< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

43/10/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الهلال

     المسألة قديمة:

     مقدّمة ومقصدان: الأول: في مفهوم بداية الشهر القمري. والثاني: في وسائل الإثبات.

     حركة القمر مسألة تكوينيّة، اما بداية الشهر في مسألة اعتباريّة.

     الاحتمالات والاقوال في بداية الشهر القمري خمسة، ولا مانع من غيرها: 1- التولد. 2- إمكان الرؤية بالعين المجرّدة. 3- إمكان الرؤية بالعين المسلّحة. 4- الرؤية الفعليّة بالعين المجرّدة. 5- الرؤية الفعليّة بالعين المسلّحة.

 

هذه المسألة قديمة بحثها الفقهاء وتوسعوا فيها لأهميّتها وكثرة الابتلاء بها، وأهم تطبيقاتها الفقهيّة بداية شهر رمضان وشهر شوال والحج.

وسيتم تنظيم البحث في مقدّمة ومقصدين:

الأول: في مفهوم أول الشهر القمري؟ أي متى يبدأ الشهر القمري؟

والثاني: في وسائل الإثبات.

أما المقدّمة:

فلن أدخل في كيفيّة تكوّن الهلال وغير ذلك من المسائل الفلكيّة.

أولا: أني سأتركها إلى أهل الخبرة فلست عالما فلكيا، وليس لها الأثر الكبير في مطلبنا.

ثانيا: لعدم دخالتها فيما نحن فيه إلا في بعض نقاط تتعلّق في وسائل الإثبات وليس في أصل الموضوع.

لكن لا بد من بيان أمر مهمّ وهو: إن حركة القمر حول الأرض وحول نفسه حركة كونيّة واقعيّة تكوينيّة حقيقيّة لا علاقة للاعتبار فيها.

أما بداية الشهر فهي مسألة اعتباريّة محضة تماما كبداية اليوم وبداية السنّة وبداية الشهر، انها اصطلاحات بشريّة.

مثلا ولتقريب الفكرة.

بداية السنّة: شعوب الأرض لما أرادت أن تنظّم أمورها بحسب الزمان اتخذ بعضهم الشمس أساسا كالبابليين والرومان والفرس، واتخذ آخرون القمر أساسا كالعرب والصينيين.

وجعلت شعوب الأرض - حتى من غير المسلمين - السنة مقسّمة إلى اثني عشر شهرا، إلا سنة واحدة وهي السنة الاثيوبيّة القديمة - من حوالي اربعة ألاف سنة - فكانت ثلاثة عشر شهرا، اثنا عشر منها كل منها ثلاثون يوما، وشهر واحد هو عبارة عن خمسة أيام وربع. وهذا الشهر يعتبرونه عيدا يمنع فيه على راهبات المعابد الامتناع من أي أحد. [1]

وبداية السنة الشمسيّة جعلها الفرس في أول الربيع في شهر آذار وسمّوه عيد ويوم النوروز، وجعلها الرومان في أو أول كانون الثاني وكذلك غيرهم من الشعوب والامم.

إذن بداية السنة الشمسيّة، وكذا بداية السنة القمريّة الهجريّة مسألة اعتبارية محضة، فقد اعتبرها المسلمون في الأول من المحرّم، وفي بعض الروايات الأول من رمضان لأنها معللة: " لأن الله تعالى يحب أن تبدأ سنته بطاعته "، ولا مانع من ذلك، فهذا اعتبار محض.

واما بيان اليوم: اليوم هو أربع وعشرون ساعة، ولعلّ هذا التقسيم جاء من البابليين، وكانوا قوما برعوا في علم الفلك، ولعلّ مما ساهم في براعتهم في ذلك كثرة النجوم في سماء العراق مقارنة مع غيرها. فينسب إليهم تقسيم الساعة إلى ستين دقيقة، وتقسيم اليوم إلى أربع وعشرين ساعة، وهكذا، جاعلين من الرقم ستة أساسا للتقسيمات.

واليوم يبدأ عند العرب من غروب الشمس وينتهي في غروبها الساعة الغروبيّة، وعند الساعة الزوالية الحاليّة المتداولة في أيامنا هذه من منتصف الليل إلى منتصف الليل، وبعض الشعوب من طلوع الشمس إلى طلوع آخر، ولذلك يمكن مراجعة كتاب " الأزمنة والامكنة ". فبداية اليوم أيضا محض اعتبار.

بداية الشهر القمري: كذلك بداية الشهر القمري هي محض اعتبار، لان حركة القمر والشمس والافلاك هي حركة كونيّة تكوينيّة، اما بداية الشهر فهي بحسب ما يراه المنظمون للأوقات في كل شعب، فلا مانع من أن يكون الابتداء من أية حالة، فلا مانع من أن تكون البداية من الولادة، ولا مانع من جعلها من كون القمر بدرا، فيكون الشهر من البدر إلى البدر، وغير ذلك مما يمكن تصوّره، فلا مانع من ذلك أبدا.

ملخص ما نريد قوله ان مسألة بداية الشهر القمري مسألة اعتباريّة محضة.

بعد هذه المقدّمة نستطيع الدخول في المقصد الأول:

المقصد الأول: متى يبدأ الشهر القمري؟

اختلفت الآراء والاتجاهات، فقد اعتبر الفلكيون أن أول الشهر القمري هو لحظة ولادة الهلال، أي خروجه من المحاق. واعتبر فقهاء المسلمين بداية الشهر هي الرؤية، - فالتاريخ الإسلامي الهجري العربي كتب، فإذا قيل: لخمس خلون من شعبان فمعناه من حين الرؤية. بحسب الرؤية وليس بحسب التولد - لما اشتهر عن النبي (ص): " صوموا لرؤيته ".

ولذا كانت الشبهة مفهوميّة [2] ، وليست مصداقيّة يبحث فيها عن الرؤية وكبر الهلال وعلوّه، أي أن الكلام والاختلاف هو في معنى ومفهوم أول الشهر القمري، بغضّ النظر عن إثباته، أي أن الكلام في مرحلة سابقة على الرؤية وفلان رأى وفلان لم يثبت عنده. وقلنا في منهجيّة الاستدلال أن أهم مرحلة على الاطلاق في الاستنباط أن نحدد الحكم والبحث في أي خانة، هل هي لغويّة أم عقلائيّة أم عقليّة، لا معنى لان تكون المسألة لغوية وابحثها عقليّا كما ادخلوا مباحث الالفاظ الأمور الفلسفيّة، ولا معنى لأن أبحث الأمر العقلي لغويا، وهكذا.

إذن الشبهة مفهوميّة وهي معنى بداية الشهر، ما هو بغض النظر عن اثبات الشهر، فكيف اعالجها؟

من هنا كانت إحتمالات، بل أقوال في بداية الشهر:

    1. إن البداية هي مع التولّد، وهذا عند الفلكيين.

    2. إن البداية مع إمكان الرؤية بالعين المجرّدة.

    3. إن البداية مع إمكان الرؤية بالعين المسلّحة.

    4. إن البداية مع الرؤية الفعليّة بالعين المجرّدة.

    5. إن البداية مع الرؤية الفعليّة المتحققة بالعين المسلّحة.

ولا مانع من وجود آراء أخرى، لان هذه الأقسام ليست من باب التقسيم العقلي الثنائي والحصر العقلي الذي يدور بين الوجود والعدم، بل المسألة استقرائيّة.

 


[1] سمعت هذا من أيام الدراسة الثانويّة من الدكتور محمد علي مكّي العالم المجتهد في اختصاصه وهو الجغرافيا.
[2] بحث بعنوان مفهوم أول الشهر ما هو؟ مبحوث لكن ضمن كم من الأبحاث، من دون عنونة واضحة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo