< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

43/05/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: احكام الطلاق الرجعي: طلاق المريض.

     تطبيق قاعدة: ما كان سببا عرفا كان سببا شرعا إلا مع الدليل على الاسقاط.

     ما ذكره المناطقة من كون الحدود رسوما ليس صحيحا على اطلاقه.

     لا يشمل عدم معرفة الماهيّة المخترعات العرفيّة.

     الذي يدرك ماهية المخترعات العرفيّة يدرك ايضا اسبابها.

 

اعادة التذكير بالقاعدة التي اسسناها. مثلا: إذا قال الشارع ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ [1] وردت في القرآن ووردت في السنّة يعني هذا ان هناك اعتراف بالبيع، وهذا يعني ان البيع الشرعي هو نفس البيع العرفي مفهوما وايضا اسبابا. وذكرنا عندما تقول بعتك وقبلت هناك ثلاثة امور السبب والمسبب والآثر: الصيغة التي هي السبب، ومعها حصلت حالة جديدة اسمها بيع هذا المسبب الحكم الوضعي، هذه الوضعية لها احكام وآثار.

عندما يستعمل الشارع كلمة بيع أو ملك أو طلاق أو نكاح استعملها واعتبرها بالمعنى اللغوي العرفي، ولذلك قلنا ان الشارع تدخل في الاسقاطات ولم يتدخل في الاثباتات، مثلا لم يتدخل في اثبات ملكيّة الخشب والحجر والانسان والحيوان، بل أسقط الذي لا يملك مثل اسقاط ملكيّة الخمر، وهذا معناه ان المثبتات على رسلها، والمثبتات الشرعية هي حقائق شرعيّة وفيها تدخل في الاجزاء والشرائط.

الجو العام انه يمضي ما هو عرفي ويسقط ما له الحق بإسقاطه، لان المفاهيم اختراع عرفي لذلك هي اقرب إلى مفاهيم الناس من أي جهة اخرى، فعندما انا اخترع مفهوما اعرف اسبابه، واستطيع ان اقول ان هذا السبب صحيح وهذا خطأ.

تعليق على ما ذكره المناطقة من كون الحدود ليست إلا رسوما:

ذكر المناطقة ان التعاريف الحقيقيّة، أي الحدود ليست سوى رسوما، فمثل: " الإنسان حيوان ناطق " هذا ليس حدا بالجنس والفصل، بل النطق من الخاصة، أي من لوازم الإنسان الخاصّة، وليس جزء ماهيّة.

التعريف بالحد التام هو التعريف بالماهيات بأعماقها، لكن من يعرف الماهيات بأعماقها؟ لا ندركها، ولاننا لا ندركها اصبحت كلمة " ناطق " في تعريف الانسان ليست من اجزاء الماهيّة، بل هي من اللوازم والخواص، والتعريف بالجنس والخاصة هو من الرسوم وليس حدا، فتعريف " الإنسان حيوان ناطق " ليست حدا تاما بل هو رسم تام لاننا لا نعرف الماهيات ولا ندركها.

ولعلّ رئيس الفلسفة المثاليّة في اوروبا الألماني عمانوئيل كانط أقتبسها من المسلمين، حيث قسّم الأمور إلى قسمين: الأشياء في ذاتها وسمّوها (noumen ) والأشاء في ظواهرها (phenomene ) وقال: إننا لا ندرك الأشياء في ذاتها والعقل قاصر عن ادراكها.

هذه الفكرة صحيحة بان الامور التي لا ادركها اعرف ظواهرها لا اعماقها، نعم إلى الآن الكون كلّه اسرار، كوجود الذرات والالكترونات، عوالم متعددة هائلة جدا، لذلك قال الفلاسفة: " الجزء الذي لا يتجزأ غير موجود " هذا محال، وكذلك الامر في الامر اللامتناهي كيف يمكن تصورّه، امر محال التصوّر. هناك اشياء عقلا صحيحة اللامتناهي لا استطيع ان اتخيّله واتصوّره لكن العقل يدّل عليه كالخالق عز وجل، كما قال امير المؤمنين علي (ع) " فمن تصوره فقد حدّه ".

لذلك ما يسمى بالحد التام غير موجود الموجود هو الرسوم التامّة.

وهنا الامور التي اخترعها العرف هل نستطيع ان نجد لها حدا او لا؟ هل لا يوجد في الدنيا حدّ تمام؟ مثلا: الانسان لا اعرف ماهيّته ولا ادرك اعماقه فإذن لا استطيع ان اقدّم له حدا، لكن الاشياء التي انا ادركتها واستطيع ادراكها بأعماقها لماذا لا استطيع ان اجعل لها حدا؟ لماذا لا اعرف اسبابها؟ هذه الامور انا الذي اوجدها وابتدعها فلماذا لا استطيع ان اجعل لها حدا؟ لذلك الفيلسوف الالماني عمانوئيل كانط على خطأ والمناطقة المسلمين على خطأ في هذه النقطة باطلاقها، حتى الاشياء الكونية، لذلك قلت في تفسير الآية: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ [2] جواب هذا السؤال انكم انتم لا تستطيعون ادراك معنى الروح لأنكم " ما اوتيتم من العلم الا قليلا "، السؤال هل انتم بمعلوماتكم الحاليّة لا تستطيعون معرفة الروح، فلذلك ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾ [3] أي يمكن ان تعلموا كيف يبدأ الخلق، هذا يعني ان معلوماتكم قاصرة، فمع تطوّر معلوماتكم يمكن ان تصلوا إلى معرفة معنى الروح.

ام ان معنى " وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ " لا يمكنكم ادراك ذلك أبدا لان قابليتكم للمعلومات قليلة. في الآية القرآنية إذا شملنا الروح لكل الارواح يكون هناك احتمالان:1- انت كانسان عندك قابلية ان تدرك، 2- أو لا تملك القابلية لكي تدرك.

لذلك الامور الكونية التي في الكون لا اعرف اسبابها مع وجود القابلية الله عز وجل يقول طوّر معلوماتك تستطيع ان تصل، لذلك في بعض التشريعات الروايات تقول: " انظر ما في قلبك تعرف الحلال من الحرام "، لكن مع وجود الرين على القلب ونحن نعلم ان الاسلام دين الفطرة لم نعد على الفطرة لذلك أصبحنا لا نميّز الحلال من الحرام فارسل الانبياء والرسل ومن جملة مهام النبي والرسول بيان الحلال والحرام.

لذلك في الامور التي ايتكرها العرف، والعرف يدركها جيدا فهو الذي اخترعها، فالعرف يدرك اسباب ما اخترع ايضا. ولذلك الله ابقاه وجعله، نتعم الاسباب التي لم يرها مناسبة اسقطها.

ونقول للمناطقة: الأمور على قسمين:

     تكوينيّة: نقول فما ذكرتموه صحيح، فإن العقل البشري لا يدرك كثيرا من جواهر الأشياء والمواد، ولذا فالحدود فيها رسوم وليست تعاريف حقيقيّة بالجنس والفصل.

     واعتباريّة: أي اعتبرها البشر، مثل الأوضاع الإعتباريّة كالبيع والشراء والإجارة والزوجية والطلاق والوقف وغير ذلك. وهذه يمكن للعرف ان يعرف كنهها، لان الإنسان هو الذي اخترعها وابدعها. وعليه، فإن الناس يحق لهم أن يعيّنوا الماهيّة المبتدعة ويعيّنوا ايضا أسباب تحققها، أي أسباب الإنشاءات جميعا، وذلك لأنهم هم من أسسها، فيعرفون الماهيّة وأسباب تحققها، لان الأسباب وتأثيرها ناشئة من نفس المفهوم.

ولذلك الأصل في كل معاملة عرفيّة ان تكون شرعيّة مع جميع أسبابها. والسبب الذي لم يقره الشارع يحتاج إلى بيان وإلا يكون الشارع قد قصّر.

نعم يجوز التدخل للشارع المقدّس في الشرائط والأسباب ولذا فنحن نلاحظ: في مثال الملك: غدا نبين المثال ان شاء الله لتوضيح الفكرة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo