< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

43/08/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المفقود واحكامه، بحث بعض المسائل في المفقود زوجها والمعلوم حياته.

     الطلاق حقيقة لغويّة، الدليل اشعار العرب وسيرتهم.

     هل يمكن ان يكون الطلاق بيد المرأة عندهم؟

     خريطة الطريق في عمليّة الاستنباط: إذا كان المفهوم مجملا لغة نقتصر على القدر المتيقن: وهو جعل الطلاق بيد الرجل حصرا.

     بالإمكان طريق آخر وهو الرجوع إلى جذر المعنى اللغوي والأخذ منه.

 

نعود للدليل الرابع وهو ان الطلاق حقيقة لغويّة، أي ما كان عند العرب قبل الاسلام فأقرّه الإسلام واصبح معتبرا شرعا، إذن فلننظر إلى الطلاق، وقلنا مع الحقيقة اللغوية ان هناك قاعدة: " ما كان طلاقا عرفا فهو طلاق شرعا " أي اقر الشارع المفهوم كما هو، وعند الجاهليين الطلاق كان محصورا بيد الزوج لذلك في الشرع أيضا يكون محصورا بيد الزوج، فإذن جعله بيد غير الزوج يحتاج إلى دليل.

وسنيّن ان شاء الله ان عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود فيما سنصل اليه من نتيجة.

خارطة طريق الاستنباط: في حال لم نعرف ما كان عند العرف اللغوي، هل الطلاق بيد الزوج فقط أو يشمل غيره أيضا ماذا نفعل؟

الجواب: في كل مسألة يكون فيها المفهوم مجملا " نأخذ بالقدر المتيقّن وينطبق عليه العنوان والباقي لا يكون صحيحا لجريان أصل الفساد، وذلك لعدم انطباق العنوان عليه. هنا القدر المتيقن أن الطلاق بيد الزوج والباقي أشك في صحّة الطلاق، وفيه طلاق الحاكم، وطلاق المرأة نفسها.

وقلنا أمس ان بعض الباحثين فقال انه لم يكن للمرأة حق في الطلاق لان المجتمع مجتمع ذكوري والبيئة تضغط.

هل الطلاق حقيقة لغويّة؟

ولا بأس بذكر بعض ما يدّل على كون الطلاق حقيقة لغويّة أي ان اللفظ كان موضوعا لمعناه قبل زمن الشارع وكان في الجاهليّة: عن كتاب ليوسف الطراونة الذي أخذ من كتب عديدة منها كتاب جواد علي، ومنها لسان العرب لابن منظور ومنها عيون الاخبار لابن قتيبة وجامع البيان للطبري وغيرها، فيقول:

أنواع الطلاق عند العرب قبل الاسلام:

عرف العرب قبل الاسلام الطلاق وهو من الامور القديمة عندهم ويعني تنازل الرجل عن كل حقوقه التي كانت على زوجته ومفارقته لها وكان الواحد منهم يقول لزوجته اذا اراد طلاقها " حبلك على غاربك " أو " أنت فحلى كهذا البعير " أو " الحقي بأهلك " أو " اذهبي فلا انده سربك " أو " فارقتك " أو " سرحتك "، وما شاكل ذلك من عبارات [1] .

ونلاحظ عليه: إن الطلاق هو الحالة الناشئة عن الصيغة، اما التنازل فهو من آثاره لا أنه نفسه، فكما في البيع يكون النقل والانتقال من آثاره لا نفس البيع كما بيّنا سابقا.

انواع الطلاق عند عرب قبل الاسلام:

1 ـ الطلاق:

كانت العرب قبل الاسلام تطلق ثلاثاً. وكان الرجل يقول لامرأته: انت طالق واحدة، فهو احق الناس بها، فان طلقها اثنتين فكذلك. فان طلقها ثلاثاً فلا سبيل له عليها وانقطع سبيله اليها وفي ذلك يقول الاعشى لزوجته التي طلقها، إما لانها لم تعجبه أو لأن قومها هددوه بالضرب ان لم يطلقها فقال:

فبيني حصان الفرج غير ذميمة     وموقوقة فينـا كـذاك وواقعـة

وذوقى فتى قـوم فانـي ذائـق     فتاة اناس مثـل ما انت ذائقـة

فبيني فان البين خير من العصا    والاترى لي فوق راسك بارقـة

وياجارتـا بيني فانـك طالقـة     كذاك امور الناس غادٍ وطارقـة

فكرر الطلاق ثلاث مرات متفرقات [2] . وقد التزم اهل مكة هذا التفريق، ويدل على ذلك قول ابن عباس، وكان العربي يطلق امرأته تطليقه، ثم هو أحق بها، فان طلقها اثنتين فهو أحق بها، فان طلقها ثلاثاً فلا سبيل اليها. واحياناً كانوا يوقعون الثلاث دفعة واحدة، ويدل على ذلك قول الشاعر:

فإن ترفقي يا هند فالرفق ايمن    وان تخرقي يا هند فالخرق اشام

فأنت طالق والطلاق عزيمة     ثلاث ومن يخرق أعـق واظلم

فبيني بها إن كنت غير رفيقة    وما لامرئ بعـد الثلاث مُقدم [3]

وهذا يجعلنا نرجح ونميل الى ان العرب كانوا يطلقون ثلاثاً على التفرقة كما ذكر الحوفي، وبعد الطلقة الثالثة لا تعود زوجته[4] . ومن سننهم انه لم يكن للنساء عدة يعتدن بها عند الطلاق فاذا كانت حاملاً فإنها تكتم ما في بطنها وتذهب به الى غيره وتكتم ذلك مخافة الرجعة. [5]

وهل الطلاق عندهم من المرأة؟

ظاهر الاشعار المتقدّمة كونه بيد الرجل حصرا، مثل: " وان لا ترى لي فوق رأسك بارقة " كذلك سيرتهم العامّة.

ولكن يوجد أشعار على خلاف ذلك، كما في شعر لزهير بن ابي سلمى والمرقش الأصغر والظاهر منها صحة طلاق المرأة نفسها عندهم وهي:

* زهير بن أبي سلمى: وقالت أم كعب لا تزرني:

وَقالَت أُمُّ كَعبٍ لا تَزُرني فَلا وَاللَهِ مالَكَ مِن مَزارِ

رَأَيتُكَ عِبتَني وَصَدَدتَ عَنّي وَكَيفَ عَلَيكَ صَبري وَاِصطِباري

فَلَم أُفسِد بَنيكَ وَلَم أُقَرِّب إِلَيكَ مِنَ المُلِمّاتِ الكِبارِ

أَقيمي أُمَّ كَعبٍ وَاِطمَئِنّي فَإِنَّكِ ما أَقَمتِ بِخَيرِ دارِ

* المرقش الأصغر: آذنت جارتي بوشك رحيل:

آذَنَتْ جارَتِي بِوَشْكِ رَحيلِ باكِراً جاهَرَتْ بخَطْبٍ جَلِيلِ

أَزْمَعَتْ بالفِراقِ لَمَّا رَأَتْنِي أُتْلِفُ المالَ لا يَذُمُّ دَخِيلي

ارْبعِي إنَّما يَرِيبُكِ مِنِّي إرْثُ مجْدٍ وَجِدُّ لُبٍّ أَصِيلِ

عجباً ما عَجِبْتُ لِلْعاقِدِ المالِ ورَيْبُ الزَّمانِ جَمُّ الخُبُولِ

وَيضِيعُ الذي يَصِيرُ إليهِ مِنْ شَقاءٍ أَوْ مُلْكِ خُلْدٍ بجيلِ

أَجْمِلِ العيْشَ إِنَّ رِزْقَكَ آتٍ لا يَرُدُّ التَّرْقِيحُ شَرْوى فَتِيلِ

إذن يحتمل اختلاف البيئات، ويحتمل غير ذلك، فما العمل حينئذ؟

نقول إذا أردنا استنباط المسألة: ان هناك تعارض النقل عن العرب قبل الإسلام، وشككنا ان الطلاق كان بيد المرأة أيضا.

حينئذ نرى ما الذي قرره الشارع، ولا ندري. فالحقيقة اللغوية التي اقرّها الشارع غير واضحة فنقتصر على القدر المتيقّن، وحينئذ يكون طلاق غير الزوج باطلا لغة إذن هو باطل شرعا.

ونحن نقول: ان هناك شيء آخر نذهب إلى جذر ومفهوم الطلاق، فإن كان المفهوم يستلزم ان لا يكون الطلاق إلا بيد الرجل اخذنا به وإلا فلا.

ببيان آخر: الطلاق لغة التسريح والارسال والفراق، فكما انه يتمّ من الرجل فكذلك يتمّ من المرأة، فكما ان للرجل حقوقا على المرأة فيتنازل عنها كذلك للمرأة عليه حقوقا فتتنازل عنها.

ملخص الكلام: أن أصل الطلاق كمفهوم وجذر هو " ارسال " وهذا المفهوم لم ينتف كليا، نعم انتقل إلى معنى آخر، كما في كل منقول، كما في كلمة " قطار " يقال انها كانت لقطار الجمال نقلت إلى قطار العربات، المفهوم الجذري لم ينتف كليا. وكذلك في كلمة " نكاح " معناها في اللغة الغلبة أو الإلتفاف ثم نقلت إلى الوطء، هذا النقل أنتج معنى آخر لكن لم يعدم المعنى الأساسي فيه بالكامل، بل بقي وجه الشبه. ففي الطلاق هو عبارة عن ارسال واسقاط الحقوق كما ينطبق على الرجل ينطبق على المرأة وعلى غيرهما.

 


[1] مهران، الحضارة العربية القديمة، ص59-60 ؛ عمر كحالة، الدراسات الاجتماعية، ص180.
[2] ابن حبيب، المحبر، ص309-310 ؛ ابن منظور، لسان، مادة (طلق) الحوفي، الحياة الاجتماعية عند العرب، ص157؛ الحوفي، المراة في الشعر الجاهلي، ص263.
[3] بيهقي، السنن الكبرى، ج7، ص336 ؛ الحوفي، المراة في الشعر، ص263.
[4] ابن حبيب، المحبر، س 309 ؛ الحوفي المرأة في الشعر، ص262 .
[5] الطبري، جامع البيان، ج2، ص271، ياسين، الاسلام والجنس، ص57؛ عطية، النظم الاجتماعية، ص47.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo