< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

43/11/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الهلال:

     القول الثاني وهو كون بداية الشهر هو الرؤية الفعليّة الشخصية، والجواب عليه.

نكمل الكلام في القول الثاني وهو ان بداية الشهر من حين الرؤية الفعليّة بالعين المجرّدة وهو المشهور، وذكرنا ما يمكن الاستدلال به كثرة الروايات حتى تكون متواترة في المنطوق والمفهوم من الفريقين:

ومنها: في الوسائل: ح 2- محمد بن الحسن بإسناده (صحيح) عن علي بن مهزيار (ثقة)، عن محمد بن أبي عمير (ثقة)، عن أبي أيوب وحماد (ثقة)، عن محمد بن مسلم (ثقة)، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية الحديث.

ورواه الكليني عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد (ثقة)، عن علي بن الحكم (ثقة)، عن أبي أيوب (ثقة)، عن محمد بن مسلم (ثقة). ورواه الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم. ورواه المفيد في (المقنعة) عن ابن أبي عمير نحوه.[1]

من حيث السند: الرواية صحيحة معتبرة.

ومن حيث الدلالة: فهي تدل بالمنطوق على حصر بداية الشهر بالرؤية، وعلى وجوب الصوم بالملازمة حيث يقول: " وليس بالرأي ولا بالتظني، ولكن بالرؤية " ومع اليقين تتحقق البداية ايضا.

ومنها: ح 4 – محمد بن الحسن عن علي بن مهزيار (ثقة)، عن الحسن بن علي (ابن فضال ثقثة فطحي)، عن القاسم بن عروة (ثقة)، عن أبي العباس (ثقة)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الصوم للرؤية والفطر للرؤية وليس الرؤية أن يراه واحد ولا اثنان ولا خمسون. ورواه الصدوق بإسناده عن القاسم بن عروة. [2]

من حيث السند: الرواية موثّقة لوجود ابن فضال، فالقاسم بن عروة ثقة لرواية ابن ابي عمير والبزنطي عنه، وهذا كاف للتوثيق عندنا حيث لم يُروَ فيه ذمّ، ويؤيد التوثيق رواية بعض الأجلاء عنه. فالسند صحيح.

اما من حيث الدلالة: فان تعريف المسند إليه وذلك في قوله (ع): " الصوم للرؤية " ظاهر في الحصر، كما في قولنا: " المنطلق زيد ".

كذلك فالرواية ظاهرة في الرؤية المجرّدة حيث اشترط شياع الرؤية في قوله " ولا خمسون ".

الجواب على هذا القول أي الرؤية المجرّدة الفعليّة: نقول: لا شك أن مبدأ الشهر القمري أمر واحد، يشير إليه أمور متعددة منها الرؤية، ومنها إكمال العدّة، ومنها البيّنة، ومنها الحساب كما في نص الروايات.

ولا شك انها ماهيات متباينة تشير إلى أمر واحد وهو بداية الشهر القمري:

عباراتنا شتى وحسنك واحد وكل إلى ذاك الجمال يشير

ومثل: " تعددت الأسباب والموت واحد".

والجمع بين هذه الماهيات المتعددة نقول: ليس المراد تحقق الرؤية المجرّدة الفعليّة، بل المراد هو وجود القمر بحالة لو لم يكن مانع من غيم أو غبار أو جبل أو غير ذلك لأمكن رؤيته، وهذا ما نسميّه بالرؤية الامكانيّة، أي هي قضيّة شرطيّة: " إذا لم يمنع مانع أمكن رؤيته " فإمكان الرؤية بالعين المجرّدة مع عدم وجود مانع هو ما تؤدّي إليه الأدلّة، وهو ما سنختاره في القول الثالث.

القول الثالث: هو بداية الشهر هو وصول القمر إلى مرحلة يمكن أن يرى بالعين المجرّدة، والدليل عليه ما يقتضيه الجمع بين روايات الرؤية الظاهريّة في تحققها بالعين المجرّدة، وبين روايات ثبوت الشهر في بلد آخر، وبروايات إتمام العدّة، كل هذه الروايات تشير إلى أمر واحد وهو: ان القمر في موقع يمكن أن يرى وهو ما سمّي بالهلال.

نذكر منها: الوسائل: ح 2- محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد (ثقة)، عن القاسم (الظاهر انه القاسم بن محمد الجواهري، يقول الحر في الوسائل: واقفي قاله الشيخ والنجاشي، وذكر ابن داوود انهما اثنان، واحدهما يروي عنه الحسين بن سعيد وهو ثقة، ومأخذ التوثيق خفي)، عن أبان (ثقة)، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (ثقة) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هلال رمضان يغُم علينا في تسع وعشرين من شعبان فقال: لا تصم إلا أن تراه فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه. [3]

ظاهر الرواية ان سبب عدم الرؤية هو المانع الطبيعي من غيم أو شبهة، ولولاه لأمكن رؤيته، أي أن البلد قد دخل في بداية الشهر ولو لم تتحقق الرؤية فعليا، وبعبارة أخرى: رؤية بلد آخر تؤكّد لي وجود القمر بهذه المرحلة وهي بداية الشهر، وهذا يعنى أن الرؤية الفعليّة ليست شرطا.

ومنها: ما في الوسائل: ح 13- محمد بن الحسن بإسناده عن سعد بن عبد الله (ثقة)، عن إبراهيم بن هاشم (ثقة) عن إسماعيل، عن يونس بن عبد الرحمن (ثقة)، عن حبيب الخزاعي (الخثعمي الجماعي، مجهول) قال: قال أبو عبد الله (ع): لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة. وإنما تجوز شهادة الرجلين إذا كانا من خارج المصر، وكان بالمصر علّة، فأخبرا انهما رأياه وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية وأفطروا للرؤية. [4]

في مقام الدلالة: مبدأ الشهر واحد عند الجميع، لكن امتنعت رؤية الهلال لعلّة، ولذا قُبل قول الشاهدين من خارج المصر حيث لا توجد علّة.

ومنها رواية الشهادات الكثيرة:

الوسائل: ح 11- محمد بن الحسن بأسناده عن علي بن مهزيار (ثقة)، عن محمد بن ابي عمير (ثقة)، عن أيوب وحماد (ثقتان) عن محمد بن مسلم (ثقة) عن ابي جعفر (ع): قال: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فافطروا، وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية. قال: والرؤية ليس ان يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد: هو ذا هو، وينظر تسعة فلا يرونه، إذا رآه واحد رآه عشرة آلاف، وإذا كانت علّة فأتم شعبان ثلاثين. وزاد حماد فيه: وليس أن يقول رجل: هو ذا هو لا أعلم إلا قال: ولا خمسون.

ورواه الكليني عن عدّة من اصحابنا عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن ابي أيوب مثله، إلى قوله: إذا رآه واحد رآه ألف، ولم يزد على ذلك. ورواه الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم مثله.[5]

من حيث السند الرواية معتبرة.

ومن حيث الدلالة فان فيها نكتة لطيفة وهي ان القمر إذا كان بحالة يمكن ان يرى أصبح هلالا، فالمفروض ان يراه كل الناس في الحالة الطبيعيّة، فإذا لم يره سوى واحد أو اثنان يقع الشك في رؤيتهما، إذ نسأل: لماذا لم يره الآخرون والمفروض أن يراه الجميع.

ولذلك كان بعض الفقهاء يرفض شهادة الواحد أو الاثنين، وهذا دليل واضح على أن بداية الشهر القمري هي الهلال، وحينئذ فالقضيّة الشرطيّة هي التالية: " أن يصل القمر مرحلة يكون فيها هلالا ولم يٌرَ فعلا ".

نعم ورد في الروايات كفاية البيّنة. وحينئذ الرؤية في الهلال شأنها شأن بقيّة البينات في الإثبات، فالحكم الشرعي لا علاقة له بالبيّنة، إلا إذا حصل الاطمئنان باشتباهها.

وشأن البينات مجرّد الكاشف، فإذا قلت: " الدم نجس " ثم قامت البيّنة على أن هذا السائل الخارجي دم، وقلت لك: " يجب إثبات كون السائل الأحمر الخارجي بالبيّنة، فإن البيّنة هنا لا دخالة لها في موضوع الحكم، بل هي مجرّد إثبات.


[2] المصدر السابق.
[5] المصدر السابق، ح11، ص209.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo