< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

43/08/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المفقود واحكامه: أدلّة من قال بصحّة طلاق الحاكم.

     الادلّة على قاعدة لا ضرر: الأول الروايات واستعراض بعضها، ومنها ما هو معتبر.

     المراد من الحديث محل كلام، وبنظري القاصر: نفي كل ما يؤدي إلى ضرر في عالم الاعتبار، سواء كان برفع حكم أو بجعل حكم.

بيان قاعدة لا ضرر وما نذهب اليه من فروع:

هل هذه القاعدة حاكمة على كون الطلاق بيد الرجل فيصبح لها حينئذ لها حق الطلاق مع وجود الضرر؟ وكلامنا في إذا خافت على نفسها من الوقوع في المعصية.

سنبحث في قاعدة لا ضرر حتى نستفيد منها انه هل نستطيع تطبيقها في مسألتنا أو لا.

استدل عليها: بالروايات: وهي عديدة مستفيضة مشهورة لدى الفريقين، وفي كتب الفريقين، من أصحها سندا هي رواية ابن بكير عن زرارة عن ابي جعفر (ع) في قصّة سمرة بن جندب التي ذكرناها أمس، وقلنا أن سندها معتبر والكلام سيقع في معنى الحديث ما المراد من لا ضرر، في أن " لا " نافية للجنس عندما تدخل على الماهيّة وبحذف المتعلّق فهي تنفي الجنس ولها معانٍ.

سنبحث معنى لا ضرر مفصلّة في أواخر المباحث تبعا لغيرنا ان شاء الله مع تطبيقاتها. والذي يهمنا في مسألتنا أمران ان معنى لا ضرر هل تنفي الاحكام الضرريّة الوجوديّة والعدميّة؟، وهل تثبت أحكاما أخرى أو لا؟

إذ قد يقال أن لا ضرر أن لسانها لسان نفي فلا تثبت أحكاما.

الامر الثاني الذي سنبحثه: لو تزاحم ضرران من قبيل تزاحم حق الرجل وحق المرأة هي تخاف على نفسها من الوقوع في المعصية، والطلاق حقة وطلاق الحاكم ضرر عليه، ماذا نفعل؟

ولا بأس باستعراض بعض الأحاديث الأخرى في روايات نفي الضرر:

ح 3: محمد بن يعقوب، علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن حفص، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السلام)

قال: سألته عن قوم كانت لهم عيون في أرض قريبة بعضها من بعض فأراد الرجل أن يجعل عينه أسفل من موضعها التي كانت عليه وبعض العيون إذا فعل ذلك أضر بالبقية من العيون، وبعض لا يضر من شدة الأرض، قال: فقال: ما كان في مكان شديد فلا يضر وما كان في أرض رخوة بطحاء فإنه يضر، وإن عرض على جاره أن يضع عينه كما وضعها وهو على مقدار واحد؟ قال: إن تراضيا فلا يضر، وقال: يكون بين العينين ألف ذراع. [1]

من حيث السند: مرسل.

من حيث الدلالة: " إن تراضيا فلا يضر " بمفهوم الشرط لا يجوز الضرر مع عدم التراضي.

4 - محمد بن يحيى (ثقة)، عن محمد بن الحسين (ثقة)، عن يزيد بن إسحاق شعر (روى عنه الاجلاء ولم يرد فيه طعن، ولم نوثقه) عن هارون بن حمزة الغنوي (ثقة عين)، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في رجل شهد بعيرا مريضا وهو يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم فجاء وأشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس والجلد، فقضى أن البعير برئ فبلغ ثمنه دنانير [2] قال: فقال لصاحب الدرهمين: خذ خمس ما بلغ فأبى قال: أريد الرأس والجلد فقال: ليس له ذلك هذا الضرار وقد أعطى حقه إذا أعطى الخمس. [3]

من حيث السند: يزيد بن إسحاق شعر روى عنه الاجلاء وعند البعض انه بمجرد رواية جليل عنه كاف في التوثيق، اما عندنا فقد بيّنا انها لا تكفي، وكذلك عدم ورود طعن فإنها تكون من المؤيدات ولا تكفي للتوثيق. إذن الرواية لا أستطيع الاتكال عليها ولكن يمكن أن نلحظها.

من حيث الدلالة: " ليس له ذلك هذا الضرار " والضرار بمعنى قصد الاضرار وليس بمعنى نفس الضرر.

ح 5 - محمد بن يحيى (ثقة)، عن محمد بن الحسين (ثقة) قال: كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) رجل كانت له قناة في قرية فأراد رجل أن يحفر قناة أخرى إلى قرية له كم يكون بينهما في البعد حتى لا يضر بالأخرى في الأرض إذا كانت صلبة أو رخوة؟ فوقع (عليه السلام) على حسب أن لا يضر إحداهما بالأخرى إن شاء الله، قال: وكتبت إليه (عليه السلام): رجل كانت له رحى على نهر قرية والقرية لرجل فأراد صاحب القرية أن يسوق إلى قريته الماء في غير هذا النهر ويعطل هذه الرحى أله ذلك أم لا ؟ فوقع (عليه السلام) يتقي الله ويعمل في ذلك بالمعروف ولا يضر أخاه المؤمن. [4]

من حيث الدلالة: الضرر مقيد بالأخ المؤمن، فهل إذا كان غير مؤمن يجوز ضرره؟

ح 7 - محمد بن يحيى (ثقة)، عن محمد بن الحسين (ثقة)، عن محمد بن عبد الله بن هلال (ورد في ضمن اسانيد كامل الزيارات، عندنا ليس دليلا كافيا على التوثيق)، عن عقبة بن خالد (ممدوح دعا له الامام الصادق(ع) وله كتاب، هذه قرائن على قبول الرواية)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل أتى جبلا فشق فيه قناة فذهبت قناة الأخرى بماء قناة الأولى قال: فقال: يتقاسمان بحقائب البئر ليلة ليلة فينظر أيهما أضرت بصاحبتها فإن رئيت الأخيرة أضرت بالأولى فلتعور. (وفي النهاية: عورت الركيّة واعورتها إذا طممتها وسددت أعينها التي ينبع منها الماء). [5]

من حيث السند: الكلام في محمد بن عبد الله بن هلال، فقد ورد في اسانيد كامل الزيارات، وقد ادّعي ام كل من ورد فيه فهو ثقة، إلا انه لم يثبت عندنا توثيق سوى من روى عنه ابن قولويه مباشرة.

وفي الحديث 8 - علي بن محمد بن بندار، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن بعض أصحابنا، عن عبد الله بن مسكان، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن سمرة بن جندب كان له عذق وكان طريقه إليه في جوف منزل رجل من الأنصار فكان يجيئ ويدخل إلى عذقه بغير إذن من الأنصاري فقال له الأنصاري: يا سمرة لا تزال تفاجئنا على حال لا نحب أن تفاجئنا عليها فإذا دخلت فاستأذن فقال: لا أستأذن في طريق وهو طريقي إلى عذقي قال: فشكا الأنصاري إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأرسل إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأتاه فقال له: إن فلانا قد شكاك وزعم أنك تمر عليه وعلى أهله بغير إذنه فاستأذن عليه إذا أردت أن تدخل فقال: يا رسول الله أستأذن في طريقي إلى عذقي؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): خل عنه ولك مكانه عذق في مكان كذا وكذا، فقال: لا، قال: فلك اثنان، قال: لا أريد فلم يزل يزيده حتى بلغ عشرة أعذاق، فقال: لا، قال: فلك عشرة في مكان كذا وكذا فأبى، فقال: خل عنه ولك مكانه عذق في الجنة، قال: لا أريد، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن، قال: ثم أمر بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلعت ثم رمى بها إليه وقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): انطلق فاغرسها حيث شئت. [6]

من حيث الدلالة: قال: " إنك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن "، في الرواية الأولى لم يذكر فيها " انك رجل مضار " أي الذي يقصد الضرر.

هذه هي الروايات فيها نقاط عدّة لاستفادة، والذي نريده هو التالي:

أولا: ما هو المرفوع بالضرر؟

ثانيا: ما معنى الضِرار؟ هل هو المشاركة ام مجرد القصد أو شيء آخر.

ثالثا: في ما لو تزاحم الضرران.

اما النقطة الأولى: ان الذي اراه في معنى الحديث هو ان المراد نفي كل ما ينشأ عنه الضرر من أحكام الناشئ من قبلة الضرر حيث قال في الرواية المعتبرة " لا ضرر ولا ضرار " لم يقيّد بشيء، هنا نفى الضرر والضرار، هل نفاه تكوينا؟ الجواب: لا، الضرر موجود، بل وليس من شأن الشارع أن ينفيه تكوينا، وشأنه كشارع ان ينفيه اعتبارا وتشريعا.

فالضرر قد ينتفي برفع حكم فارفع النهي مثلا ارفع النهي عن المتنجس فيما او توقفت الحياة على شربه، هذا رفع حكم. وأحيانا يكون نفي الضرر بجعل حكم، ولذلك لما قال: " لا ضرر " جعل " لا " النافية للجنس متعلّقة بنفس الضرر، أي يجب ان تنفي الضرر سواء كان بجعل حكم أو برفعه. ولما كان من شأن الشارع الشرع وليس الأمور التكوينيّة، والشرعيات تكون اما برفع حكم إذا أدى ثبوته إلى ضرر، أو بجعل حكم إذا كان الجعل يؤدي إلى نفي الضرر أيضا.

ولهذا نقول: ان المنفي هو نفس الضرر كما هو ظاهر لا النافية للماهية والجنس، ولكن لما لم يكن من شأن الشارع نفي الأمور الحقيقيّة والأمور الواقعيّة، بل من شانه الاحكام الاعتبارية، اعتبر كل ما من شأنه نفي الضر والاضرار، فمن صلاحيته قال لا ضرر ونفى كل ما يؤدي إلى ضرر سواء كان جعلا أو رفعا.

والكلام في متن الرواية في ثلاثة أمور: الفرق بين الضرر والاضرار، ألف المفاعلة ما معناها، ومتعلّق المنفي بلا.

 


[2] قيمة الدينار الشرائية عشرة دراهم، أي أصبح الربح ثمانين درهما.
[3] المصدر السابق.
[4] المصدر السابق.
[5] المصدر السابق.
[6] المصدر السابق.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo