< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

43/11/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الهلال:

     رمضان حقيقة لغويّة لا شرعيّة.

     محاكمة القول الأول: بداية الشهر القمري من حين ولادة القمر. والادلّة على ذلك.

     المقدّمة الأولى: الرؤية مأخوذة على نحو الطريقيّة لا الكاشفيّة، وإن كان ظاهر العنوان عندما يؤخذ في متعلّق الحكم هو ان له دخالة فيه، والخروج عن الظاهر يحتاج إلى قرينة.

     القرائن قد تكون عامّة كما في لفظ العلم والتبيّن، فإن المفهوم عرفا الكاشفيّة.

     من القرائن الخاصّة الروايات المستفيضة، بل المتواترة في اشتراط اليقين، وظاهرها اليقين من أي سبب.

 

وقبل البدء في تحقيق المسألة لا بأس من بيان نقطة مهمّة وهي:

إن بداية الشهر القمري ليست اختراعا شرعيا أي ليست حقيقة شرعية، بل هي مسألة لغويّة، بمعنى أن ليس للشارع اصطلاح خاص بها، ووضعٌ خاصٌ له، لا بنحو الارتجال ولا بنحو النقل [1] ، بل معنى لغوي أي هي حقيقة لغويّة، بمعنى ان نفس المعنى الذي كان موجودا عند العرب قبل الإسلام هو نفسه الذي استعمله الإسلام والقرآن من دون تبديل أو تغيير ولا تدخل في المفهوم. ولذلك سنبحث عن المعنى اللغوي ما هو؟ ولذلك أيضا قلنا انها شبهة مفهوميّة لغويّة، ومن التسامح التعبير قولنا: الشهر الشرعي، فالشهر القمري حركة كونيّة عاديّة والبداية اصطلاح لغوي كان موجودا قبل الإسلام.

يدّل على ذلك قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [2] الذي يستفاد منه أن شهر رمضان كان موجودا في الجاهليّة، باللفظ والمعنى أي حقيقة لغويّة [3] ، وقد نزل فيه القرآن.

ذكر في بعض المواقع أن أسماء الشهور عند العرب العاربة القديمة، لم تكن نفسها، بل تغيّرت أسماء الشهور القمريّة عند العرب المستعربة [4] قبل الإسلام بنحو مائتي عام، وكانت القاعدة التي وضعوا على أساسها أسماء الشهور مستمدّة من واقع الظروف الاجتماعيّة والمناخيّة، تبعا للأزمنة التي وقعت فيها هذه الشهور، حسبما اقترح كلاب بن مرّة من قريش من اجداد رسول الله (ص)، الذي قيل إنه صاحب تسميات الشهور القمريّة بأسمائها الحاليّة. [5]

والخلاصة: أن لفظ رمضان ووضعه لمعناه ليس بوضع شرعي خاص، بل هو نفس المعنى واللفظ اللغوي الذي كان قبل الإسلام. إذن فلنبحث في ما كان عند العرب في بداية شهر رمضان ونهايته، وبالتالي كل الشهور القمريّة.

ولما لم تكن المسألة شرعيّة فلا تحتاج للاجتهاد بل تحتاج للتتبّع ولذا طلبت من أهل الخبرة المساعدة على ذلك، وقد ادّعى بعضهم [6] ان الشهر القمري عند العرب كان يبدأ بولادة الهلال، وأرسل إلىّ دراسة حول الموضوع، لكن هذه الدراسة عبار ة عن تتبعات واستنتاجات لم أقتنع بها، ولم أجد فيه ما تطمئن له النفس بحيث يمكن ان يبنى عليه وتكون دليلا، والدراسة موجودة لديّ، وهي من حوالي ستين صفحة قطع A 4، وأنصح بقراءتها لتضمنها لفوائد عديدة.

ولنشرع بمحاكمة الآراء، ثم اتخاذ الموقف المناسب:

أولا: قول الفلكيين بان التولد هو بداية الشهر القمري، ومعناه خروج القمر من المحاق، وولادته.

وقبل الاستدلال عليه بما يمكن تصوّره من أدلّة، لا بد من بيان مقدّمات:

المقدّمة الأولى: إن الرؤية المأخوذة في الروايات الموجودة عند الفريقين، وتكاد تكون متواترة وليس فقط مستفيضة، هل هي مأخوذة على نحو الطريقيّة والكاشفيّة أو على نحو الموضوعيّة، هل للرؤية دخالة في موضوع ومفهوم بداية الشهر؟

ففي الأحاديث الكثيرة أخذت الرؤية في متعلّق الحكم بوجوب بداية الصوم أو بوجوب الإفطار.

في كتاب وسائل الشيعة للحر العاملي، في الباب الثالث من أبواب أحكام شهر رمضان ذكر ثمانية وعشرين حديثا، نذكر منها الحديث الأول:

ح 1 - محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنه سئل عن الأهلة فقال: هي أهلة الشهور، فإذا رأيت الهلال فصم، وإذا رأيته فأفطر. ورواه المفيد في ( المقنعة ) عن حماد بن عثمان مثله. [7]

من حيث السند: الرواية معتبرة مستفيضة.

من حيث الدلالة: فقد أخذ عنوان الرؤية في متعلّق الموضوع.

ثم انه: إذا اخذ عنوان في متعلّق حكم، فالظاهر الأولى يقتضي اعتباره قيدا ودخيلا في موضوع الحكم، أي الظاهر هو الموضوعية لا الطريقيّة والكاشفيّة.

نعم هذا الظاهر يمكن أن يثبت خلافه، وهو أن الرؤية مأخوذة على نحو الطريقيّة والكاشفيّة ولا دخالة لها في موضوع الحكم. لكن الخروج عن الظاهر يحتاج إلى قرينة صارفة عنه، إما عامة وإما خاصة. وهنا يمكن تحصيل القسمين:

اما القرينة العامّة: فهي التعبير " بالتبيّن " و " العلم " مثلا، ففي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [8] أي " تبيّنوا " موضوع الحكم، فيكون التبيّن كاشفا عن موضوع الحكم، ولا دخالة له فيه، بل هو أمر إثباتي محض. فالعرف اللغوي مأخوذ على نحو الطريقيّة وليس على نحو الموضوعيّة التي تحتاج إلى تكلّف.

وكذلك العلم والرؤية، فإن الارتكاز العرفي وفهم الناس هو كونها طريقا لاثبات الواقع، فلو قلت لك: إذا علمت ان زيدا محتاج فاعطه " فان الفهم العرفي يقتضي أن موضوع الحكم هو " المحتاج "، ولا دخالة " للعلم به " في الحكم.

وأما القرائن الخاصّة: نذكر منها:

الروايات الواردة في الباب الثالث السابق الذكر التي تدل على الكاشفيّة، والتي تؤكد عدم ثبوت الهلال بالتظنّي التي يفهم منها وجوب تحقق الموضوع بالملازمة البيّنة بالمعنى الأخص. أي نفهم من الروايات " وإياك والتظني " أي ببداية الشهر، وهذا يعني لو تحقق العلم ببداية الشهر لكفى، فالعلم أصبح عبارة عن كاشف وليس موضوعا وكذلك الرؤية.

منها: ح 11- محمد بن الحسن، عن الحسين بن سعيد (ثقة)، عن فضالة (بن أيوب ثقة)، عن سيف بن عميرة (ثقة وثقه الشيخ الطوسي)، عن إسحاق بن عمار (ثقة فطحي)، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: في كتاب علي عليه السلام صم لرؤيته وأفطر لرؤيته، وإياك والشك والظن، فان خفى عليكم فأتموا الشهر الأول ثلاثين. [9]

نفهم من هذا الحديث بالدلالة الالتزاميّة بالفهم اللغوي كفاية اليقين دون غيره. والطريق اليقيني هو الرؤية فلو تحقق اليقين بسبب آخر غير الرؤية كفى. و " اتموا الشهر ثلثين " تعني أن الرؤية ليس هي الموضوع، فللعدد قيمة فلا حصر بالرؤية، بدية الشهر تكشف عنه الرؤية وغير الرؤية.

ومنها: ح 13- محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار (ثقة)، عن علي بن محمد القاساني قال: كتبت إليه وأنا بالمدينة أسأله عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان هل يصام أم لا؟ فكتب: اليقين لا يدخل فيه الشك، صم للرؤية، أفطر للرؤية. [10]

فهم منها ان الأساس هو اليقين سواء حصل من الرؤية أم من غيرها أي اليقين ببداية الشهر.

ومنها: ح 16 – محمد بن الحسن بإسناده عن سعد بن عبد الله (ثقة)، عن العباس بن موسى (ثقة وثقه الشيخ والعلامة)، عن يونس بن عبد الرحمن (ثقة)، عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز (ثقة)، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: إن شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوا بالتظني. [11]

ومن الواضح ان المقصود هو اثبات الواقع والتثبت منه على نحو اليقين.

 


[1] في المنطق الوضع على قسمين: المرتجل والمنقول. المرتجل هو الذي يوضع الاسم عليه من دون ملاحظة علاقة بين المعنيين القديم والجديد. والمنقول أي يكون هناك معنى وانقله إلى معنى آخر مع ملاحظة علاقة مصححة للنقل، مثلا: " لفظ قطار" كان موضوعا للجمال المقطورة ثم نقل إلى العربات المقطورة.
[3] قد يقول بعضهم احتمالا ان لفظ الصيام بمعناه الاصطلاحي لم يكن موجودا، اما معنى الصيام فقد كان موجودا، كما في قوله تعالى: " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ".
[4] قسم العرب على قسمين: القحطانيّن والعدنانيّن. القحطانيون هم اليمنيّون، والعدنانيون هم من نسل اسماعيل. وسموا ايضا العاربة والمستعربة، المستعربة الذين طرء عليهم العروبة كانوا اساسا عبرانيّن أو كنعانيّن.
[5] فائدة: قد تكون بعض الاعمال والاختراعات والاشياء بسيطة او نظنّها بسيطة لكن بزمنها تكون مهمّة جدا وتؤدي إلى تطوّر المجتمع وتدفعه الأمام، وتدل على عبقريّة الشخص الذي قام بها وحققها، مثل " كلاب بن مرّة " الذي نظّم حياة امّة كاملة، ومن قبيل " قصي بن كلاب " عندما بنى دار الندوة الذي هدم في ايامنا هذه للأسف الشديد، وهو عبارة عن بناء بني حتى يجتمع فيه زعماء قريش والعرب ويأخذون هناك القرارات المهمّة، فهو اولّ ومجلس شورى في الجزيرة العربيّة. هذا يدل على عبقريّة سياسيّة اداريّة، هذا الدار كان يعقد فيه للحرب والزواج وغيرها من الامور المهمّة. وكذلك في اختراع الصفر الأمر ليس سهلا، يمكن ان يكون استعمال الصفر أهم ابتكار في تاريخ البشريّة في عالم الحساب والرياضيات. ذكرنا ذلك في فائذة سابقة.
[6] هو البروفسور يوسف مروّة (ره) من بلدة النبطيّة في جبل عامل.
[10] المصدر السابق.
[11] المصدر السابق.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo