47/04/05
بسم الله الرحمن الرحیم
رفع منافاة الإخلاص مع أخذ الأجرة/التكسب بالواجبات /المكاسب المحرمة
الموضوع: المكاسب المحرمة/التكسب بالواجبات /رفع منافاة الإخلاص مع أخذ الأجرة
الموضوع: المكاسب المحرمة/التكسب بالواجبات /رفع منافاة الإخلاص مع أخذ الأجرة
خلاصة الجلسة السابقة: النقاش الفقهي الذي یدور حول جواز أخذ الأجرة على الواجبات، هو مسألة خلافيّة مهمّة. يرى فريق من العلماء أنّ أخذ الأجرة و الاستئجار على أداء عبادة بقصد القربة و الإخلاص اللازمين في العبادات، ينافي الإخلاص. في المقابل، یری بعضهم أنّ الأجرة لا تنافي الإخلاص فحسب، بل تؤكّده و تزيد من الدافع لأداء العمل بأعلى جودة.
تبیین نسبة الأجرة إلى الإخلاص من وجهة النظر إلی حقّ الله و حقّ الناس
لتوضيح هذا الرأي الذي يرى أنّ الأجرة تؤكّد الإخلاص، يجب التمييز بين أنواع الحقوق:
• حقّ الله المحض: العمل الذي يُؤدّى لله وحده (كصلاة الظهر أو العصر التي يصلّيها الفرد من قِبَل نفسه).
• حقّ الناس المحض: العمل الذي له حیثیّة عملیّة و مادّیّة (كالبناءة و النِجارة أو الحِدادة).
• حقّ الله و حقّ الناس التوأمان: الحالة التي يُؤدّى فيها عمل عباديّ مقابل أخذ أجرة؛ كمثال الأب الذي يعطي ابنه مائة ألف تومان ليصلّي صلاته الواجبة.
في الحالة الثالثة، يكون الفرد عبداً لله و مكلّفاً بالصلاة بإخلاص (حقّ الله) و في الوقت ذاته يكون مستأجراً مقابل أخذ المال (حق الناس). و يطلب الأب المستأجِر من ابنه أن يصلّي قربةً إلى الله، أي أن يصلّيها صحيحةً و كاملةً مع الهدوء. فبِما أنّ الله يطلب الإخلاص و المستأجِر يطلب الإخلاص، فإن هذا يُنشئ تأكيداً مضاعفاً على الإخلاص.
الإخلاص أمر قلبي و داخلي، و هو تحت سيطرة الإنسان؛ لذا لديه القدرة على إخلاص قصده و أداء العمل من دون رياء.
الردّ على إشكال تزلزل الإخلاص بسبب المال
أحد الإشكالات الأساسیّة هو أنّ عقد الإجارة يجعل دافع الإخلاص (قصد القربة) يستبدل بدافع أخذ الأجرة، و هذا يؤدّي إلى زوال الإخلاص.
الردّ على هذا الإشكال هو أنّ عقد الإجارة يتحقّق بمجرّد الإيجاب و القبول، لا بأداء العمل الخارجي. أي بمجرد أن يدفع الأب الأجرة (مائة ألف تومان مثلاً) و يقبل الابن، تتحقّق الاستئجار و يُقبض المال.
ثمّ بعد تحقّق عقد الإجارة، يكون الشخص المتدين و المتعهد حراً تماماً في أن يتوضأ و يؤذّن و يُقيم و يصلّي بتمامه و كماله و هدوء تام لأجل الله. يمكنه عمداً أن يقصد القربة أو بالعكس، أن يُرائي. و بما أنّ الإخلاص أمر اختياري، فلا منافاة في أن يكون الإنسان مُستأجَراً و يؤدي العمل بإخلاص تام.
يؤكّد آية الله المحقّق الخوئي (رضواناللهتعالىعليه) أيضاً أنَّ الأجرة لا تنافي إطلاقاً مع الإخلاص؛ إذ الإخلاص أمر خفيٌّ و محلّه القلب و بإمكان المرء أنّ يقصد القربة (إلى الله) باختياره، بل و أن یخلص العملَ أتمَّ ممّا لو كان في حالته الاعتياديّة.
«الوجه فيه أنّ عقد الإجارة يوجب انقلاب داعي الإخلاص في العمل المستأجر عليه إلى داعي أخذه الأجرة و أنّ قيد الإخلاص مأخوذ في العمل المستأجر عليه فيلزم من صحّة الإجارة فسادها. و فيه أنّ هذا الوجه لا يرجع عند التحقيق الى محصّل و توضيح ذلك: أنّه يدّعى تارةً أنّ العمل الخارجي إنمّا يؤتى به بداعي تملّك الأجرة و هو ينافي قصد الإخلاص. و أخرى يدّعى أنّه يؤتى به بداعي تسلّم الأجرة خارجاً. و ثالثةً: يدّعى أنّه يؤتى به بداعي استحقاق مطالبتها.
أمّا الدعوى الأولى فهي واضحة البطلان ضرورة أنّ تملّك الأجرة إنّما يكون بنفس الإيجار، لا بالعمل الخارجي، فالعمل أجنبيّ عنه بالمرّة.
و أمّا الدعوى الثانية فهي أيضاً كذلك ضرورة أنّه يتمكّن الأجير من التسلّم بغير العمل في بعض الموارد و بالعمل الخالي من قصد القربة في جميعها، فلا يكون الداعي إلى العمل بما هو عباديّ غير قصد القربة و لو من جهة خوفه من العذاب لأجل عدم تسليمه العمل الى مالكه.
و أمّا الدعوى الثالثة فهي و إن كانت صحيحةً في بعض الموارد و هو ما إذا امتنع المستأجر من التسليم قبل العمل، إلّا أنّ الإتيان به لأجل ذلك (أي لأجل أن يستحقّ المطالبة شرعاً) لا ينفكّ عن قصد القربة في العمل و ذلك من جهة تمكّن المكلّف من الإتيان به بغير قصد القربة و إلزامه المستأجر تسليم الأجرة، فإتيانه بالعمل لأجل الاستحقاق شرعاً لا ينفكّ عن قصد القربة. و على الجملة بعد ما كان الأجير متمكّناً من المطالبة و تسليم الأجرة بغير العمل الصحيح فلا يكون داعيه الى الإتيان بالعمل الصحيح غير قصد القربة».[1]
الردّ على إشكال لَغويّة الأجرة
هناك إشكال آخر و هو أنّ دفع المال لإنجاز عمل (كالصلاة) و هو واجب الأجیر فهو أمر لغو و لا معنى له. «لغويّة بذل العوض على ما يتعيّن على الأجير».[2] [3]
و أمّا الردّ فهو أنّ دفع الأجرة ليس لغواً، بل تترتّب عليه أغراض عقلائيّة. على سبيل المثال، قد يكون غرض الأب هو تربية و تشجيع أولاده على اعتياد الصلاة و أداء سائر الأعمال الصالحة.