< قائمة الدروس

الأستاذ السيد عبدالکریم فضل‌الله

بحث الفقه

32/11/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب النكاح \ الزواج المدني \ صحة العقد مع فساد الشرط

الحديث الثالث: الذي يدل على أن فساد الشرط في خصوص عقد النكاح، لا يؤدي إلى فساد العقد.

ما رواه الكليني في الكافي عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن موسى بن بكر عن زرارة، أن ضريسا كانت تحته بنت حمران فجعل لها أن لا يتزوج عليها وان لا يتسرى أبدا في حياتها، ولا بعد موتها على أن جعلت هي أن لا تتزوج بعده، وجعلا عليهما من الهدي والحج والبدن وكل مالهما للمساكين إن لم يف كل منهما لصاحبه، ثم أتى أبا عبد الله (ع) وذكر ذلك له فقال: ( أن لابنة حمران لحقا ولن يحملنا ذلك على أن لا نقول لك الحق، اذهب وتزوج وتسرَّ فإن ذلك ليس بشيء، وليس شيء عليك ولا عليها، وليس ذلك الذي صنعتماه بشيء، فجاء وتسرى وولد له بعد ذلك أولادا )[1] .

أما السند: فهو معتبر، بعد ما وثقنا علي بن الحكم وموسى بن بكر.

وأما في الدلالة:

أولا: فالشرط الذي حرِّم الحل هو بمعنى اسقط الحكم. هذا الحكم نستظهر منه أنها أحكام وليست حقوقا، إذا شككنا أنه حق أو حكم. الإمام (ع) ينظر إلى أن اشتراط عدم الزواج أو عدم التسري عندما أبطله ليس لأنه حق بل لأنه حكم، لأن إسقاط الحكم لا يجوز، وستأتي هناك روايات أخرى معارضة، وسنستنتج من المطلب أن اشتراط عدم الزواج عليها الوفاء به أو لا؟،وهذه الرواية صريحة في صحة عقد الزواج، وهو مطلبنا.

ثانيا: لا بأس بملاحظة أن الإمام (ع) أشار إلى ناحية تربوية، قال له أن لابنة حمران علينا حقا، يريد أن يعلمنا، يربينا، هو فقه وتربية في آن واحد، حتى لو كان من أصحابك وأصدقائك وإخوانك، فلا يحملك هذا على أن لا تقول الحق، بيّنه، نعم اجعل قبل أن تقول الحق مقدمة، هذه ناحية تربوية، حتى يستطيع السامع تقبل هذه المقدمة، هذه الفتوى كما في الرواية السابقة.

بعبارة أخرى: بيِّن الحكم الشرعي ولكن بلسان طيب يتقبله الناس، كان يستطيع أن يقول له الحكم كيت وكيت، طبعا سيكون في النفس شيء، له الصداقة والمحبة وإن، فقدم هذه المقدمة حتى لا تلام، إن لك علينا حقا، لكن هذا لا يحملنا على أن لا نقول ما يريد الشرع.

الحديث الرابع: روى الحر العاملي في الوسائل عن محمد بن الحسن الطوسي بإسناده عن على بن الحسن بن فضال عن عبد الرحمن بن ابي نجران وسندي بن محمد جميعا عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن ابي جعفر (ع) – الباقر (ع)[2] -، قال: ( قضى علي (ع) في رجل تزوج امرأة وشرط لها إن هو تزوج عليها امرأة أو هجرها أو اتخذ عليه سرية، فهي طالق، فقضى في ذلك أن شرط الله قبل شرطكم فإن شاء وفى لها بالشرط، وإن شاء امسكها، واتخذ عليها ونكح عليها )[3] .

هذه الرواية تختلف عن سابقتها قال: " أن لا يتسرى عليها فإذا تسرى عليها فكل مالها للمساكين "، هنا يقول: " فإذا تسرى عليها فهي طالق ".

ذكرنا سابقا أن الطلاق له باب وهو ايقاع، وهناك إجماع بل تسالم عند الفقهاء، وإن قلنا بأن هذا التسالم يمكن نحن أن نخدشه. الأوضاع أبوابها توقيفية، هي أمر عقلائي موجود لكن لها أبواب توقيفية تدخل إليها فلا يحق لك أنت كمكلَّف أن تدخل إليها بباب من اختراعك.

للتذكير بالمسألة هذا المثال مثلا الزوجية لها باب وهو العقد، فإذا اخترعت بابا آخر، من قبيل: أبيعك هذا الخاتم بشرط أن تصبح زوجا لي. هنا لا عقد زواج ولا صيغة، بل ضمن عقد بيع، فهل هذا صحيح؟.

قلنا: أن هناك تسالم على أن الأبواب مسألة توقيفية، وإن قالوا حتى الأبواب الصيغة توقيفية. وقلنا، لا، هناك مجال للصيغة ولكن حتى نكسر الحصر ونخترع أبواب أخرى نحتاج إلى دليل كبير لكسر هذا التسالم.

في بحث هذه المسألة وصلنا إلى أنه لا مانع من ذلك. لماذا يجب علينا أن نحبس الأبواب ونقول هذا فقط مدخل لهذا؟ وكان الدليل الأساسي الذي كان عندنا أن الأبواب مدخل إلى أوضاع، تكون موضوعا الأحكام، والأبواب لا علاقة لها بالأحكام، وما يهم الشارع هو الإحكام التي تنصب على أوضاع، يعني هناك أحكام للملكية، هناك أحكام للزوجية، الذي يهم الشارع الأحكام، جعلت الزوجية تنظيما لهذه الأحكام، الآن كيف تدخل إلى الزوجية؟، جعلت أبواب مثل الصيغة، ولكن ما الدليل على أنها محصورة وتوقيفية؟. ليس هناك شيء اسمه حكم وضعي بمعنى حكم، هناك وضع هيأة وضعيات كانت موجودة في ما قبل الإسلام وغير المسلمين، عند العقلاء واقرها الشارع، بمعنى استعملها الشارع كما استعمل الحروف والأرقام، هم ابتدعوها لتنظيم حياتهم، الزوجية والملكية والبيع والشراء وغير ذلك، استعملها الشارع وجعلها مصبا للأحكام التكليفية ومنظما لها، نعم الشارع قد يتدخل في الأجزاء والشرائط وغير ذلك. أما أن نقول أن الزوجية لا يمكن الدخول إليها إلا عبر أبواب خاصة فهذا يحتاج إلى دليل. هناك تسالم على ذلك وهناك أدلة على ذلك، ونحن قلنا: إننا لا نسلم بذلك لكن هذا خلاف المتسالم.

هنا بهذه الرواية قال: " إن هو تزوج عليها أو هجرها أو اتخذ عليها سرية فهي طالق "، من دون إجراء صيغة طلاق، مباشرة تصبح طالقا[4] .

فهي طالق معناه أنه مجرد أن يتزوج عليها صارت زوجته طالق يعني دخل إلى الطلاق بغير الباب الشرعي الذي هو الصيغة ولهذا هنا إسقاط حكم واضح جدا. فقال: " الإمام (ع) إن شرط الله قبل شرطكم، فإن شاء وفى لها بالشرط وإن شاء امسك واتخذ عليها "، يعني أن العقد صحيح رغم فساد الشرط.

والروايات كثيرة جدا إذا أردنا أن نستعرضها فتحتاج إلى ساعات ولكن أخذنا بعض نماذج في ما يدل على أن فساد الشرط في عقد الزواج لا يؤدي إلى فساد العقد.

ننتقل إلى المسألة الثالثة والمهمة:

وذلك: بناء على الصحة وأن فساد الشرط لا يؤدي إلى فساد المشروط، وأن العقد صحيح. هل للمرأة أو للرجل خيار فسخ العقد أو لا؟.

هذه المسألة فيها كلام كثير خصوصا في الوجه الأخير، إثبات أن لا خيار لها ولا له.

قبل أن نبدأ، خيار الفسخ موجود في العقد في كل العقود، سنتكلم بالنسبة للنكاح، بقيَّة العقود ورد فيها خيارات متعددة بعناوين متعددة ولكل عقد بابه وخياره أحيانا المختص به، فخيار الحيوان مثلا مختص بالحيوان إلى ثلاثة أيام، له حق فسخ العقد، وهناك خيار المجلس خيار تخلف الشرط خيار التأخير خيار تبعّض الصفقة، خيار العيب، ولكل خيار أحكامه وليس كل الخيارات على نسق واحد في الأحكام.

أما عقد الزواج الذي نحن في صدده في بحثنا، فخيار الفسخ يكون في أربعة أمور:

خيار العيب، خيار التدليس، خيار الاشتراط، وخيار تخلف الشرط.

بغض النظر عن ثبوتها وعدمه، طبعا تجميع هذه الأمور يؤدي إلى توضيح الفرق بينها في الذهن. في الكتابات الفقهية تداخل كثير، يعني خيار العيب أحيانا هو نفسه خيار التدليس أحيانا خيار التدليس ورد في خيار العيب، " امرأة برصاء دلست نفسها "، الخيار لأجل البرص أم لأجل التدليس. كان من المهم جدا التفكيك بين مواضيع هذه الخيارات ولذلك الذي نتصوره ان الخيارات، خيارات الفسخ بغض النظر عن ثبوته وعدم ثبوته بغض النظر عن التفصيل قبل الدخول وبعد الدخول.

الخيارات أربعة: خيار العيب، خيار التدليس، خيار اشتراط الخيار، خيار تخلف الشرط.

الفرق بين العيب والتدليس واضح، والفرق بين الأخيرين، بين اشتراط الخيار وخيار تخلف الشرط، أن اشتراط الخيار هي أن يختار أحد الطرفين أن يكون الفسخ بيده مطلقا أو لطرف معين.

هذا اشتراط خيار الفسخ، أما خيار تخلف الشرط فهو إذا شرط لها شرطا أو شرطت له شرطا ولم يف به، هذا نعبر عنه بخيار تخلف الشرط، وكثيرا ما يعبر عن الخيارين بخيار الشرط، لكن نحن في مقام التفكيك ولتوضيح المسألة نقول أن هناك خياران، اشتراط خيارـ وخيار تخلف الشرط، وفرق بينهما وإن كانت الأدلة تقريبا يمكن جريانها في الأمرين، أدلة ثبوت الخيار وأدلة عدم ثبوته.

أدلة ثبوت الخيار: عندنا أولا: اشتراط الخيار ثم خيار تخلف الشرط.

ادلة صحة اشتراط الخيار: هل يثبت خيار الفسخ لو اشَتَرطَه أو اشَتَرطْتْه، أو لا؟.

دليل من قال بثبوت خيار الفسخ:

أولا: سيرة العقلاء إن العقلاء إذا شرطوا على انفسهم شرطا وفوا به، ولزوم الوفاء بالشرط عند العقلاء في كل العقود. أمر ثابت لا كلام فيه.

ومن جملة الشروط شرط خيار الفسخ، هذا في كل العقود عند كل المجتمعات عند كل العقلاء. إلا أن يقال: عقد النكاح يختلف عن بقية العقود حتى عند العقلاء إننا لا نجد في عقد النكاح عقلائيا خيار الفسخ، فهل هذا يخدش في السيرة أو لا؟.

إذن إذا لاحظنا عقلاء البشر كيف يتعاملون مع عقد الزواج نجد أن عقد الزواج لا يشترطون فيه خيار الفسخ، وكأنه في سيرتهم هناك أمر ثابت وهو أن الزواج لا خيار للفسخ فيه، طبعا هذه الدعوى معقولة، اننا لا نجد ذلك عند الناس. لكن عدم وجودها لا يدل على بطلانها. لماذا؟. لأنه لو فرضنا أنه في أوروبا أو فرنسا، زوج وزوجته اجريا عقد زواج بشرط أن يكون لهما خيار الفسخ لكل منهما ساعة يشاء، هل يعتبر منكرا عند الناس، أو أمرا لم تعتاده الناس، هناك فرق بين عدم الاعتياد والسيرة، وعدم الاعتياد لا يعني أنه أصبح سيرة معتبرة، عندما أسسوا الزواج يمكن اشتراط خيار الفسخ لكن لم يعتادوه، ولذلك نقول نحن وهذه الدعوى: إن قلنا انه سيرة العقلاء على ذلك فهي دليل، وإمكان منع السيرة من ذلك أيضا وارد.

ولكن رددنا هذا الإمكان بهذا الجواب.

ثانيا: العمومات الدالة على الالتزام بالعقد في جميع لوازمه وشرائطه وشراشيره، فمن ذلك قوله تعالى: " أوفوا بالعقود" وقلنا انها آية تدل على وجوب الالتزام بالعقد بما هو، إن كان جائزا فجائز وإن كان لازما فلازم، لا تدل على اللزوم، إنما تدل على لزوم الوفاء بالعقد كما هو، وهنا الاشتباه، حتى العقد الجائز أوفوا به، حتى الهبة إذا كانت مشروطه فأوفوا بها مشروطة.

ثالثا: الروايات الكثيرة ومنها: " المؤمنون عند شروطهم إلا ما أحل حراما أو احرم حلالا ". واشتراط الخيار شرط، " المؤمنون عند شروطهم "، فإذا لم يثبت أنه احل حراما أو حرم حلالا، يثبت ويكون له الخيار، ومن جملة الخيارات خيار الفسخ وخيار عند اشتراط الخيار وعند تخلف الشرط.

فهذه الرواية " المؤمنون عند شروطهم " ومن جملة الشروط اختيار خيار الفسخ، هذا يؤدي إلى ثبوت خيار الفسخ عند اشتراطه.

هذا ما يمكن الاستدلال به على ثبوت خيار الفسخ عند اشتراطه.

الكلام، في الاستدلال على عدم ثبوت خيار الفسخ.

 


[1] - الكافي ج5 ص403.
[2] - عندما يطلق أبو جعفر أي الباقر (ع) الحر العاملي في خاتمته يذكر هذا الاصطلاح، قال إذا قلنا ابا عبد الله فهو الصادق (ع)، وإذا قلنا ابا الحسن فهو الكاظم (ع) وإذا قلنا ابو الحسن الاول ايضا، وإذا قلنا او الحسن الثاني يعني الرضا (ع) وإذا قلنا أبو الحسن الثالث يعني الهادي (ع).
[3] - الوسائل ج15 ص290.
[4] - هذا ما فعله المنصور الدوانيقي عندما انتصر على عمه وركز دولته، وجاء ابن المقفع وكان كاتبا له ومن انصارهم أن يوقع عهد الامان من المنصور إلى ابناء عمه سليمان وغيره فكتب لهم إذا أنا اخليت بهذا العهد فالمسلمون في حل من بيعتي ونسائي طوالق واموالي للمساكين. طبعا المنصور انزعج من ابن المقفع وادى إلى قتله بعد ذلك.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo