< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

43/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المفقود واحكامه

     الرواية الثانية: " المفقود إذا مضى له أربع سنين رفعت امرها إلى الوالي " وهذه تصلح لان تكون دليلا على الاحتمال الثاني، وهو ان البداية من حين الفقد.

     نظرة في قوله (ع) " ليس لها ولا كرامة ".

نعود للكلام عن المفقود وقلنا ان له حالات: إما ان تعلم حياته، او يعلم وفاته، أو مجهول الحال.

قلنا إذا علمت وفاته تعتد عدّة وفاة حين من حصول الخبر، اما إذا علمت حياته تصبر بتفصيل سنذكره لاحقا، أما إذا بقي مجهولا فحينئذ لا بد من الفحص عنه، ومدّة الفحص فيها عدّة احتمالات:

    1. أربع سنوات من حين رفع أمرها إلى الحاكم.

    2. أربع سنوات من حين فقده.

    3. أربع سنوات من حين غيابه.

    4. ما دام لم يصلها خبر عنه.

    5. ما دام العمر العادي له.

ذكرنا الرواية الأولى في الوسائل: ح 2 – محمد بن الحسن (الطوسي)، بإسناده، عن الحسين بن سعيد (صحيح)، عن الحسن (ثقة)، عن زرعة (ثقة واقفي)، عن سماعة (ثقة واقفي)، قال: سألته عن المفقود فقال: إن عَلِمتْ أنه في أرض فهي منتظرة له أبدا حتى يأتيها موته أو يأتيها طلاق، وإن لم تعلم أين هو من الأرض ولم يأتها منه كتاب ولا خبر فإنها تأتي الإمام عليه السلام فيأمرها أن تنتظر أربع سنين، فيطلب في الأرض فإن لم يوجد له خبر حتى يمضى الأربع سنين أمرها ان تعتد أربعة أشهر وعشرا ثم تحل للأزواج، فإن قدم زوجها بعد ما تنقضي عدتها فليس له عليها رجعة، وان قدم وهي في عدتها أربعة أشهر وعشرا فهو أملك برجعتها. ورواه الكليني عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد. وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن عثمان بن عيسى نحوه. [1]

من حيث السند فهو معتبر.

ومن حيث الدلالة: فيها أمور:

     الانتظار أربع سنين من رفع الأمر إلى الإمام.

     الاعتداد بأربعة أشهر وعشرا.

     عدم ذكر الطلاق، مما يؤيّد أن العدّة عدّة وفاة لا عدّة طلاق لقول الإمام (ع): فان لم يوجد له خبر حتى يمضي الأربع سنين امرها ان تعيدّ أربعة أشهر وعشرا.

     حق إرجاع الزوج لها إذا عاد قبل انتهاء العدّة دون ما بعدها.

ومنها: الوسائل: ح 4 - محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم (ثقة)، عن أبيه (ثقة)، عن ابن أبي عمير (ثقة) عن حماد (ثقة)، عن الحلبي (ثقة)، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن المفقود فقال: المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها فإن لم يوجد له أثر أمر الوالي وليّه أن ينفق عليها، فما أنفق عليها فهي امرأته، قال: قلت: فإنها تقول: فاني أريد ما تريد النساء، قال: ليس ذاك لها ولا كرامة، فإن لم ينفق عليها وليّه أو وكيله أمره أن يطلقها فكان ذلك عليها طلاقا واجبا. [2]

من حيث السند: فهو صحيح.

ومن حيث الدلالة: فقد بينّت الرواية عدّة أمور:

     الانتظار أربع سنين، ولم يصرّح بأنها بعد رفع الأمر إلى الوالي، ولذلك لا تصلح دليلا على ما ذكره من كون بداية الانتظار من حين رفع الأمر إلى الوالي، بل تصلح دليلا على القول الثاني وهو مرور أربع سنوات من حين فقده.

     البحث واجب في خصوص الناحية التي فقد فيها.

     إذا أنفق عليها الولي فتبقى امرأته.

     ليس لها الطلاق أو الفسخ وإن أرادت ما تريد النساء.

     التصريح بكونه طلاق لا اعلانا للوفاة.

تعليقنا على هذه الرواية في مقام الدلالة: قالت: " فاني أريد ما تريد النساء قال: ليس ذاك لها ولا كرامة "، أولا نشعر ان هذا ليس من اخلاق ولا انسانيّة أهل البيت (ع)، فالجواب على ذلك انه بلحاظ بعض الروايات ان النساء على قسمين: قسم وحاجتها الطبيعيّة، وقسم متطلّبة أو متمرّدة أو كثيرة الغلبة.

مورد الرواية ان هناك نساء ذواقة كما ان هناك رجال ذواقون يبدلون النساء كل فترة مجرد ان يصل للمرأة يكرهها، وكذلك الامر عند بعض النساء.

لذلك أقول: إن قوله (ع): " ليس ذاك لها ولا كرامة " حكم في واقعة، واحتمال ذلك قوي خصوصا إذا لاحظنا ان هذا الأمر يتكرر في عدّة روايات فمثلا هناك: رواية وردت في الكافي: ح1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد (ثقة)، عن أبيه (ثقة)، عن عبد الله بن القاسم الحضرمي (ضعيف [3] )، عن عبد الله بن سنان (ثقة)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن رجلا من الأنصار على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج في بعض حوائجه فعهد إلى امرأته عهدا ألا تخرج من بيتها حتى يقدم قال: وإن أباها مرض فبعثت المرأة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقالت: إن زوجي خرج وعهد إلي أن لا أخرج من بيتي حتى يقدم وإن أبي قد مرض فتأمرني أن أعوده؟ فقال: رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك قال: فثقل فأرسلت إليه ثانيا بذلك، فقالت: فتأمرني أن أعوده؟ فقال: اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك، قال: فمات أبوها فبعثت إليه أن أبي قد مات فتأمرني أن أصلي عليه؟ فقال: لا اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك، قال: فدفن الرجل فبعث إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن الله قد غفر لك ولأبيك بطاعتك لزوجك.[4]

بعض الاخوة العلماء المعاصرين ارجع علم الرواية عند خالقها ولا يعمل بها.

لكن انا وجدت في نفس الرواية ما يدل على ان المرأة تختلف عن النساء الأخريات، وأنها امرأة مشاكسة متعبة، لذلك امرها الزوج بعدم الخروج من بيتها، والرسول (ص) وجد ان هناك تزاحم الملاكات بين المشاكل أو بر والدها، قدم مصلحة عدم المشاكل واطاعة الزوج على بر والدها، وليس هذا تسلّط من الزوج حتى في غيابه يمنعها من الخروج.

ويشير إلى ذلك تعبير الرواية " عهد إلى امرأته عهدا " والعهد هو الميثاق الغليظ بين طرفين وهو وإن كان اضعف من العقد، لكنه غليظ، وليس مجرّد وعد، أو انه مجرّد أمر، ولا شك ان الزوج إنما اخذ هذا الميثاق من زوجته حتى لا يتسبب بمشاكل، مع انه يعلم انها قد تحتاج إلى الخروج، كالخروج إلى السوق، فلم يكتف بالأمر، بل اخذ ميثاقا غليظا، وطاعة الزوج هنا بمعنى الوفاء بالميثاق حيث يقول تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾[5] ولذا لا تدل هذه الرواية على وجوب طاعة الزوج في كل أوامره مطلقا.

إذن يوجد دليلان على كونها خاصّة بواقعة:

الأول: وجود مؤشر لفظي وهو ما ذكرناه في العهد.

الثاني: دليل لبّي لكون مضمون الرواية لا يقبله إنسانيّة انسان فضلا عن أهل بيت العصمة الذي هم قمّة الانسانيّة.

يمكن أن تكون هناك قرائن لبيّة لذا منعها الزوج من الخروج.

والذي اراه ان هناك كثير من الروايات لها قرائن تدل على ان موردها خاص في وقائع خاصّة فتصبح الرواية في مورد خاص ولا إطلاق لها على كل الرجال والنساء، أي ليس هناك اشتراك في الاحكام.

نعم هذا يحتاج إلى دليل لمخالفته قاعدة الاشتراك في الاحكام.

وذكرنا في درس سابق ان للرسول سبع شخصيات اساسيّة:

    1. هو من افراد العرف الخاص، 2- من افراد العرف العام، 3- حاكم، 4- أحد العقلاء، 5- شخص خاص، 6- نبيّ، 7- رسول.

شخصيّة انه فرد من افراد المجتمع واحد ابناء مكّة المكرّمة فيلبس كما يلبس أهل مكّة، فهل يجب اتباعه أو استحباب هذا اللباس لان الرسول لبسه ولو كان بسبب كونه من اهل مكّة؟ فتارة نلحظ به انه من ابناء مكّة، وتارة نلحظ به انه من ابناء العرف البشري العام لانه انسان، وتارة اخرى نلحظ انه سلطان كان في المدينة المنوّرة يأمر وينهى، وتارة اخرى رابعة نلحظ انه نبيّ، واخرى نلحظ انه رسول. فلو فرضنا انه كان هناك أمر يلحق بهذه العناوين مثلا حين كان في المدينة وقال ان بنو فلان يدخلون من تلك الطريق، فهل يستمر هذا الامر ويكون تطبيقا لقوله تعالى: " ما اتاكم به الرسول فخذوه " فللرسول شخصيات لذلك نقول يجب التأسي: " ولكم في رسول الله اسوة حسنة " واتباع رسول الله في أي شيء؟ وهل يكون واجبا في كل شيء؟

فمن جهة انه فرد وانسان فهل يمكن ان نقول بوجوب اتباعه في اموره الشخصية جدا. وقلنا انه له عدّة شخصيات لكن كل شخصية آثارها ولوازمها واحكامها. الذي ثبت في وجوب الاتباع كرسول هو لانه رسول ونبيّ اما بقيّة الشخصيات والحالات فلم يثبت وجوب اتباعه: " قل انما انا بشر مثلكم "، و "حلال محمد حلال إلى يوم القيامة " المقصود منه الحلال الشرعي الاحكام وليس في كل الخصوصيات.


[3] عبد الله بن القاسم الحضرمي: النجاشي: يعرف بالبطل او الحارثي، ضعيف كذاب غال، يروي عن الغلاة، لا خير فيه، ولا يعتدّ برواياته.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo