< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

43/05/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: احكام الطلاق الرجعي: طلاق المريض.

     ادلّة بطلان طلاق المريض: الروايات بأمرين:

الاول: حمل النهي في المعاملات على الفساد.

الثاني: على القول بدلالة النهي على الفساد في المعاملات.

 

طلاق المريض:

هذا طلاقه صحيح أم لا ومكروه أو لا؟

هنا نقطتان للبحث: صحة الطلاق وكراهته:

اما النقطة الاولى وهي صحة طلاق المريض: يقول صاحب الجواهر (ره): ( يكره للمريض أن يطلق ) زيادة على كراهة أصل الطلاق على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل لم يتحقق الخلاف في ذلك ..... [1]

والظاهر من الكلام هو صحة الطلاق، لان النهي عندهم وخصوصا الكراهتي لا يدل على والفساد.

ما يمكن الاستدلال به على بطلان الطلاق:

ورد النص بعدم الجواز مثل: " لا يجوز طلاق المريض ويجوز نكاحه "، أو بالمنع مثل: " ليس للمريض ان يطّلق، وله أن يتزوّج "، أي باطل طلاقه وليس بصحيح. ونحن نعلم أن الجواز يحمل في المعاملات على الصحّة، وعدمه على الفساد، أي على الحكم الوضعي، أي على البطلان، وليس على الحكم التكليفي أي على التكليف أي الحرمة والحليّة، التي ينتج عنها الثواب والعقاب، إلا مع قرينة تدلّ على كونه تكليفيا لا وضعيا.

ولنستعرض بعض الروايات، التي ظاهرها بطلان طلاق المريض. ولننظر ما هي القرينة، مع التنبيه إلى وجود روايات معارضة.

الرواية الاولى: في الوسائل: ح 1 - محمد بن يعقوب (ثقة)، عن علي بن إبراهيم (ثقة)، عن أبيه (ثقة)، عن ابن محبوب (ثقة)، عن ابن رئاب (ثقة)، عن زرارة (ثقة)، عن أحدهما عليهما السلام قال: ليس للمريض أن يطلق وله أن يتزوج فان هو تزوج ودخل بها فهو جائز، وإن لم يدخل بها حتى مات في مرضه فنكاحه باطل ولا مهر لها ولا ميراث. [2]

من حيث السند فالرواية صحيحة.

ومن حيث الدلالة فإن التعبير بـ " ليس للمريض " دالّ على الحرمة، وإن لم تكن الدلالة بقوّة " يحرم "، ولذلك يمكن حمله على الكراهة لأدنى قرينة وبهذا نجمع بينه وبين ما دلّ على الجواز، لكن قلنا إن التحريم في المعاملات ظاهر في الفساد، لا في الحرمة التكليفيّة.

وعندي كما ذكرنا ان النهي عن العبادة والمعاملة بعنوانها يدلّ على الفساد إلا مع القرينة التي تدلّ على الجواز، ولا فرق بينهما. لكن هذا الرأي يخالف المشهور.

الرواية الثانية: ح 2 – محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى (ثقة)، عن أحمد بن محمد (ثقة)، عن ابن محبوب (ثقة)، عن ابن بكير (ثقة فطحي)، عن عبيد بن زرارة (ثقة) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المريض أله أن يطلق امرأته في تلك الحال؟ قال: لا ولكن له أن يتزوج إن شاء فان دخل بها ورثته وإن لم يدخل بها فنكاحه باطل. ورواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن محبوب وكذا الذي قبله. [3]

من حيث السند الرواية موثقة.

ومن حيث الدلالة: كما مرّ في سابقتها.

الرواية الثالثة: ح 3 – محمد بن يعقوب (ثقة)، عن حميد بن زياد (ثقة واقفي)، عن ابن سماعة (ثقة فطحي)، عن عبد الله بن جبلة (ثقة واقفي)، عن ابن بكير (ثقة فطحي)، عن عبيد بن زرارة (ثقة)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يجوز طلاق المريض " العليل " في الاستبصار " ويحوز نكاحه. [4]

من حيث السند: معتبرة.

ومن حيث الدلالة: فلفظ " لا يجوز " أقوى من سابقتها في الدلالة على الحرمة والحرمة عندهم لا تقتضي الفساد فيصح الطلاق، ولكنها أضعف من كلمة " يحرم "، لذلك فأدنى قرينة على إرادة التحريم تصبح الحرمة كراهة.

الرواية الرابعة: ح 4 – محمد بن يعقوب (ثقة)، عن محمد بن يحيى (ثقة)، عن أحمد بن محمد (ثقة)، عن ابن فضال (ثقة فطحي)، عن ابن بكير (ثقة فطحي)، عن زرارة (ثقة)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليس للمريض أن يطلق وله أن يتزوج. ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب وكذا كل ما قبله. ورواه الصدوق بإسناده عن ابن بكير. [5]

هل هذه الروايات تدلّ على البطلان بغض النظر عن روايات تصحيح الطلاق الآتي ذكرها؟

نقول: هذه الروايات ظاهرة في التحريم.

اولا: التحريم في المعاملات يحمل على الفساد إلا بقرينة.

ثانيا: لو فرضنا انها حملت على الحرمة التكليفيّة هنا نسأل: " هل تحريم المعاملة يدّل على بطلانها؟

ذهب معظم الاصوليين المتأخرين إلى عدم الدلالة على البطلان، بل ذهب بعض القدماء إلى الدلالة على الصحّة.

اما بناء على ما نذهب إليه من اقتضاء النهي الفساد في العبادة والمعاملة إذا كان النهي متعلّقا بها بعنوانها ولا فرق بينهما، فالقاعدة ان النهي التحريمي يدلّ على الفساد، نعم قد يكون هناك ملاك آخر في عالم الإنشاء يؤدي إلى صحتها لكنها تحتاج إلى دليل.

فالروايات تدلّ على فساد الطلاق إلا أن يدلّ دليل على الصحة، والدليل على الصحّة موجود.

الدليل على الصحّة:

الروايات ففي الوسائل: ح 2 – محمد بن يعقوب (ثقة)، عن علي بن ابراهيم (ثقة)، عن أبيه (ثقة)، عن ابن أبي عمير (ثقة)، عن حماد (ثقة)، عن الحلبي (ثقة)، أنه سئل عن رجل يحضره الموت فيطلق امرأته، هل يجوز طلاقه؟ قال: نعم وإن مات ورثته وإن ماتت لم يرثها. ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب ورواه الصدوق بإسناده عن حماد. أقول: حمله الشيخ على ما إذا خرجت من العدة لما يأتي، ويمكن تخصيص العدة بغير الرجعية. [6]

من حيث السند الرواية صحيحة.

ومن حيث الدلالة: صريحة بصحة الطلاق.

وروايات اخرى كثيرة تدلّ باللازم على الصحّة.

هنا لا بأس ببيان مبحث أصولي، قاعدة مهمّة لها تطبيقات وثمرات كثيرة جدا:

لو شككنا في صحة طلاق ما، فهل الأصل صحته أو بطلانه؟

قال بعضهم: الموجود عندنا هو اصالة الصحة في العقود، ولم يرد ما يدلّ على اصالة الصحة في الإيقاعات. هذا على مستوى الاصل اللفظي.

اما على مستوى الاصل العملي فالأصل الفساد، أو اصالة عدم ترتب الأثر، أو استصحاب الحالة السابقة.

إذن بالنسبة إلى هؤلاء، لا يوجد أصل أو قاعدة تصحح الطلاق المشكوك.

يقول الفقير إلى رحمة ربه: لقد أسسنا قاعدة وهي التالية: " كل عبادة أو معاملة من عقد أو إيقاع أو غيرها وردت في نص قرآني أو حديثي معتبر، فهي معتبرة شرعا، كما كانت معتبرة عرفا، معناها اعتبر المفهوم ولوازم المفهوم أو اسباب التحقق، إلا ما خرج بدليل ".

ولما كان الطلاق قد ورد في النصوص الشرعيّة، فقد اعتبره الشارع، ومعه فما كان عرفا كان شرعا.


[3] المصدر السابق.
[4] المصدر السابق.
[5] المصدر السابق.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo