل من أساسه لا يجري، لان العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي في كونه علما. وهذا ما ذهب اليه صاحب الكفاية (ره) لان الاصل موضوعه الشك، والشك ينتفي سواء كان بعلم تفصيلي أو بعلم اجمالي، فكما انتفي الشك بالعلم الوجداني أو التعبدي أيضا ينتفي الشك بعلم تفصيلي وعلم اجمالي لان الموضوع ينتفي. وهذا التوجيه لعدم جريان الأصل له ثمرة عملية.

فإذا طبقنا سبب سقوط الأصل نستخرج النتائج، كما إذا بقي الشك ولم يكن هناك مخالفة قطعية للعلم الإجمالي tالأصل يجري.

ونذكر fالفرق بين الاخذ بالخبر من باب الحجيّة وبين الاخذ بالخبر من باب العلم اجمالي:

بناء على الحجيّة: يصح انتسابه إلى المعصوم (ع)، ثانيا: انه تثبت جميع اللوازم الشرعية وغير الشرعية.

اما بناء على الاخذ به من باب العلم الإجمالي: أولا: لا استطيع ان انسبه للإمام، ثانيا: لا استطيع ان اثبات إلا اللوازم الشرعية فقط.

هذا ملخص ما تدور عليه معالجة مسائل التعارض بين الأصل العملي والخبر.

إذن فإذا كان الأصل مثبتا للتكليف كالاشتغال فلا مانع من جريان الأصل.

كذلك تظهر ثمرة ثالثة وهي انه إذا قلنا بجريان الأصل يجب العمل بالأطراف الأخرى من اطراف العلم الإجمالي بناء على كون العمل بالخبر من باب العلم الإجمالي، فانه تجب صلاة الجمعة، وتجب صلاة الظهر أيضا احتياطا فالشك في الامتثال، لبقاء أصالة الاشتغال على جريانها، فإن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

فإذا اجرينا الأصل بناء على الحجية ينتفي العلم الإجمالي وينحل فلا احتياط.

اما بناء على العلم الإجمالي، فكما جرى الأصل في صلاة الجمعة كذلك يجري الأصل في صلاة الظهر، إذن يجب العمل بالطرف الآخر أيضا بناء على جريان الأصل، ونحتاج للاحتياط بالإتيان بالصلاتين.

وبهذا يظهر ما في كلام السيد الخوئي (ره): "وظهر بما ذكرناه ان الفرق بين حجية الخبر ووجوب العمل به من باب الاحتياط في هذا الفرض من وجوه ثلاثة:

الأول: أنه على تقدير حجيته لا يجري الأصل، وعلى تقدير وجوب العمل به من باب الاحتياط لا مانع من جريانه، وإن لم يفترق الحال في مقام العمل بين جريانه وعدمه على ما تقدّم". [1]

لكن نقول: انه يفترق الحال، لان الطرف الثاني بناء على جريان الأصل يجب ان اعمل به لجريان أصل الاحتياط.

وهناك صور عديدة لتعارض الأصل العملي مع الخبر، والمدار في حلّ هذه المشكلة ومعالجتها التعارض إلى انحلال العلم الإجمالي لها أو إلى سقوط جريان الأصل وسقوط جريان الأصل يكون لاحد أمرين:

     إما بانتفاء الشك لأن موضوع الأصل هو الشك، وانتفاؤه يكون بحصول العلم، إما وجدانا وإما تعبدا. مثلا: في حرمة أكل ثمار البحر اشترط المشهور شرطين: أن يكون سمكا وأن يكون له فلس. وورد في الروبيان نص في الحلية مع العلم انه ليس سمكا. ومثال آخر كحرمة أكل الحشرات وأتى نص بحلية أكل الجراد.

     وإما باصطدامه بعلم اجمالي بأن يكون مجراه أحد طرفي العلم الإجمالي، فإذا جرى الأصل في احد الطرفين دون الآخر فهو ترجيح بلا مرجح، وإن جرى في كلا الطرفين، فهو يصطدم بالعلم الإجمالي، مثلا: إناءان احدهما نجس: فان جرى اصل الطهارة في احدهما دون الآخر فهو ترجيح بلا مرجح.

وان جرى في كليهما اصطدم اصل الطهارة بالعلم الإجمالي بنجاسة احدهما. فتكون المخالفة القطعية.

ثم انه لا بد من التنبه من أن العلم الإجمالي إذا كان متعلقا بحكم ترخيصي فلا أثر له، إذ الاحتياط لا يكون بجواز الترك، واثر العلم الإجمالي هو في ما لو كان متعلّقه حكما ألزاميا. مثلا: اعلم ان احد الذبيحتين حلال، هذا العلم الإجمالي لا اثر له لانه ترخيص وليس الزام، والعلم الإجمالي يؤدي إلى احتياط، والاحتياط عمل،

حينئذ في مسألتنا نعلم بصدور احدى الروايتين لكن لا اثر لهذا العلم الإجمالي لأنه ترخيص فلا يعارض الالزام حينئذ لو كان الأصل الزاميا.

إذن: إذا كان العلم الإجمالي متعلقا بحكم ترخيصي فلا أثر له، فالاحتياط لا يكون بجواز الترك، والاثر الإجمالي هو فيما لو كان متعلّقه الزاميا.

النتيجة: ان المدار الذي يدور حوله معالجة مسائل التعارض بين الأصل العملي والرواية بناء على كون وجوب العمل بالخبر من باب العلم الإجمالي هو هذه الأمور الثلاثة، فلا تغفل عن ذلك عند التطبيق.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo