< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

43/08/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المفقود واحكامه: أدلّة من قال بصحّة طلاق الحاكم.

     بيان مختصر لقاعدة الضرر.

     الفرق بين الضرر والضرار.

     التفاتة الشيخ الاصفهاني الكومباني (ره) في " ألف " المفاعلة.

     الروايات إرشاديّة، وتكون مرجعية البحث هو بناء العقلاء، وهو المختار.

 

قلنا أن الروايات المعتبرة " لا ضرر ولا ضرار " غير المقيّدة، والمقيّدة بـ " على المؤمن " فهي مرسلة، ورواية " لا ضرر ولا ضرار في الإسلام " المقيّدة بـ " في الإسلام " سندها ضعيف.

ومعنى " لا ضرر " هو نفي الضرر، ونفي الضرر يكون نفيا اعتباريا، لان الكلام من الشارع وشأن الشارع كشارع ما هو شرعي اعتباري وليس في التكوينيات.

والسؤال كيف تنفي الضرر؟

والجواب: قد يكون بنفي حكم وقد يكون بجعل حكم، وحينئذ ليس مفاد الرواية نفي الحكم الضرري لانه مجرد نفي حكم، واثبات الاحكام لا يشمله حينئذ " لا ضرر ولا ضرار ".

والكلام في متن الرواية في ثلاثة أمور:

الأول: في الفرق بين الضرر والضرار، والظاهر أن الضرر مقابل النفع والمضرّة مقابل المنفعة، فيكون الفرق بين الضرر والمضرّة هو الفرق بين الفعل والنتيجة، الفرق بين المصدر واسم المصدر، وبين الخلق والمخلوق الذي هو النتيجة للخلق.

اما الضرار فهو قصد الفعل.

والاضرار هو قصد إيجاد الضرر، ولا معنى لكونهما بمعنى واحد، إذ يكون كما لو قال: لا ضرر ولا ضرر، وهذا لا يصدر عن فصيح بليغ.

قد يكون " لا ضرر " في صدر الرواية بمعنى نفي الضرر مطلقا، وقد يكون بمعنى نفي الضرر عن صاحب الحق والمالك أي لا ضرر عليك ولا يجوز منك قصد الضرر، وان كان ظاهرها لا ضرر " مطلقا، والذي يرجح الاطلاق انه في الروايات ذكر لا ضرر على مؤمن فلا ينحصر بالضرر على النفس والغير.

الثاني: في: " ألف " المفاعلة في " إنك لرجل مضار ". المعروف أن " ألف " المفاعلة للمشاركة تحتاج إلى طرفين كما في قولنا: " شاركته، قاتلته " واما قولنا " قتلته " اوجت القتل، اما " قاتلته " تحتاج للمفاعة والمشاركة والطرفين

ذكر السيّد الخوئي (ره) نقلا عن الشيخ محمد حسين الصفهاني الكومباني (ره) ان باب المفاعلة موضوعه لقيام الفاعل مقام إيجاد المادّة، وكون الفاعل بصدد إيجاد الفعل. نقلا عن مصباح الاصول للسيد سرور:

ثم إن المعروف بين الصرفيين والنحويين (الأولى أن يقول أهل اللغة) بل المسلم عندهم أن باب المفاعلة فعل للاثنين، لكن التتبع في موارد الاستعمالات يشهد بخلاف ذلك (أي ينفي دعوى المفاعلة). وأول من تنبه لهذا الاشتباه المسلم هو بعض الأعاظم من مشايخنا المحققين (ره) والذي يشهد به التتبع أن هيئة المفاعلة وضعت لقيام الفاعل مقام ايجاد المادة، وكون الفاعل بصدد ايجاد الفعل.

وأقوى شاهد على ذلك هي الآيات الشريفة القرآنية:

فمنها قوله تعالى: ( يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم ) فذكر سبحانه وتعالى أن المنافقين بصدد إيجاد الخدعة، ولكن لا تقع خدعتهم إلا على أنفسهم، ومن ثم عبر في الجملة الأولى بهيئة المفاعلة، لأن الله تعالى لا يكون مخدوعا بخدعتهم، لان المخدوع ملزوم للجهل، وتعالى الله عنه علوا كبيرا. وعبر في الجملة الثانية بهيئة الفعل المجرد، لوقوع ضرر خدعتهم على أنفسهم لا محالة.

ومنها قوله تعالى: ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، فيقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون. ) ووجه الدلالة واضح لا حاجة إلى البيان. والشواهد على ما ذكرناه في هيئة المفاعلة كثيرة في الآيات الشريفة جدا. ومن تتبع يجد صدق ما ذكرناه، فان بعض مشايخنا المتقدم ذكره قد تتبع لاستفادة هذا المطلب من أول القرآن إلى آخره. هذا ما يرجع إلى معنى لفظي الضرر والضرار. [1]

ذكرت ذلك للتأمل ان هل ما ذكره اللغويون أن " الالف " فقط للمفاعلة ام ان هناك شيء آخر، أقول انه لا مانع من الجمع بينهما.

إذن الروايات هي الدليل الأول على قاعدة لا ضرر، والنتيجة ان قاعدة لا ضرر هي رفع الضرر، ورفع الضرر قد يكون بنحو اثبات أو نفي حكم.

الدليل الثاني على قاعدة لا ضرر بناء العقلاء:

ويمكن ان يستدل ببناء العقلاء، فان الفطرة البشرية لا تستسيغ من الشارع العادل الحكيم تشريع ما كان مضرا أو مضارا، فكيف من أحكم الحكماء ورأس العقلاء والمشرعين، والإسلام دين الفطرة، فطرة الله التي فطر الناس عليها " كل مولود يولد على الفطرة " وقد فسّرت الفطرة في الحديث الأخير بانها الإسلام، وتصوّري أن الاطلاق مجازي والمراد من الفطرة الخلقة، والإسلام والاعتقاد به لازم للخلقة البشريّ، فيكون من باب تسمية اللازم باسم الملزوم.

ولذلك استظهر ان رواية " لا ضرر " ليست في مقام جعل حكم جعلي مولوي، بل هي ارشاد إلى ما هو عند العقلاء، وحكم العقلاء قائم على نفي كل ضرر في التشريعات. ضع نفسك مكان رسول الله (ص) وجاءك من يشتكي من جارٍ كسمرة ماذا تصنع معه؟ ما صنع الرسول (ص) سواء كان برفع حكم أو بجعل حكم كما قال النبي (ص): " اذهب واقتلعها " رفع حكم حرمة التعدي على النخل.

نتيجة قاعدة لا ضرر:

ولذلك انا اميل إلى ان قاعدة لا ضرر قاعدة عقلائيّة أرشدت اليها الروايات، فيكون بناء العقلاء هو المرجع في التحقيق والبحث عن الأحكام والآثار، وان كانت الروايات تصوب الحكم الفطري العقلائي إذا تعرّض إحالة من الضبابيّة أو الانحراف.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo