< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

43/08/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المفقود واحكامه: أدلّة من قال بصحّة طلاق الحاكم.

     العقلاء اعتبروا العقود للوصول إلى تبادل الحقوق.

     آثار العقد على قسمين: قسم ينتفي العقد باشتراط انتفائه، وقسم لا يكون كذلك.

     الكلام في القاعدة في هذا القسم الثاني.

كان الكلام في تأسيس قاعدة لم أجد من بحثها على حدّ اطلاعي السريع القاصر وهي: في العقود عند تقصير أحد طرفي العقد وإخلاله بأداء الحقوق الثابتة عليه للآخر في العقد، والعقد ثمرته تبادل حقوق، فهل الأصل حق الفسخ للطرف الآخر؟

قلنا في العقد ثلاثة أمور:

الاول: نفس الإنشاء، وهو الصيغة التي يتم إنشاء العقد بها.

الثاني: الحالة الوضعيّة الناشئة عن الصيغة، كحالة البيع أو الزوجيّة.

الثالث: آثار العقد، كالنقل والانتقال في البيع، وكجواز الوطئ ووجوب النفقة والإرث وغيرهما في عقد النكاح.

ثم إن هذه الآثار على قسمين:

قسم لازم بالمعنى الأخص لماهيّة العقد، بحيث أن عدمه يعتبر عدما للعقد، مثل النقل والانتقال في البيع، فلو اشترط البائع عدم النقل والانتقال أعتبر عقد البيع لاغيا عرفا كأنه لم يوجد، والصيغة مجرّد لقلقة لسان، فهو إذن لاغٍ شرعا، إذ ليس للشارع حقيقة شرعيّة في البيع، ولا توجد سوى الحقيقة اللغويّة، فإّذا انتفى عنوان البيع عرفا انتفى شرعا، ولذلك اشتهر بين الفقهاء أن الشرط المنافي لمقتضى العقد يؤدي إلى بطلان العقد، كما إذا شرط عدم النقل والانتقال في البيع الذي ينافي مقتضى العقد عرفا، حيث يرى العرف وجود الانشاء كعدمه، أما إذا كان الشرط في عقد الزواج عدم النفقة فهذا ليس من مقتضى العقد عرفا أن ينفق، ولذا يعدّ بيعا عرفا، وبالتالي هو بيع شرعا.

الشروط على قسمين: قسم ينافي مقتضى العقد وقسم لا ينافيه، قالوا أن الشرط الذي ينافي مقتضى العقد يؤدي إلى بطلان العقد، من قبيل العلّة والمعلول فإذا انتفى المقتضي انتفى المعلول. العلّة أربعة أجزاء: المقتضي والمعدّ والشرط وعدم المانع. فإذا انتفى المقتضي ينتفي المعلول وهو أهم أجزاء العلّة كما درسنا في شرح التجريد. ولذلك في عقد البيع من الفضولي فرّقت بين أن يكون العقد تمّ ممن له علاقة كما إذا كان له مونة ودالّة على صاحب المبيع بان يكون الاخ أو الاب أو قريب أوصاحب فالعقد صحيح ويحتاج إلى الرضا، نعم الرضا شرط في التأثير لا شرط في الصحّة، فالعقد صحيح إنشاءا لكن اثره معلّق على الرضا.

وأما إذا تمّ ممن ليس له علاقة بل هو اجنبي بالمطلق، فهو لا يعدّ بيعا عرفا، بل هو لقلقة لسان، فكذلك شرعا.

واما الذي لا ينافيه فلا يؤدي إلى البطلان كما لو شرط في عقد الزواج بان يكون حق الطلاق بيد فلان مثلا، عقد الزواج ما زال عرفا موجودا لان هذا الشرط لا يتنافى مع مقتضي عقد الزوجيّة.

وهذا كبرويا صحيح نسلّم به، نعم وقع الإختلاف في الصغريات.

ففي النكاح قيل: من اثار الزواج حليّة الوطء والنظر والاستمتاع والنفقة والارث، قالوا ان الوطء من مقتضى العقد بمعنى انه إذا عقد واشترط في العقد الدائم ان لا يطأ زوجته، قد يقال عرفا هذا ليس زواج، مع العلم أن الشرط في الزواجا المنقطع يصح.

ولكن مع التأمّل لا نجد الوطأ أثرا ينتفي العقد مع انتفائه، بدليل أن المجبوب والعنين يمكنهما إجراء عقد زواج، نعم يحق للزوجة الفسخ بشروط مذكورة في محلها. ومعنى ذلك انه لا يوجد اي حكم من احكام الزواج لان اظهرها هو جواز الوطء فإذا كان الاظهر لا ينافي مقتضى العقد، فكيف بالاثر الاقل ظهورا.

والقسم الآخر هي آثار لا يؤدي انتفاؤها إلى انتفاء العقد، وهذه منها ما لا يجوز اسقاطه في متن العقد كالإرث والنسب، ومنها ما يجوز اسقاطه كالنفقة. نعم نفي جميع الآثار يمكن أن ينافي مقتضى العقد، لانه خلاف المبنى العقلائي وخلاف سيرة العقلاء، لان العقد بدون أثر لا معنى له عند العقلاء.

نعم وقع الكلام في الصغريات كما في الوطء، هل هو من مقتضيات العقد بحيث ان نفيه يؤدي إلى نفي العقد؟

إذن الآثار على قسمين: قسم لا يؤدي إلى مخالفة مقتضى العقد، وقسم يؤدي إلى نفي العقد وهو ما يعبّر عنه بالشرط المخالف لمقتضى العقد. والكلام في هذا القسم الثاني: هل عدم الوفاء به يؤدي إلى جواز فسخ العقود؟

النتيجة ان العقود عقلائيا وعرفا انما اخترعها الناس لأجل الآثار، فإذا انتفت الآثار كليا انتفى العقد.

ونذكر كمثال ذكرناه أمس بعقد الفضولي والفرق بين أن يكون للأجنبي علاقة أو لا، فإذا لم يكن له علاقة فلا يكون عقدا ولا بيعا من الاصل وهو عدم عرفا ولان العرف لا يراه عقدا من الاساس، والبيع اكرر انه حقيقة لغوية فإذا لم يتحقق عرفا لم يثبت شرعا. والإرث من اللوازم العرفية، ووالمفروض ان العقد بشرط أن عدم التوارث صحيح عرفا، لكن الشارع منعها وقال ان هذا شرط باطل، وهذا ما افسّر به قول النبي (ص): " المؤمنون عند شروطهم " وقوله: " الصلح جائز بين المسلمين إلا ما حرم حلالا أو حلل حراما " وما عن دعائم الاسلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : " المسلمون عند شروطهم الا كل شرط خالف كتاب الله ". وقد وقع الكلام في تفسير عبارة " حرّم حلالا "، إذ ان احلّ حراما واضحة المعنى ولا إشكال فيها، مثلا ابيعك هذا الكتاب بشرط ان تشرب الخمر، تحليل شرب الخمر حرام. اما في حرّم حلالا مثلا: ابيعك هذا الكتاب بشرط ان لا يقرأه فلان. القراءة حلال وانا احرمها فالمفروض ان يكون الشرط باطلا، مع اطباقهم على صحته.

هنا في مسألتنا الإرث ما معنى "حرّم حلالا"؟ هو ان اسقط ما هو حكم. الإرث حكم بنظر الشارع لا يمكن اسقاطه. اما عرفا الإرث يمكن اسقاطه ولا علاقة له بمقتضى وماهيّة العقد، نعم الشارع يتدخّل فقال: ان الإرث حكم قهري ولا يمكن اسقاطه حتى بالشرط في متن العقد الدائم، وأبطله في العقد المنقطع، وتدخّل الشارع هنا لا مانع منه لا عقلا ولا عقلائيا .

وكون الاشتراط في المنقطع بدون أرث تدل على أن اشتراط عدم الإرث لا يخالف مقتضى العقد شرعا وكذلك النفقة.

ونود للكبرى: الكلام في هذا القسم الثاني: هل عدم الوفاء والاخلال من أحد الطرفين بالعقد الذي فيه حقوق متبادلة كالوطء والاستمتاع والإرث والنفقة وغيرها يؤدي إلى جواز فسخ العقد من الطرف الآخر؟

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo