< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

32/11/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح \ الزواج المدني \ صحة العقد مع فساد الشرط

كنا في مسألة: هل فساد الشرط يقتضي فساد المشروط؟ ووصلنا إلى انه لا يقتضي فساد المشروط بل أن العقد صحيح. إذا كان العقد صحيحا هل لاحد الطرفين خيار الفسخ؟.

فائدة: لعقد النكاح أربعات ثلاث.

الحقوق المالية للمرأة هي: النفقات، المهر، الارث، والمتعة – وهي حق مالي -.

المهر أربعة: مهر المسمى، مهر المثل، مهر التفويض ومهر السنّة.

وللتوضيح: معنى مهر التفويض ومهر السنة. التفويض هبة المرأة نفسها، باطل شرعا، هبة النفس مختص برسول

الله، والهبة مع اشتراط عدم المهر، وأما مع وجود المهر يسمي تفويضا. ومعنى التفويض أن يكون عقد دون ذكر المهر، المهر هنا لم يشترط عدمه حتى يكون العقد باطلا. وهذا تارة يكون تفوض بضع وتارة تفويض مهر.

معنى تفويض المهر أن يعطى الزوج أو الزوجة حق تعيينه. وهناك تفويض البضع ما لم يذكر المهر، وحينئذ إن كان قبل الدخول وبعد الفسخ أو الطلاق فلها المتعة، وإن كان بعد الدخول فلها مثل أمثالها.

أما مهر السنة، إذا قيل على كتاب الله وسنة رسوله فهل يجب لها مهر السنة ولم يذكر المهر.

أما خيار الفسخ في بقية العقود كثير ومحل اتفاق، كخيار التدليس والعيب وتبعض الصفقة والمجلس والحيوان، جعلت بالعشرات وقد يرجع بعضها للآخر.

في عقد النكاح في الزواج هناك أربعة خيارات: خيار العيب، خيار التدليس، خيار اشتراط الخيار، خيار تخلف الشرط.

هناك تفصيل في خيار الشرط، وكلام في خيار التدليس والعيب، وأما اشتراط الخيار لم يقل به أحد، وهذا ما سنبحثه. نعم السيد الخوئي (قده) يقول أن هناك من يقول به ولكن لا أذكر من هو.

أحيانا يقال خيار الشرط، والحقيقة أن هناك نوعان من خيار الشرط. هناك اشتراط الخيار وهناك تخلف الشرط، وهما يختلفان مفهوما، ولكن في الأدلة نفس الأدلة في كتاب الزواج.

حينئذ للطرف المشروط هل له خيار الفسخ أو لا؟.

وقلنا: أن هناك أدلة على ثبوت خيار الفسخ، وهناك أدلة على عدم الثبوت، هناك إجماع على عدمه ثبوت خيار الفسخ.

ما يمكن الاستدلال به على ثبوت الخيار هو العمومات " أوفوا بالعقود " من الآيات القرآنية، واطلاقات " المؤمنون عند شروطهم إلا ما أحل حراما وحرم حلالا "، وما قيل من سيرة العقلاء على عقد النكاح يختلف عن بقية العقود، حتى عقلائيا خيار الفسخ غير موجود، بل الموجود هو الطلاق. إذن القاعدة هي صحة اشتراط الفسخ وصحة ثبوت خيار تخلف الشرط.

فإذن عدم الثبوت هو الذي يحتاج إلى دليل، يعني خيار الفسخ هو الذي يحتاج إلى الدليل.

من هنا نبدأ بهذا المطلب، أن ما يمكن تصوره من ادلة على ثبوت خيار الفسخ.

وبحسب منهجيتنا التي ذكرناها سابقا: العلم، العلمي، الأصل اللفظي، الأصل العملي. هذه المنهجية المتداولة في كيفية معالجة الشبهة الحكمية.

الدليل الاول: قالوا الضرورة بمعنى أن منافاة عقد النكاح لاشتراط الفسخ من ضروريات الفقه. ذكر هذا الكلام في الجواهر.

ويرد عليه: أن الكلام في الكبرى والصغرى.

أما في الصغرى بمعنى تطبيق هذا الكلي، أن الضرورة تنفي خيار الفسخ على ما ذكروه من اشتراط الخيار أو تخلف الشرط.

حتى نبيّن مسألة الصغرى والكبرى لا بد من مقدمة:

أولا: ما معنى الضرورة، إذا قيل هذا ينافي ضروريات الفقه، هذه العبارة ما معناها؟ ومن أين أتي بها؟.

الضروري هو ما يقابل الممكن، يعني الثابت الذي لا يمكن تصور انتفائه عقلا أو نقلا أو بحسب كل علم. لذلك في المنطق والفلسفة قالوا الوجود قسمان ضروري وممكن.

وفرق بين الضروري والنظري: الضروري الذي لا يحتاج إلى دليل، والنظري الذي يحتاج إلى استدلال.

هناك اصطلاح للمناطقة، الضروري مقابل الممكن، وهو الثابت عقلا الذي لا يمكن نفيه، مقابل الممكن الذي يحتمل الثبوت وعدمه، والممكن هو سلب الضرورة عن احد الطرفين، وممكن بالمعنى الأعم والمعنى الأخص.

توسعوا في كلمة ضروري وصار في عدة علوم كلمة ضروري موجودة ومنهم العلوم الفقهية، فهناك عدة ألفاظ يقولون ضرورات: الضرورة الدينية، المذهبية، الفقهية. فما الفرق بينها؟.

الضرورة الدينية: هي ما لا يمكن تصور انتفائه في الدين فلو نفيته كأنك قد كذبت رسول الله (ص) ولذلك قالوا: الكافر على أقسام منها: من أنكر الضرورات الدينية، والمثال المتداول هو من قال أن الإسلام ليس فيه صلاة أصلا، لا أنه لا يريد أن يصلي، فانه فاسق، من أنكر وجود الصلاة في الإسلام فهو كافر.

لماذا حكم بكفره؟. قالوا لان إنكار الضرورة تكذيب وتكذيب الدين كتكذيب رسول الله، وتكذيب الرسول هو تكذيب الله. من هنا يأتي التكفير، لماذا كان منكر الضرورة كافر؟.

مثال آخر من غير المتداول: قد يقال أن الصدق في الإسلام ليس حسنا شرعا بل هو صدق، والكذب حسن شرعا. هذا خلاف الضرورة، فتقول أي دين هذا؟. إنكاره إنكار للدين بنفسه تكذيب لرسول الله.

أيضا: أذية الآخرين الاعتداء على الناس جائز. هذا إنكار ضرورة من الضرورات عدم جواز الاعتداء على الآخرين، والاعتداء في كل صوره على الأموال على الأعراض والكرامات. تارة يعتدي هذا ولا يكون كافر بل يكون فاسقا، تارة يقول إن الاعتداء جائز في الشرع.

الضرورة المذهبية: أحيانا يقال هذا من ضرورة المذهب، في الاصطلاح يعني كأنك إذا نفيته نفيت المذهب، مجرد أن تقول مذهب ثبتت هذه الضرورة كما لو قلنا صحة زواج المؤقت، أو زواج أشهر، أو أشهد أن عليا ولي الله في الإقامة.

الضرورة الفقهية وهي محل كلامنا، عندما استدلوا وقالوا الدليل الأول هو الضرورة، هناك منافاة عقد النكاح اشتراط الفسخ، أي ضرورة مقصودهم هنا؟. الضرورة الفقهية، وهذا الاصطلاح موجود في كتاب الفقه.

ما يمكن ان نتصوره للضرورة الفقهية من معان وأسباب:

المعنى الأول: أن يكون بحيث لو انتفى، انتفى الفقه. مجرد أن هناك فقه يلزمه مباشرة هذا الحكم، وهذا في عرف المتشرعة ليس في عرف الناس، فالناس لا تستطيع ان تفهم منها أمورا فقهية، لأن الناس بحسب العادات ليس عندها علوم.

المعنى الثاني: أن يكون أمرا متسالما عليه.

المعنى الثالث: أن يكون أمرا يحكم به الذوق الفقهي، وان كان قد وصل إلى مرحلة القطع والحدس.

المعنى الرابع: أن يكون مجمع عليه، الضرورة الفقهية بمعنى الإجماع.

هذه المعاني الأربعة جميعها تفيد القطع، وإذا أفادته لا يمكن نفيها فهذا الجامع المشترك بينها.

هناك عدة ألفاظ في مقام بيان اتفاق الفقهاء، في مقام الاصطلاح. تارة يقال بلا خلاف، وتارة يقال اتفاقا وتارة يقال بالإجماع أو إجماعا وتارة يقال وهو متسالم عليه، وقمتها بالضرورة. وكلها تشير إلى اتفاق فقهاء.

ما الفرق بين هذه الألفاظ الأربعة؟.

الذي يمكن استكشافه من كلماتهم، وقلنا مرارا أن الألفاظ عندما تستعمل في الكتب الفقهية، كثيرا لا تستعمل بدقتها الاصطلاحية، مثلا: أحيانا حكم العقل مكان حكم العقلاء أو بالعكس، قد يكون الاصطلاح غير دقيق في الاستعمال، وهذا أمر يؤدي إلى نوع من الإرباك في فهم المراد.

لكن الذي نفهمه من اصطلاحاتهم أن كلمة

بلا خلاف: أي لا نجد فيه خلافا، نفي المخالف، الذي يلزمه اتفاق على الحكم على الفتوى.

أما اتفاقا: فلا نفهم الاتفاق باللازم. إذن بلا خلاف باللازم نفهم الاتفاق، بينما اتفاقا نفهمه صريحا، ولذا يقال اتفاقا.

أما إجماعا: في الاصطلاح هو: أن يستكشف منه رأي المعصوم، فالفرق بين الاتفاق والإجماع في الاصطلاح إن قال اتفاقا قد لا يستكشف منه رأي المعصوم، بينما إجماعا يستكشف منه ذلك. هو نفس الاتفاق ويكون عموم وخصوص مطلق بينهما.

بغض النظر عن الضرورة إذا قلنا هذه الألفاظ الأربعة، التسالم هو أعلاها تسالم الفقهاء، أقل من الضرورة، وأقل من البديهة. فبالترتيب أولا: بلا خلاف ثم اتفاقا ثم إجماعا وهو الأقوى لأنه يستكشف منه رأي المعصوم، وأقوى من الإجماع التسالم، التسالم الفقهي أقوى منه البديهة، وأقوى منه الضرورة.

التسالم هو الذي لا يحتاج إلى دليل بين الفقهاء، وليس فيه نقاش، والتسالم يمكن ان نناقش فيه ايضا.

الذي يهون الخطب أن كلمة الضرورة الفقهية ليست موجودة في عنوان، ليس هناك عنوان شرعي بمعنى نص من قرآن أو سنة فيه كلمة ضرورة فقهية، وهذا يريحنا، أننا لسنا بحاجة إلى بحث معناها، لان المعنى، العنوان إذا ثبت، ثبتت أحكامها، الأحكام تابعة لعناوينها. إنما نبحثه حتى نفهم مراد المتكلم، كلمات الفقهاء وحتى لا يكون كل منا يتكلم في واد.

نقول: في نهاية الدليل الأول: عندما قلتم أنه للضرورة الفقهية، الدليل هو أن منافاة عقد النكاح، لاشتراط الفسخ من ضرورات الفقه.

فإذا كانت هذه الضرورة من ضرورات الفقه بالمعنى الأول لا نسلم به، أي لا نسلم بمعنى انه لو انتفى لانتفى الفقه، ولا نسلم انه يحكم به الذوق الفقهي، ممكن أن يكون تسالما أو إجماعا، حينئذ أصبح يرجع إلى الدليل الثاني الذي سنذكره وهو الإجماع.

ومن قال بالتسالم، رأي غير سليم لأنه بالوجدان مثلا: امرأة اشترطت على زوجها شرطا وقالت إن لم تأتي بالشرط فلي الخيار. هل تجد بالبديهة أن ليس لها خيار، فالزواج كان على أساس وجود الشرط.

لذلك ليست مسألة بديهية ولا ضرورية، نعم مجمع عليها صحيح. وسنجد هناك إن لم نقل بخيار الفسخ أن هناك مجال لها آخر للفسخ، سنذكره آخر البحث.

كيف نستطيع أن نخلِّص هذه المرأة إن اشترطت أمرا ولم يف لها الزوج به، وهي سلمت نفسها على أساس هذا الشرط، أو اشترطت خيار الفسخ. ماذا نفعل؟. هناك مخرج.

لكن نقول: إن هذه المسألة إن رجعت إلى الإجماع فسنبحث الإجماع وهو الدليل الثاني، وإن لم ترجع فلا نسلم أنها ضرورة بمعنى الضرورات التي ذكرناها. أي لا نسلم بالصغرى.

وللحديث تتمة

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo