بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی
45/10/26
بسم الله الرحمن الرحیم
حکم الولایة من قبل الجائر/ الولایة من قبل الجائر/المکاسب المحرمة
الموضوع: المکاسب المحرمة/ الولایة من قبل الجائر/ حکم الولایة من قبل الجائر
القول الثاني: الحرمة الغیریّة [1] [2] [3]
قال المحقّق الإیروانيّ(رحمه الله): «الظاهر أنّ المراد من الولاية من قبل الجائر نفس أخذ المنصب منهم؛ أعني هذا الأمر الاعتباريّ بتسويد الإسم في ديوانهم المرتّب على ذلك القيام بإعمال الولاية، محرّمة كانت في ذاتها أو مباحةً، فيكون أخذ المنصب محرّماً و القيام بأعماله محرّماً آخر؛ لكن يشكل استفادة هذا من أدلّة حرمة الولاية؛ فإنّ منصرف تلك الأدلّة حرمة الولاية بمعنى القيام بأعمالها، لا مجرّد أخذ المنصب.
و يشهد له رواية زياد بن أبي سلمة و التعليل في رواية تحف العقول[4] و يشهد له أيضاً أنّ أخذ النصب لو كان حراماً في ذاته، لما جاز ذلك لأجل غاية مستحبّة؛ مثل القيام بحوائج المؤمنين و الإحسان إليهم. و قد ادّعى المصنّف تطابق الأدلّة على جوازه لأجل هذه الغايات؛ نعم، إن كان مجرّد أخذ المنصب تقويةً لهم و زيادةً لشوكتهم، حرم بهذا العنوان و إن لم يقم بشيء من أعمال الولاية». [5]
أقول: یرد علیه، أوّلاً: أنّ الظاهر من الروایات أنّ الحرمة ذاتیّة، کما سبقت الإشارة إلی ذلك. و هکذا تستفاد من روایة زیاد بن أبي سلمة و تحف العقول أیضاً الحرمة الذاتیّة و قد سبق أنّ الآیات و الروایات کلّها إرشادات إلی حکم العقل؛ فإنّ قبول الولایة من قبل الجائر من مصادیق الظلم، فإنّ تأیید الظلم ظلم و مؤیّد الظالم ظالم نفسه. و ثانیاً: أنّ أخذ المنصب من الجائر مصداق للظلم في نفسه. و أمّا لو کان للقیام بحوائج المؤمنین فیخرج عن مصداق الظلم و الملاك في الحرمة الذاتیّة دخوله في مصادیق الظلم و عدمه.
قال بعض الفقهاء(حفظه الله): «الحكومة و الولاية و القضاء و بيان الفتوى أمور محتاجة إلى الإذن منه_ تعالى_ أو من أوليائه، فالتصدّي لها بدونه حرام ذاتاً؛ أي؛ مع قطع النظر ممّا يترتّب عليه من الآثار. و أمّا التغلّب على أمور الناس بغير رضى منهم_ كما هو الغالب في الحكومات و الولايات_ حتّى أنّ غيره نادر جدّاً و تصرّفهم في أمورهم و دعوتهم إلى التسليم لأمرهم و نهيهم و جعل العقوبات على المخالفين لهم، فهي محرّمات أخرى. و يؤيّد ما ذكرنا ما مرّ في بعض الروايات السابقة. و يحمل ما دلّ على الحرمة على ما إذا اقترنت بالحرام. و في الروايات شواهد جمعت عليه. و على هذا لا تكون الحرمة ذاتيّةً»، (إنتهی ملخّصاً). [6]
أقول: قوله(حفظه الله): «فالتصدّي لها بدونه حرام ذاتاً» یؤیّد الحرمة الذاتیّة و أمّا أعمال المتصدّي فحرمتها غیریّة. و الظاهر أنّ قوله «و علی هذا لا تکون الحرمة ذاتیّةً» مربوط بغیر التصدّي من الأعمال الصادرة من المتصدّي. و الظاهر أنّه قائل بالحرمة الذاتیّة بالنسبة إلی تصدّي المنصب و الحرمة الغیریّة بالنسبة إلی الأعمال الصادرة من المتصدّي، کما هو الحقّ الموافق للتحقیق.
ثمّ قال(حفظه الله): «الظاهر أنّ المسألة غير خالية عن الإشكال». [7]
ثمّ قال(حفظه الله): «لكن استفادة العموم من مجموعها غير بعيد و هي لا تساعد الحرمة الذاتيّة؛ لعدم رفعها بمجرّد المستحبّات. و لعلّ هذا كافٍ في إثبات عدم الحرمة الذاتيّة. و لذا لم يذهب إليها إلّا العلّامة الطباطبائيّ(رحمه الله)، كما قيل[8] ». [9]
دلیل القول الثاني: الأصل [10]
قال السیّد السبزواريّ(رحمه الله): «مقتضى الأصل هو الأخير[11] ؛ لأنّ حرمتها مع ترتّب المفسدة معلومة و إنّما الشكّ في حرمتها من حيث ذاتها، فيرجع إلى البراءة، فإن استفيدت من الأخبار الحرمة الذاتيّة نقول بها حينئذٍ و إلّا فيبقى مقتضى الأصل بحاله. و المنساق من الأدلّة التي ذكر فيها العمل لهم و من التعليل الوارد في خبر التحف عدم الحرمة الذاتيّة؛ أي[12] : أخذ نفس المنصب منهم من حيث هو أمر اعتباريّ من دون أيّ عمل لهم أصلاً». [13]
و قال(رحمه الله): «يظهر من الجواهر إمكان تحصيل الإجماع على عدم الحرمة الذاتيّة. و يشهد له منع الحرمة الذاتيّة لما جاز ذلك لأجل ترتّب مجرّد غايات راجحة؛ كقضاء حوائج المؤمنين و الإحسان لهم مع أنّهم(رحمهم الله) يدّعون تطابق الأدلّة على جوازه لهذه الأمور و هذه هي الأخبار الدالّة على الجواز، بل المرغّبة فيه، مضافاً إلى أنّه لو فرض إطلاق من كلّ جهة في البين بحيث يكون ظاهراً في الحرمة الذاتيّة، فإنّما هو بالنسبة إلى عهد الدولتين_ الأمويّة و العبّاسيّة_ التي بذلوا كلّ جهودهم و أقصى وسعهم لإزالة الدولة الهاشميّة بكلّ ما أمكنهم، فيجب على إمام الحقّ المدافعة معهم بكلّ ما يمكنه، فحرمة الولاية لهم و الدخول في مناصبهم يتصوّر لها وجه حينئذٍ و لو لم تترتّب عليه مفسدة؛ لأنّه بنفسه حينئذٍ مفسدةً عرفاً في وقت حدوث ثورة الباطل على الحق. و أمّا بعد أن استقرّ الظلم و الجور و استترت دولة الحقّ إلى أن بدئ للّه ما يشاء و ظهرت شوكة الظالمين و استولوا على الأمر بجميع أنحاء الاستيلاء بحيث يكون دخول أحد في مناصبهم مع عدم العمل لهم وجوده كعدمه من كلّ جهة، فأيّ فائدة يتصوّر في الحرمة الذاتيّة حينئذٍ؟ إلّا أن يقال: إنّ ترتّب المفسدة من حكمة تشريع الحرمة لا أن يكون علّةً لها وجوداً و عدماً. و عهدة إثبات هذا القول على مدّعيه»، (إنتهی ملخّصاً). [14]
یلاحظ علیه: بالملاحظات السابقة، فإنّ الحرمة في الآیات و الروایات إرشاد إلی حکم العقل بقبح الظلم و تأییده و لا بدّ من الحکم بالحرمة الذاتیّة إذا صدق عنوان الظلم و إلّا فلا و فرض کون «دخول أحد في مناصبهم مع عدم العمل لهم وجوده کعدمه من کلّ جهة» فرض الخروج عن عنوان الظلم.
کلام الشیخ الأنصاريّ في المقام
قال الشیخ الأنصاريّ(رحمه الله): «إنّ ظاهر الروايات كون الولاية محرّمة بنفسها مع قطع النظر عن ترتّب معصية عليه من ظلم الغير مع أنّ الولاية عن الجائر لا تنفكّ عن المعصية. و ربما كان في بعض الأخبار إشارة إلى كونه من جهة الحرام الخارجي. ففي صحيحة داود بن زربي[15] قَالَ: أَخْبَرَنِي مَوْلىً[16] لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْن(ع) قَالَ: «كُنْتُ بِالْكُوفَةِ فَقَدِمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ(ع) الْحِيرَةَ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ لَوْ كَلَّمْتَ دَاوُدَ بْنَ عَلِيٍّ أَوْ بَعْضَ هَؤُلَاءِ فَأَدْخُلَ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْوِلَايَاتِ» فَقَالَ: «مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ»، قَالَ: «فَانْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي فَتَفَكَّرْتُ فَقُلْتُ مَا أَحْسَبُهُ مَنَعَنِي إِلَّا مَخَافَةَ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أَجُورَ وَ اللَّهِ لآَتِيَنَّهُ وَ لَأُعْطِيَنَّهُ الطَّلَاقَ وَ الْعَتَاقَ وَ الْأَيْمَانَ الْمُغَلَّظَةَ أَلَّا أَظْلِمَ أَحَداً وَ لَا أَجُورَ وَ لَأَعْدِلَنَّ». قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: «جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي فَكَّرْتُ فِي إِبَائِكَ عَلَيَّ فَظَنَنْتُ أَنَّكَ إِنَّمَا مَنَعْتَنِي وَ كَرِهْتَ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ أَجُورَ أَوْ أَظْلِمَ وَ إِنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ وَ كُلَ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ عَلَيَ وَ عَلَيَ إِنْ ظَلَمْتُ أَحَداً أَوْ جُرْتُ عَلَيْهِ وَ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ» قَالَ: كَيْفَ قُلْتَ؟ قَالَ: «فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ الْأَيْمَانَ» فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: «تَنَاوُلُ السَّمَاءِ أَيْسَرُ عَلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ[17] ».[18] بناءً على أنّ المشار إليه هو العدل و ترك الظلم و يحتمل أن يكون هو الترخّص في الدخول». [19]
أقول، أوّلاً: السند ضعیف. و ثانیاً: لا تدلّ علی الحرمة الغیریّة، بل تدلّ علی الحرمة مطلقاً، ثمّ قال بأنّ الظلم لا ینفكّ عن أخذ المنصب فالحرمة الذاتیّة و الغیریّة موجودتان کما یؤیّد ذلك قوله(ع): «تناول السماء أیسر علیك من ذلك» أي عدم إمکان التخلّص من الظلم و لو من حیث تأیید الظلم و الظالمین؛ لأنّ العمل المطابق للعدل ممکن الوجود لمن قبل الولایة من قبلهم. و الذي لا یمکن التخلّص منه هو تأیید الظلم و الظالمین الحاصل من أخذ المنصب منهم.