< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

34/03/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: ولاية الحاكم على المجنون
  الاستدلال بالإجماع والحسبة والروايات الخاصة والعامة.
  هل للحاكم مع عدم وجود ولي على المجنون والمجنونة ولاية؟ والمراد من الحاكم: الحاكم الشرعي الفقيه المجتهد الذي يجوز له أن يتسلم منصب القضاء. ذكرنا من الادلة: الاجماع والحسبة [1]
  والروايات.
 الدليل الرابع: الروايات العامة الحديث النبوي المشهور: " السلطان ولي من لا ولي له " وذلك بتطبيق السلطان على الحاكم.
  ذكره في تذكرة الفقهاء العلامة الحلي ج 2 ص 592 ويقول فيها: وبه قال مالك والشافعي وإسحاق وأبو عبيدة وأصحاب الرأي. وكما استدل به في جواهر الكلام ج 29 ص 188 على عموم ولاية الحاكم المستفادة من نحو قوله (ص):" السلطان ولي من لا ولي له ". وكما استدل به في كتاب المكاسب للشيخ الانصاري ج 3 ص 558 أنه اشتهر على الألسن وتم تداوله في بعض الكتب وهذا بعد الانجبار سندا ومضمونا وذكر في التعليقة عن هداية الطالب ص 232 قول الشهيد: إن منشأ التردد هو الشك في أن المتداول في الألسنة متن الرواية ونقلت باللفظ؟ أو مضمونها ونقلت بالمعنى؟.
  الكلام في السند والدلالة.
  اما السند: فضعيف لكنه منجبر بالشهرة، بناء على أن الشهرة تجبر ضعف الرواية.
  لكن الكلام في الصغرى والكبرى. صغرويا: هل اشتهر العمل بالرواية؟. ثم كبرويا: إذا اشتهر العمل بها، فهل الشهرة تجبر ضعف الرواية؟.
  أما الصغرى، فلم يثبت عندنا اشتهار العمل بهذه الرواية.
  قد يقال: ان هناك صلاحيات اعطيت للحاكم اجماعا.
  نقول: أن الصلاحيات المعطاة للحاكم لحفظ من نعلم من الشارع الاهتمام به وعدم جواز تركه وتعريضه للتلف، كالطفل والمجنون والوقف اللذين لا ولي لهم، هذه الصلاحيات قد تكون من باب الحسبة وحفظ النوع وحفظ النظام وما فيه حفظ مصالح الناس الذي نعلم عدم تهاون الشارع الاقدس
 به، لا أنها من باب العمل بالرواية، فلا يكون قد اشتهر العمل بها، لان معنى الشهرة هو استناد أهل الفتوى في الاستدلال عليها على هذه الرواية. ومجرد نقل الفتوى منهم لا يدل على استنادهم إليها، فلعلَّهم استندوا إلى دليل آخر من آية أو رواية أو أصل أو سيرة أو غير ذلك. وبعبارة أخرى: مجرد اتفاقهم على فتوى لا يدل على الدليل عليها.
  وثانيا أن الصلاحيات معطاة للسلطان، وسيأتي الكلام عليه عند البحث في دلالة الرواية.
 وأما الكبرى، فقد اشتهر قاعدة: " إن عمل الاصحاب يجبر ضعف الرواية " وللتذكير استدل لهذه القاعدة بأن الاصحاب القريبين من عصر النص لا يمكن أن يعملوا برواية ضعيفة بدون أن يكون عليها قرائن على اعتبارها وحجيتها، ولكن هذه القرائن قد خفيت علينا لبعد الزمن، مع الأخذ بعين الاعتبار فضل هؤلاء الفقهاء وتقواهم وأيضا ضعف السند. [3]
  وأجيب عليه بأمرين:
  الأول: صغرويا، لا نسلِّم بأن الأصحاب قد استندوا للفتوى على نفس الرواية، فلعلَّ بعضهم استند إلى الرواية وأخرون إلى الأصل، وهكذا.
  والثاني: كبرويا، لو سلَّم بانهم استندوا في عملهم لنفس الرواية الضعيفة بناء على احتفافها بقرائن خفيت علينا، ولكن من يضمن أن هذه القرائن لو اطَّلعنا عليها لسلَّمنا بقرينيَّتها. هذا من جهة السند.
  أما من جهة الدلالة: فإن اللفظ هو السلطان، فإذا لاحظناه فلا يشمل المجتهد الذي لا سلطة له،
  لان ظهور العناوين هو في أخذها بنحو الفعلية لا بنحو الإمكان.
  وقد يقال: إن الحديث نقل بالمعنى، والمراد من السلطان هو الحاكم الشرعي.
  لكن: التعبير عن المجتهد والحاكم الشرعي بالسلطان تعبيرا غير متداول، فالحمل عليه يحتاج إلى قرينة. والذي يهون الخطب ضعف الرواية وضرورة حفظ المجنون ورعايته من باب الحسبة.
  الدليل الخامس: ذكر بعض المعاصرين أن تزويج المجنون والمجنونة اللذين لا ولي لهما هو من مناصب القضاة ومع ضميمة أن الفقيه هو القاضي فيصبح الاهتمام بالمنصب من مناصب الفقيه.
  لكن: اولا: اسناد هذا الامر للقاضي أول الكلام.
  ثانيا: خبر أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال المروي في الوسائل ج 18 ب1 من أبواب صفات القاضي ح 5 عن أبي عبد الله (ع) " إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا، فاجعلوه بينكم، فأني جعلته قاضيا فتحاكموا إليه ".
  هذا الحديث يقتضي أن يكون كل قاض فقيها وليس العكس، وإن كان يمكن التأمل في الدلالة، إذ يستفاد منها أن كل فقيه قد جعل قاضيا. غدا نبحث الولاية على الصبي إن شاء الله.


[1] وهما دليلان لبيان لا لسان لهما فيقتصر فيهما على القدر المتيقن وهو خصوص ما كان المجنون بحاجة مباشرة للزواج.
[2] وللتذكير: الدليل اللبي مقابل الدليل اللفظي وتسميته من باب تسمية الشيء باسم بعض افراده، فكل ما لم يكن لفظا هو دليل لبي كالسيرة العقلائية والاجماع وحكم العقل والعقلاء والسيرة العقلائية والمتشرعية وتقرير وعمل المعصوم. وليس للدليل اللبي لسان فليس له اطلاق فيقتصر فيه على القدر المتيقن.
[3] الشهرة ثلاثة اقسام: الروائية والفتوائية والعملية. والذي ينفعنا هو الشهرة العملية التي هي اشتهار العمل برواية معيّنة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo