47/04/06
بسم الله الرحمن الرحیم
مرأی المحقّق الخوئي/التكسّب بالواجبات /المكاسب المحرمة
الموضوع: المكاسب المحرمة/التكسّب بالواجبات /مرأی المحقّق الخوئي
ملخّص الجلسة السابقة: النقاش الفقهيّ الجاري، یدور حول الأجرة على الواجبات.
للمرحوم النائيني (أعلى الله مقامه الشريف) في هذا الصدد، قول يجب دراسته بدقّة في البداية. ثمّ بناءً على ذلك، يجب الاجتهاد و التنبيه على الإشكالات الواردة على قوله.
شروط صحة الإجارة من وجهة نظر المحقّق النائيني (رحمهالله): الملكيّة و السلطنة
«(ضابط التحريم)… هو أن يقال أنّ الإجارة تارةً تقع على الأعمال و أخرى على المنافع و ضابط صحّة الإجارة أمران (أحدهما) كون المنفعة و العمل اللذين يبذل المال بإزائهما ملكا للموجر و تحت سلطنته (ثانيهما) كونهما مما يمكن حصوله للمستأجر بحيث يمكن له استيفاؤهما فمع انتفاع الأمرين أو أحدهما تبطل الإجارة.… فالكلام يقع في مقامين (الأوّل) فيما إذا لم يكن الموجر مسلّطا ًعلى المنفعة أو العمل و ذلك بأحد وجهين (أحدهما) أن يكون أحد طرفي المنفعة من الوجود أو العدم خارجاً عن تحت قدرة الموجر تكويناً امّا بالإلزام على إيجادها المستلزم للعجز عن تركها تكويناً و امّا بالإلزام على تركها كذلك (ثانيهما) أن يكون أحد الطرفين خارجاً عن تحت القدرة شرعاً (و هذا الثاني) أيضاً على قسمين (الأوّل) أن يكون رفع سلطنته من جهة إلزامه على ترك هذه المنفعة و عدم استعمال العين في هذه المنفعة (الثاني) أن يكون من جهة إلزامه على فعلها، فإنّ خروج الشيء عن تحت السلطنة تارةً يكون بصيرورة المكلّف مقهوراً على الترك و أخرى بصيرورته مقهوراً على الفعل، فمن الأوّل أخذ الأجرة على المنافع المحرّمة كإجارة الدكان لبيع الخمر فيه و كراء الدابة أو السفينة لحملها و نحو ذلك من المنافع المحرمة.
هذا بالنسبة إلى المنافع، (و كذا بالنسبة إلى الأعمال) فإنّ ارتفاع السلطنة عنها أيضاً بأحد النحوين فمن الأوّل جميع الأعمال المحرّمة فلا يجوز أخذ الأجرة عليها كالغناء و النوح بالباطل و تدليس الماشطة و نحو ذلك… و من الثاني (أعني ما كان العمل خارجاً عن سلطنة المكلّف بإلزامه الشارع على فعله) جميع ما يجب على المكلّف من الأعمال في غير الواجبات الصناعيّة النظاميّة و هكذا المنافع التي يجب على المكلّف بذلها مجاناً فلا يجوز أخذ الأجرة عليها لخروجها عن تحت قدرة المكلّف بالإلزام على بذلها فيكون الإلزام في ذلك تعجيزاً مولوياً».[1]
يستهلُّ المحقّق النائيني النقاش بتوضيح ماهيّة الإجارة، فيقول: الإجارة تكون إمّا على الأعمال و إمّا على المنافع.
۱. الإجارة علی الأعمال: كاستئجار البنّاء الذي يعمل لك من الصباح حتّى المساء و یطلب أجرته في نهاية اليوم.
2. الإجارة علی المنافع: كاستئجار المنزل، حيث تكون منفعة هذا المنزل في تصرُّف المستأجر و لا يترتّب عليها عمل (كالبِناءة أو النِجارة) على المؤجر.
الشرط الأوّل: الملكيّة و السلطنة على مورد الإجارة
يشترط في صحّة الإجارة أن يكون ذلك العمل أو تلك المنافع مملوكةً لك و تحت سلطتك.
• فيما يخصّ الأعمال: إذا كان الشخص مملوکاً لأحد و حسب الفرض یجب أن یکون تحت إختیار شخص ثانٍ بإذن المالك فلا يجوز للمملوك أن يؤجّر نفسه لثالثٍ من دون إذن مالكه. فهذا یعني أنّ من يؤجّر أعمالَه لآخر فیجب أن يكون عمله تحت سلطته الخاصّة.
• فيما يخصّ المنافع: إذا أردتَ تأجير منافع دارٍ ما، فيجب أن تكون مالكاً لتلك المنافع لكي تتمكّن من إيجارها.
الحاصل: أنّ العمل أو المنفعة الذي يقع عليه عقد الإجارة لا بدّ أن يكون تحت ملكيّة و سلطنة المؤجِر.
الشرط الثاني: استيفاء المستأجر للمنفعة
يجب على المستأجر (الذي يعمل الأجير له) أن ينتفع منه و يسمى هذا الانتفاع بـ الاستيفاء.
• استيفاء الأعمال: نحو قيام البنّاء الذي عمل للمستأجر ببناء الجدار و قد استفاد المستأجر من هذا العمل.
• استيفاء المنافع: نحو أن تسكن في المنزل الذي استأجرته و تنتفع بالغرف و الدار.
الحاصل: يجب تحقق الاستيفاء (استيفاء الأعمال أو استيفاء المنافع) لكي تكون الإجارة صحيحةً.
الشرط الثالث: السلطنة الكاملة (تكويناً و تشريعاً)
يجب أن تكون سلطنتك و ملكيّتك على العمل أو المنفعة صحيحةً من جهة التكوين أو التشريع.
• القدرة التكوينية: و تعني القدرة الفعلية على إنجاز العمل. إذا أستوجِر شخص ليطير إلى السماء، كانت الإجارة باطلةً؛ لأنّه ليس تحت قدرته التكوينيّة. و كذلك لو طُلب منه رفع حجر يزن ألف طن، فعدم قدرته التكوينية يبطل الإجارة.
• القدرة التشريعية: و تعني أن يكون العمل حلالاً و مجازاً شرعاً. إذا كان لدى شخص صوت رائع و هو قادر تكويناً على الغناء، لكن بما أنّ الغناء محرّم شرعاً، فليس له سلطة تشريعيّة على هذا العمل. لذا، فإن تأجير نفسه للغناء أو القمار أو أيّ عمل قبيح آخر فهو باطل.
• في المنافع: يجب أن تكون المنافع المستأجرة منافع محلّلةً شرعاً. إذا أستوجر دکّان لبيع الخمر أو القِمار أو منزل للفساد، كانت الإجارة باطلةً للمنع الشرعي. و هذا العمل يترتّب عليه حرمة تكليفيّة و حرمة وضعيّة.
الحاصل: يجب أن يكون العمل أو المنفعة محلّ الإجارة تحت سلطة المؤجِر من الناحيتين التكوينية و التشريعية.
شرط القدرة في الإجارة: التمكُّن من الفعل و الترك
إنّ النقطة الأخرى الموجودة في كلام المحقّق النائيني هي أنّ القدرة لا تتحقّق إلّا حيث يتمكّن الشخص من إتيان الفعل و یتمکّن من تركه.
• القدرة تعني: «القدرة على الفعل و القدرة علی الترك».
• إذا كان الإنسان مأموراً بفعل لا يستطيع تركه، فلا يمكن القول بأنّه ذو قدرة، لأنّ القدرة ليست أحادية الجانب.
استنتاج المحقّق النائيني: بطلان الإجارة على الواجبات
بناءً على المقدّمات السابقة، يستدلّ المحقّق النائيني على عدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات.
لماذا لا تتحقّق هذه الشروط في الواجبات؟
صلاة الظهر واجبة على الإنسان. فالشخص يستطيع ترك صلاة الظهر تكويناً، ولكنه لا يستطيع تركها تشريعاً. و حينما يكون ترك الفعل واجباً شرعاً، فلا توجد قدرة (بمعنى القدرة على الفعل والترك).
كان شرط الإجارة أن يكون العمل تحت قدرة الشخص و سلطنته. وفي جميع الواجبات، سواء كانت تعبديّة ً(كالصلاة) أو توصّيلية ً(كدفن الميت أو تكفينه أو غسله)، يكون الإنسان مُلزماً بإتيانها. و عندما يصبح الفعل لازماً و لا يكون تحت القدرة الفعل و الترك فلا سلطنة عليه، و بالتالي لا معنى للاستئجار عليه.
الحاصل: لا تجوز الأجرة على الواجبات.
إشکالات علی کلام المحقّق النائیني
في طریق الاجتهاد، يتمّ تحليل کلام المحقّق النائيني (رحمهالله) و إيراد إشكالات عليه كالتالي:
۱. إشکال لزوم المالکیّة و حدود الانتفاع
هل یلزم أن تكون الأعمال و المنافع مملوكةً بالضرورة للشخص المؤجِر (الدافع للأجرة)؟ مثال: یقول لك شخص إذا زرتَ الحسین (علیه السلام) فسلّم علیه من جانبي أو إقرأ زیارة أمین الله و سأعطي لك مبلغاً (مثل مليون تومان). هذه الإجارة تُعتبر صحيحةً؛ لأنّ العمل كان تحت سلطنتك و قد أتممتَه و المنفعة هنا هي منفعة معنويّة (یعود الثواب إلى الدافع). هذا العمل (و هو قولك: «السلام عليك يا أبا عبد الله») لفظ و هو عمل مقبول و یمکن أن يسلّم المحقّق النائيني بأنّ هذا اللفظ يعتبر عملاً مقبولاً.
إشكال حول انحصار الانتفاع بالدافع للأجرة: قیل أنّه لا بدّ و أن تتحقّق منفعة (سواء كانت ماديةً أو معنويةً) للشخص الذي يدفع الأجرة.
• يمكن أن تكون هذه المنفعة مادية أو معنوية.
• يمكن أن تكون المنفعة للشخص الدافع أو لشخص آخر (مثل الأب أو الجار).
• بل قد تعود المنفعة على الشخص الأجير نفسه؛ مثال: أن يعرض شخص على آخر مليون تومان إذا قرأ لنفسه زيارة الجامعة أو أتى بصلاة الليل.
الحاصل: لا ينبغي الإصرار على أن تكون المنفعة محصورةً بالشخص الدافع للأجرة.
۲. عدم الملازمة بين الحرمة التشريعية وبطلان العقد
هناك إشکال: و هو أنّه هل كلّ ما حُرِّم تشريعيّاً يؤدّي إلى بطلان العقد (الإجارة) عليه؟
مثال بيع وقت النداء: يأمرنا القرآن الكريم بترك البيع عند النداء لصلاة الجمعة ﴿يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِنْ يوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيعَ ذَلِكُمْ خَيرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.[2] هذا المعاملة تكون حراماً تكليفاً في وقت النداء و لكنّها صحيحة وضعاً.
لا توجد ملازمة بين الحرمة التشريعيّة و بطلان العقد، فمن الممكن أن يكون الفعل محرماً و لكنّه یقع صحیحاً. و عليه، فإنّ القول بأنّ إجارة العمل إذا كان حراماً تشريعياً فهي باطلة، فليس صحیحاً. نعم الملازمة تکون هي الغالب، و لکن هناك موارد (مثل بيع وقت النداء) يكون البيع فيها صحيحاً مع وجود إثم على البائع و المشتري.
۳. المعاملة السفهية مقابل معاملة السفيه
هناك إشکال آخر في خصوص لزوم المنفعة یتعلّق بالتمییز بین «معاملة السفیه» و «المعاملة السفهیّة».
معاملة السفیه: هي المعاملة التي يجريها شخص سفيه (مجنون أو فاقد للعقل) و تكون باطلةً لعدم توفّر شرطي البلوغ و العقل.
المعاملة السفهیّة: هي المعاملة التي يراها الآخرون غير عقلانيّة و لكن يجريها شخص عاقل.
مثال: شخص يدفع عشرة ملايين تومان لنقل كيلوغرامٍ واحد من مكان إلى آخر مرّةً واحدةً، في حين أنّ قيمتها الحقيقيّة رخیصة. الكلّ يقول إنّ هذا تصرّف سفهي، لكن بما أنّ الشخص عاقل و قد وافق على القيام به، فإنّ المعاملة صحيحة.
الحاصل: ليس من الضروري أن يحصل المستأجر (الدافع للمال) على منافع (عقلانيّة أو ماديّة) بالضرورة.
خلاصة الإشكالات و النتيجة النهائية
ردّاً على ما قال به المحقّق النائيني، يمكن القول بما يلي:
١. ليس من الضروري أن يحمل العمل منفعةً لي (دافع المال).
٢. إذا كان في ذلك العمل (مثل الواجبات) منفعة للأجير نفسه (سواء كانت منفعةً ماديةً أو معنويةً)، فإنّه يجوز لي استئجاره للقيام به.
٣. و كذلك الأمر في العمل الواجب؛ فأنتم (أيها النائيني) تقولون إنّه باطل لعدم ترتب منفعة لي، بينما نقول نحن إنّ عقد الإجارة ليس باطلاً، لأنّ هذا العمل فيه منفعة للأجير نفسه (منفعة معنوية أو ثواب).
٤. كما تتوفّر القدرة التشريعيّة و التكوينيّة على إنجاز هذا العمل.
الحاصل: بناءً على ما سبق، فإن الإجارة على الواجبات صحيحة.