< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

36/05/19

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: مناقشة قاعدة التوثيقات العامة: أن صفوان، وابن أبي عمير، والبزنطي، وأضرابهم لا يروون إلا عن ثقة.
-الطعن في دعوى التسوية.
-الطعن في دعوى عدم الرواية إلا عن ثقة.
إذن في مقام الملاحظة الرابعة: أن الشيخ الطوسي (ره) كان في مقام اسقاط الرواية الثانية عن الاعتبار، ذكر ان هناك ارسالا في الرواية، وهذا يعني انه طعن وخدش، واتخذ الارسال مبررا، وكل ما في الأمر أن الشيخ الطوسي (ره) نافى اجتهاده لاننا قلنا في درس سابق ان التسوية بين المراسيل والمسانيد قد تكون اجتهادا من الشيخ رغم ان كلمة " سوّت " توحي بالنقل لقوله: " لأجل ذلك سوّت " ولاحتمال كون النسبة إلى الطائفة، اجتهادا منه ايضا إذ الكثير من الفقهاء يصفون المستنتج بالإجماع إذا كان دليله اجماعيا، مثلا: إذا سئلت أن الكنغرو طاهر أو نجس، تجيب بانه طاهر. هل كل العلماء يقولون بذلك؟ تجيب نعم اجماعا. وذلك لأنه في بالك ان قاعدة كل شيء لك طاهر أو ان الأصل الطهارة ولا ينقضه شيء، فلا شك ان كل الفقهاء سيقولون بالطهارة اجماعا وهذا الاجماع اجتهاد واستنباط منك وليس نصا لأنك لم تستقرأ أقول الفقهاء كلهم، فلان الدليل اجماعي تكون نتيجة المدلول عليه اجماعي.
الملاحظة الخامسة: أن هذه الرواية وردت في كتابيه التهذيب والإستبصار، والتهذيب كتبه في العشرينات من عمره الشريف وذلك بإشارة من أستاذه الشيخ المفيد (ره) [1] كما يستفاد من بعض كلماته، بينما كتاب العدّة كتبه وهو في السبعينات أو الثمانينات، أي بعد نضوج منه، مع ملاحظة أن كتابة الحديث لا تحتاج إلا إلى حافظة جيدة بخلاف الاجتهاد الذي يحتاج إلى رؤية فقهية. وكان في شبابه لم يلتفت إلى هذه القاعدة. وسواء كانت القاعدة عن نقل أو اجتهاد فالمفروض أن يؤخذ بالمتأخر لأنه صدر عنه بعدما خالط الفقه والحديث فكره ولحمه ودمه. هذه القاعدة تحتاج إلى تتبع، مثلا: إذا قلت لك أنت تريد أن تصبح من علماء الحديث: حمّاد بن عيسى أو حماد بن عثمان، الحمّادان هل يروون عن ثقة او لا؟ يكون جوبك أريد أن أتتبع وأبحث، ولعلّه بعد التتبع تكون النتيجة أنهما لا يروون إلا عن ثقة وهكذا تتطور العلوم وهذا يحتاج إلى عشرات السنين.
وعلى ذلك إذا كان هناك زمانان لنفس الشخص الشيخ الطوسي (ره) في زمان كان له رأي واستنباط أو نقل وقبله في العشرينات له نقل آخر، هذا يعني أنه تراجع عن ما كتبه في العشرينات إلى شيء آخر. إذا كان حدسيا واجتهادا يكون قد تراجع عن اجتهاده الاول، وهذا ليس بالأمر المستهجن بل هو أمر طبيعي. وهناك من ينتقد بعض الأشخاص لأنه تغيّر رأيه، فإذا كان عن عدم العلم وتردد نعم هذا نقص، أما إذا كان التبديل لأنه ينمو ويتطور، فهذا مدح فيه، لذلك نجد بعض الكبار من العلماء في اول كتابه له رأي وبعد عشر سنوات تجد رأيا آخر، هذا مقتضى النضوج والنمو. من هنا الشيخ الطوسي (ره) في الثمانينات التسوية إذا كانت نقلية يعني أنه التفت إلى شيء، وإذا كان حدسيا هذا يعني انه تراجع عن اجتهاده إلى اجتهاد آخر. فنأخذ بالمتأخر ولا نأخذ بالمتقدّم لم تم أن هناك تناقضا وتنافيا.
أما الرواية الثانية: وهي المروية في الاستبصار باب ولاء السائبة، وفي التهذيب باب العتق وأحكامه.
في الاستبصار: (87) 5 - فأما ما رواه محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: السائبة وغير السائبة سواء في العتق. فأول ما فيه أنه مرسل، وما هذا سبيله لا يعترض به على الأخبار المسندة،.[2]
التهذيب: (932) 165- واما ما رواه محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: السائبة وغير السائبة سواء في المعتق.
فأول ما فيه أنه مرسل وما هذا سبيله لا يعارض به الأخبار المسندة. [3]
ملاحظاتان على تعليق الشيخ (ره) على هذا الحديث بالإضافة إلى ما ذكر من ملاحظات على الرواية الأولى عدا الملاحظة الاولى حيث لا يوجد هنا إلا إرسال واحد.
الاولى: قال في الرواية الاولى: " روي لي " هذا إرسال أول. والارسال الثاني أنه قال: " يرفعه إلى " لم يذكر الواسطة فاعتبر مرسلا والواسطة لم توصف أصلا، من قبيل من قال: " روي عن رجل " أو " حدثني رجل ".
أما في هذه الرواية فالواسطة المجهول وصف بانه من الأصحاب قال:" عن محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة " الراوي موصوف أنه من الاصحاب، الواسطة المجهولة هنا وصفت أنها من الأصحاب، وذكرنا الفرق بين " عن رجل " وعن " بعض أصحابنا " سابقا. لذلك قال بعضهم أنه إذا ذكر " عن بعض أصحابنا " ألحق بالمعتبر والحسن والمسند بحسب كما قد يذهب اليه بعض الفقهاء.
هذه الرواية فيها توصيف للواسطة " صحابي " وكل ما في الأمر أن التطبيق ليس معلوما، ولا يشترط لحجية الخبر أن يكون المخبِر معلوما بعينه، المهم أوصافه: الثقة، العدل.
الملاحظة الثانية بالإضافة إلى الملاحظات السابقة، يقول " وما هذا سبيله لا يعترض به على الأخبار المسندة "، هذا تناف واضح في كلام الشيخ الطوسي (ره) وهذا ينافي كلامه السابق " لا ترجيح لخبر غيره على خبره " هذا يدل على التعارض، والتنافي بين الكتابين.
نقول: هذا مورده عند التعارض. مرسلات ابن ابي عمير على قسمين: قسم معارض لروايات اخرى. وقسم غير معارض. ولذلك نجد ان مرسلات ابن ابي عمير الموجودة في روايات التهذيب لا يوجد تعليق عليها " انه اول ما فيها انه مرسل " إلا هذين الخبرين واخبار اخرى جعلها بعضهم تخدش بالارسال سنستعرضها.
بعبارة اخرى: ان الاستدلال بالطعن بهذه الروايات على القاعدة غير تام، هذه الرواية نقلية " انه لا يروون إلا عن ثقة " وليست حدسية، وهذه الروايات لا تطعن بالقاعدة.
والنتيجة: أن التنافي لو تمّ فإنما ينفي دعوى التسوية، ولم يثبت كونها نقلية، وهذا يكون إشكالا على الشيخ (ره) أنه ناقض اجتهاده، وهذا أمر يقع عادة من الفقهاء حين يخالفون ما اجتهدوا فيه [4].
وهناك روايات أخرى جعلها بعضهم نقضا من الشيخ (ره) لقاعدته نذكر منها:
ما في التهذيب ج7 باب بيع المضمون: (127) 15 - أحمد بن محمد عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن
بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يسلف الدراهم في الطعام إلى أجل فيحل الطعام فيقول: ليس عندي طعام ولكن انظر ما قيمته فخذ مني ثمنه قال: لا بأس بذلك. [5]
ويلاحظ فيه أولا: أن المرسل ليس ابن أبي عمير بل هو أبان بن عثمان. وهذا يدل على أن مرسل ابن ابي عمير ليس كمرسل أبان، وهذا يدل على أن الأصل في كلام العدّة ليس دعوى الكشي في أصحاب الاجماع. هذه الرواية تكون حينئذ نقضا عليهم وليست لهم. هذا الارجاع للكشي مسألة اجتهادية.
ومنها: ما في التهذيب ج9 باب ميراث من علا من الآباء وهبط من الأولاد: ( 1126 ) 47 عنه عن محمد بن علي ومحمد بن الحسين جميعا عن محمد بن أبي عمير عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام قال: أطعم رسول الله صلى الله عليه وآله الجدتين السدس ما لم يكن دون أم الام أم ولا دون أم الأب أب.
قال محمد بن الحسن: هذان الخبران غير معمول عليهما لان الخبر الأول مرسل مقطوع الاسناد. [6]
ومنها: ما ذكره السيد الخوئي (ره) من التعليق على الشيخ على بعض الروايات في التهذيب ج 1 باب المياه واحكامها: (1309) 28 فاما ما رواه محمد بن علي بن محبوب عن العباس عن عبد الله بن المغيرة عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كان الماء قدر قلتين لم ينجسه شيء والقلتان جرتان.
فهذا خبر مرسل ويحتمل أن يكون ورد مورد التقية لموافقته لمذهب كثير من العامة يحتمل أيضا أن يكون الوجه فيه ما قدمناه في غير هذا الخبر وهو أنه يكون مقدار القلتين مقدار الكر لان ذلك ليس بمنكر لان القلة هي الجرة الكبيرة في اللغة وعلى هذا لا تنافي بين الاخبار . [7]
مع التأمل نرى أن المرسل عبد الله بن المغيرة، وهذا يكون نقض على استنتاجه (ره) وعبد الله بن المغيرة من اصحاب الاجماع وليس من المعلوم ان لا يروي إلا عن ثقة.
غدا ان شاء الله نكمل الرواية.


[1] فائدة:. في أحد المواضع مورد أشار الشيخ الطوسي (ره) انه كتب بناء على طلب استاذه منه، والمراد من الشيخ الفاضل هو " الشيخ المفيد (ره) "، وبعضهم قد اشكل على كلمة " الفاضل"، الجواب ان هذا التعبير سابقا كان له المعنى العظيم، واذكر حين كنا في النجف الاشرف إذا قلنا ان فلان "فاضل" يعني انه عالم ومجتهد، نعم الالفاظ قد تختلف معانيها من عصر إلى عصر ومكان إلى مكان، وإذا قلنا ان فلان " طلبة جيد " يكون من المجتهدين، وكنا نطلق هذه العبارة حتى على قداسة السيد الخوئي، وهذا شرف أن يبقى العالم طالبا من المهد إلى اللحد، وللأسف، انا اتمنى ان تبقى هذه القيمة الانسانية الاخلاقية ولو بلغ الأنسان التسعين من عمره، " انت طالب " هذا مدح للعالم
[4] اذكر قبل عشر سنوات كنت أري أن هذه القاعدة غير سليمة، وهذا ما ذكرته في كتاب طفل الانبوب حيث اعترضت على القاعدة، اما الآن وعند التأمل بالروايات أري أن القاعدة تامّة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo