< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

43/08/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المفقود واحكامه: أدلّة من قال بصحّة طلاق الحاكم.

     مع الشك في كون حديث " الطلاق بيد من اخذ بالساق " ان يكون في مقام بيان من كل الجهات والأفراد، فلا إطلاق له، لان الاطلاق أمر وجودي عندنا، لكن الانصاف ان دعوى الاطلاق وعدم الإهمال مقبولة، والذي يهون الخطب ان الرواية ضعيفة سندا لأنها عاميّة والشهرة عندنا غير جابرة.

     صدق الطلاق عرفا على طلاق الحاكم يصححه إنشاءا لا أثرا، فهو طلاق فضولي.

     تطبيق قاعدة لا ضرر ولا ضرار في مسألتنا.

     أدلّة القاعدة: الأول: وهي مشهورة عند الفريقين، وأصحها سندا الموثقة التي تذكر قصّة سمرة بن جندب: " لا ضرر ولا ضرار " وهي تخلو من ذكر الإسلام.

 

لذلك الحديث: " الطلاق بيد من أخذ بالساق " نشك بالاطلاق فيه وقلنا ان هناك مناشئ للشك.

فإذا قلنا أن الاطلاق أمر وجودي وانه في مقام بيان وناظر للأفراد فحينئذ نشكلا يكون الاطلاق ثابتا في الاطلاق، فإذن لا استطيع أن أجري أصالة الاطلاق في هذه الرواية، نعم لو قلنا أن الاطلاق أصل عدمي اي يرجع إلى عدم القرينة وإلى عدم التقييد، حتى لو شككت بثيوت الاطلاق فمجرّد عدم التقييد كاف، وهذا نحن لم نقل به وقلنا أن الاطلاق أمر وجودي.

لكن الانصاف ان دعوى الظهور في الاطلاق مقبولة، ولكن الذي يهوّن الخطب ان السند ضعيف والشهرة لا تجبر ضعف الرواية كما بيّنا.

ثم وان العقد يكون في كل العقود بالفسخ، واما في الزواج فيكون بالطلاق أو الفسخ، فالله عز وجل جعل طريقين لابطال عقد الزواج، أما في العقود والاديان فابطال الزواج له طريق واحد وهو الطلاق، ولكل من الفسخ والطلاق أحكامه.

لذلك نقول لو تمّ جواز ان يبطل الحاكم العقد، فالابطال بالطلاق انسب لذوق الشارع من الفسخ.

هذا بغض النظر عن ضعف سند الحديث، فهو حديث عامي بمعظمه وإن اشتهر، شهرة عمليّة وفتوائيّة وروائيّة على السنة الفقهاء من الاصحاب.

وبهذا التقريب يمكن الذهاب إلى ما ذهب إليه بعض الأكابر كما نقل السيد الخوئي (ره) في منهاج الصالحين.

ولا نزال في بيان حكم المفقود المعلوم والقول بأن الطلاق بين الرجل ولا يخرج إلا بدليل، هذه القاعدة من أين أتت؟

قلنا اما اتت من القرآن الكريم: ﴿إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ﴾[1] وحتى في الروايات الخطاب موجّه الذكور، ولعلّه من باب التغليب، واما الروايات فضعيفة سندا.

والدليل الثالث على حصر الطلاق بيد الرجل الاجماع، وقلنا ان الاجماع والسيرة دليلان لبيان نقتصر فيها على القدر المتيقّن وهو خصوص الحالات الطبيعيّة اما الحالات غير الطبيعيّة المشكوكة فتخرج عن هذا الاجماع.

والدليل الرابع أن الطلاق حقيقة لغويّة إجماعا، كما بيّنا.

لذلك نستطيع إجراء أصالة الاطلاق لطرد أي جزء أو شرط. فمع وجود الحقيقة اللغوية لمعنى الطلاق فبمجرد انطباق العنوان أستطيع طرد كل شرط أو جزء أو مانع. هذه القاعدة تتحكم في كل الأجزاء والشروط في المعاملات والعبادات. فعشرات المسائل في الرسائل العمليّة منشؤها هذه القاعدة: فكل ما أشك في انه جزء أو شرط أو مانع، فان كان هناك حقيقة لغويّة ومجرّد صدق العنوان، فبأصالة الاطلاق اطرد الشروط والاجزاء والموانع المشكوكة ولا تثبت إلا بدليل.

وعليه، إذا أردنا تطبيق ذلك فنقول: إن طلاق الحاكم يسمى طلاق لغة، فالقاعدة هو صحته إلا أن يخرج بدليل، وهنا لو طلّق الحاكم زوجة المفقود المعلوم حياته ولا تستطيع الصبر وتخشى على نفسها المعصيّة، فهو طلاق عرفا، إذن هو طلاق شرعي صحيح إلا أن يدل دليل على خلافه.

قد يقال: لا يصدق عليه عنوان الطلاق عرفا أصلا، لأنه لم يصدر عن أحد طرفيه المطلّق والمطلّقة، والحاكم اجنبي عن الطرقين. ولذا فهو باطل من أساسه ومجرّد لقلقة لسان.

فانه يقال: إن الطلاق الصادر عن أجنبي هو طلاق فضولي وأثر البيع أو الطلاق لا تمّ إلا بأذن ورضا المالك والزوج صاحب العلاقة، وقلنا سابقا أن الرضا شرط في التأثير لا شرط في الصحّة.

وقلنا في مسألة بيع الفضولي، أن البيع إذا تمّ من غير المالك كأن يبيع الإنسان ما ليس يملك لا يصدق عليه البيع عرفا إلا إذا تمّ ممن له نوع علاقة بالمالك، بحيث يكون نوع سلطة معنويّة أو قرابة أو ما شاكل ذلك. وعلى هذا صححنا بيع الفضولي إذا كان من هذا القبيل دون غيره.

نعم، يحتاج إلى رضا المالك لتأثير هذا العقد، وفرق بين التأثير والصحّة.

فمرادنا من الصحة هي تماميّة العقد كانشاء، وهو يتحقق بالإنشاء والصدق العرفي، وهذا لا يحتاج إلى رضا الطرفين، بل إلى قصد المنشيء للعقد. أما الرضا من المالك فهو شرط في تأثير العقد، ولذا لا يحتاج الأمر من الفضولي بعد الرضا إلى عقد جديد، ولو كان شرطا في صحّة العقد لاحتاج إلى عقد جديد.

وتطبيقا على الطلاق: طلاق الحاكم طلاق عرفا، إذن هو طلاق شرعا إنشاءا لا تأثيرا، ولا دليل على بطلانه.

ولكن: هذا الطلاق صحيح إنشاءا، لكنه يحتاج إلى رضا صاحب الحق، فإن رضي الزوج بعد ذلك أثَّر الطلاق، وإلا فلا أثر له وتبقى المرأة على الزوجيّة.

النتيجة: صدق الطلاق عرفا ينفنا في تصحيحه انشاءا من دون أثر، ويتوقف الأثر على رضا صاحب العلاقة، والقدر المتيقن منه الزوج.

هل يمكن الاستدلال بقاعدة لا ضرر وجعلها حاكمة على كون الطلاق بيد الزوج؟

يتزاحم في مسألتنا ملاكان حق الزوج والاضرار بالزوجة. ولا بأس بالقاء نظرة على قاعدة لا ضرر قبل بيان المختار.

من حيث الروايات القاعدة وردت بعدّة نصوص، ووردت عند الخاصّة والعامّة.

بيان قاعدة لا ضرر وما نذهب اليه من فروع:

أولا دليلها بالروايات.

استدل عليها: بالروايات: وهي عديدة مستفيضة مشهورة لدى الفريقين، وفي كتب الفريقين، لكن أصحها سندا هي رواية ابن بكير عن زرارة عن ابي جعفر (ع) في قصّة سمرة بن جندب: ح 2 – محمد بن يعقوب عدة من أصحابنا، عن أحمد بن حمد بن خالد (ثقة)، عن أبيه (مقبول عندي)، عن عبد الله بن بكير (ثقة فطحي)، عن زرارة (ثقة)، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن سمرة بن جندب كان له عذق (النخل بحمله) في حائط (البستان تسمية للمظروف باسم الظرف) لرجل من الأنصار وكان منزل الأنصاري بباب البستان وكان يمر به إلى نخلته ولا يستأذن فكلمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء فأبى سمرة فلما تأبى جاء الأنصاري إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فشكا إليه وخبره الخبر فأرسل إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخبره بقول الأنصاري وما شكا وقال: إن أردت الدخول فاستأذن فأبى فلما أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله فأبى أن يبيع فقال: لك بها عذق يمد لك في الجنة فأبى أن يقبل فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للأنصاري: إذهب فاقلعها وارم بها إليه فإنه لا ضرر ولا ضرار. [2]

فإنه لا ضرر ولا ضرار لا يوجد في الرواية بعدها كلمة في الإسلام، لم توجد هذه الكلمة إلا في رواية واحدة ضعيفة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo