< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

43/03/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الطلاق، احكام الطلاق الرجعي.

     كلام الفضل بن شاذان في كون الإخراج والخروج المنهي عنه هو ما كان عن سخطة ومراغمة، وحينئذ لا يصدق معه الخروج.

     الكلام في معنى الفاحشة المبيَّنة في القرآن؟

     استعراض روايات الوسائل في تفسير الآية، والذهاب إلى انها من باب التطبيق.

سنكمل احكام المطلّقة الرجعية، هل يجوز اخراجها أو لا؟ هل يجوز خروجها؟ ثم بقيّة الاحكام الأخرى كالمطلقة رجعيا هل لها الحق ان تصافح على زوجها أو ان تتزين امامه... إلخ؟

بدأنا بالإخراج، وسنبحث اليوم عن معنى الفاحشة المبيّنة

وقلنا الذي أراه: ان جواز اخراجها وجواز خروجها له نفس حكم حال الزوجية، وقد ذكرنا في مسألة عدم جواز خروج المرأة من بيتها إلا بإذن زوجها انها محكومة لكبرى: " وعاشرهن بالمعروف " التي لا تخصص فلا يجوز له المنع بما يعارض هذه الكبرى.

ويؤيد ما نذهب اليه وليس حجّة ما ذكره صاحب الجواهر عن الفضل بن شاذان: " إن معنى الخروج والاخراج ليس هو أن تخرج المرأة إلى أبيها [1] أو تخرج في حاجة لها أو في حق بإذن زوجها، مثل مأتم وما أشبه ذلك، وإنما الخروج والاخراج أن تخرج مراغمة ويخرجها مراغمة، فهذا الذي نهى الله عنه، فلو أن امرأة استأذنت أن تخرج إلى أبويها أو تخرج إلى حق لم يقل: إنها خرجت من بيت زوجها، ولا يقال: فلان أخرج زوجته من بيتها، إنما يقال ذلك، إذا كان ذلك على الرغم والسخطة، وعلى أنها لا تريد العود إلى بيتها وإمساكها على ذلك، لأن المستعمل في اللغة هذا الذي وصفناه - إلى أن قال -: إن أصحاب الأثر وأصحاب الرأي وأصحاب التشيع قد رخصوا لها في الخروج الذي ليس على السخط والرغم، وأجمعوا على ذلك ". [2] وهذا اجماع الظاهر انه منقول.

والنتيجة: لا يجوز للزوج إخراج الزوجة المطلّقة إلا في الحالات التي يجوز إخراجها حال الزوجيّة. فحال المطلّقة ليست اسوأ حالا من المطلقة حال الزوجية.

انتهينا من الاخراج.

اما خروج الزوجة بدون إذن الزوج؟.

أولا: يقول تعالى: ﴿يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً﴾ [3]

الكلام في معنى الفاحشة المبيِّنة بالكسر وقد وردت في قراءة اخرى مبيَّنة بالفتح.

قبل كل شيء ليس عندنا حقيقة شرعية في كلمة فاحشة ولا في كلمة مبيَّنة، المسألة لغوية، ليس هناك اعتبار شرعي خاص، بل هناك تطبيقات.

والكلام في معنى الفاحشة المبيَّنة:

وردت كلمة فاحشة مبيَّنة في القرآن في ثلاثة مواضع:

    1. قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ﴾ [4] إذن وردت هذه الصفة في آية العضل، أي متى استطيع ان اضغط على الزوجة حتى تتخلا عن المهر، هل هي في حال الزنى، أو الاذيّة، أو المعصية أو ...

    2. قوله تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً﴾ [5]

    3. قوله تعالى: ﴿يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً﴾ [6]

المراد من كلمة فاحشة: قلنا إنه في اللغة هي كل أمر قبيح زاد عن حدّه. وقد قيل انه الزنى، وقيل السحاق، وقيل البذاء، وقيل: أذية أهل الزوج، وقيل: فرق بين النكرة والمعرفة انها إذا كانت نكرة فهي كل معصية، وإن كانت معرّفة باللام فهي الزنى ولعلّه ما ورد في بعض الروايات، وقيل: النشوز، وقيل البغض.

وقد اختلفت تفاسير الفقهاء والمفسرين في ذلك، نتيجة اختلاف الروايات والتأويلات، عند الأصحاب، وعند العامة.

والذي أراه: إن لفظ فاحشة لم يخرج عن المعنى اللغوي، فتكون كل معصية زادت عن حدّها، وكل معصية قبيحة.

وليس المعنى محصورا بالزنى، والبذاءة، وسلاطة اللسان، وأذية أهل الزوج وما ذكر. بل هي في كل معصية يحرم ذكرها من باب الغيبة لأنها تهدم المروّة. وجميع ما ذكر فهو تطبيقات وردت في الروايات معظمها ضعيف السند.

ولا باس باستعراض روايات الوسائل في تفسير قوله تعالى في سورة الطلاق: ﴿يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً﴾

الوسائل من ابواب العدد باب جواز إخراج ذات العدّة الرجعية إذا اتت بفاحشة مبيِّنة وتفسيرها:

ح1 - محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم (ثقة)، عن أبيه (ثقة)، عن بعض أصحابه عن الرضا عليه السلام في قوله تعالى: " لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " قال: أذاها لأهل زوجها وسوء خلقها. [7]

من حيث السند ضعيفة بالإرسال، ولا يوجد عندنا أي نص ان ابراهيم بن هاشم كان لا يروي إلا عن ثقة لنأخذ بمرسلاته كما في ابن ابي عمير.

من حيث الدلالة: فهي تطبيق عنوان، وليس جعل عنوان " الفاحشة المبيِّنة خاصا باذاها لزوجها وسوء خلقها، وهي ليست ظاهرة في الحصر.

الرواية الثانية: ح 2 – محمد بن يعقوب، عن بعض أصحابنا، عن علي بن الحسن التيمي، عن علي بن أسباط (ثقة فطحي)عن محمد بن علي بن جعفر قال : سأل المأمون الرضا عليه السلام عن قول الله عز وجل " ولا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " قال : يعني بالفاحشة المبينة أن تؤذي أهل زوجها فإذا فعلت فان شاء أن يخرجها من قبل أن تنقضي عدتها فعل [8] . ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب وكذا الذي قبله.

من حيث السند: ضعيف بالإرسال. وقلنا انه حين يذكر ان الشيخ روى بإسناده ان لها قيمة اخرى في مقام التوثيق، كالشهرة الروائية، ووجود كتب معتبرة، واخذ الشيخ الطوسي بها.

والدلالة فيه الدلالة في سابقها.

الرواية الثالثة: ح 3 - محمد بن علي بن الحسين قال: سئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل " واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " قال: إلا أن تزني فتخرج ويقام عليها الحد. [9]

من حيث السند: الرواية مرسلة، ونحن لا نقول بان مرسلات الصدوق كلها معتبرة لأنها قسمين: في بعضها يقول وروي عن رسول الله (ص) يعنى لا يتبناها، أما إذا قال: قال رسول الله (ص) فهو كأنما يتبناها. وذكرنا في دروس علم الرجال ان مرسلات الصدوق ليست معتبرة عندنا وان كنا لا يمكن الاغماض عنها ويبقى لها نوع من الاعتبار.

من حيث الدلالة: الاخراج فقط لإقامة حد الزنا.

ح 4 - وفي كتاب ( إكمال الدين (من كتب الصدوق المعتمد عليها) ) بسند تقدم في الإجارة في أحاديث ضمان الصائغ إذا أفسد، (عن محمد بن علي النوفلي، عن أحمد بن عيسى الوشا (غير موثق)، عن أحمد بن طاهر القمي، عن محمد بن بحر الشيباني، عن أحمد بن مسرور) عن سعد بن عبد الله، عن صاحب الزمان عليه السلام قال: قلت له: أخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت المرأة بها في أيام عدتها حل للزوج أن يخرجها من بيته، قال عليه السلام: الفاحشة المبينة هي السحق دون الزنا ، فإن المرأة إذا زنت وأقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحد، وإذا سحقت وجب عليها الرجم، والرجم خزي ومن قد أمر الله عز وجل برجمه فقد أخزاه، ومن أخزاه فقد أبعده، ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه، الحديث . ورواه الطبرسي في ( الاحتجاج ) عن سعد بن عبد الله. أقول (الحر العاملي): هذا محمول على أن السحق أعظم أفراد الفاحشة المبينة جمعا بينه وبين ما مضى ويأتي. [10]

من ناحية السند: هناك خمسة وسائط بين الصدوق وسعد، عن النوفلي، عن أحمد بن عيسى الوشا (غير موثق)، عن أحمد بن طاهر القمي، عن محمد بن بحر الشيباني، عن أحمد بن مسرور، عن سعد بن عبد الله. وهذا لعلّه الرواية الوحيدة، الصدوق غالبا يروي عن ابيه عن سعد أو بواسطة واحدة، أخرى مثل محمد بن موسى بن المتوكل، السند غريب، بالإضافة إلى وجود غير الموثوقين تكون الرواية ساقطة عن الاعتبار.

من حيث الدلالة: فالمشهور ان حد زنا المحصن الرجم، ليس كل زنى لا يكون فاحشة مبيّنة في دلالة الرواية، ثم نسأل اليس الجلد خزي ايضا. هذه الرواية لا دلالة ولا سندا

 


[1] هذه تنافي اطلاق عدم جواز الخروج إلا بإذن زوجها، وهناك رواية صحيحة معتبر السند ننقلها بالمضمون: رجل يريد ان يسافر وامر زوجته ان لا تخرج من البيت، فمرض ابوها وارادت ان تعوده، فجاءت إلى رسول الله (ص) وطلبت الاذن بزيارة ابيها، فلم يسمح لها بذلك وقال: اطيعي زوجك، وتوفي والدها وارادت الخروج بجنازته، فقال لها (ص) اطيعي زوجك، فقال لها رسول الله (ص) ان الله تعالى قد غفر لك ولابيك بما اطعت زوجك. وذكرت سابقا ان هذه الرواية حادثة في واقعه لها سببها الخاص، وبقرائن بعض الروايات ان هذه المرأة كانت مشاكسة (مشكلجية) لذلك منعها زوجها من الخروج من منزلها.
[4] سورة النساء، آية، 19.
[10] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ح5، ص334.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo