< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

45/04/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 

 

الموضوع: المکاسب المحرمة/ معونة الظالمین/ حکم معونة الظالمین تکلیفا

أدلّة و وجوه إعراض الأصحاب عن هذه الأخبار التي تدلّ علی حرمة المعاونة علی المباحات على ما هي عليه من الصراحة و التظافر، بل التواتر؛ لأنّ الصريح منها تسعة أخبار و الظاهرة منها متظافرة مع عدم المعارض سوى الأصل

الدلیل الأوّل

قال السیّد الطباطبائيّ(رحمه الله): «إنّ ظاهر الأصحاب بغير خلاف يعرف اختصاص التحريم بالإعانة في المحرّم؛ لعلّه لقصور الأخبار الظاهرة دلالةً لاحتمال المباحات و الطاعات فيها ما عرضها التحريم بغصب و نحوه، كما هو الأغلب في أحوالهم»، (التصرّف). [1]

الدلیل الثاني

قال کاشف الغطاء(رحمه الله): «كثرة الأخبار على نحوٍ يبعد خفائها على الأصحاب مع تركهم العمل بظاهرها ترفعها عن الاعتبار. و لا بدّ من تنزيلها إمّا على إرادة قصد المعونة لهم على ظلمهم، فيدخل فيما قصد به الحرام أو على حصول الميل أو تقويم أمرهم أو إعلاء شأنهم أو جرّ النفع لهم أو ربط المودّة معهم بلا داعٍ إلى غير ذلك، فيدخل في الركون». [2]

و قال السیّد السبزواريّ(رحمه الله): «إنّها محمولة على ما إذا استلزم العمل لهم زيادة شوكتهم و محبّتهم و استيلائهم على الظلم و مع عدم ذلك كلّه، فلا وجه للحرمة». [3]

و قال السیّد العامليّ(رحمه الله): «إعراض الأصحاب [یمکن أن یکون][4] أنّهم حملوها على ما إذا استلزمت الإعانة تكثير سواد أو تعظيم شأن أو إيهام أنّهم على الحقّ و لا ريب في حرمتها حينئذٍ». [5]

الدلیل الثالث

قال المحقّق النراقيّ(رحمه الله): «الأولى أن يعلّل بمعارضة تلك المطلقات مع الأخبار المتكثّرة الواردة في الموارد العديدة في الحثّ على إعانة المسلمين و قضاء حوائجهم و مودّتهم و الاهتمام بأمورهم المعاضدة بالكتاب و بعمل كافّة الأصحاب. و إذ لا مرجّح، فالعمل على الأصل المقطوع به و هو جواز إعانة الظالم و قضاء حوائجه في غير المحرّم؛ لخروج المحرّم عن مطلقات الإعانة بالإجماع و ضرورة العقل. و لكن مقتضى ذلك عدم رجحانه استحباباً أو وجوباً، بل يختصّ الرجحان بغير الظالم و هو كذلك و يلزمه عدم رجحان إعانة العاصي للّه، بل من صدرت عنه معصية و لم [يتب] لصدق الظالم عليه لغةً و إطلاقه عليه في غير موضع من الكتاب العزيز». [6]

الدلیل الرابع

قال المحقّق الإیروانيّ(رحمه الله): « [یمکن][7] حملها على ما إذا أوجب ذلك محبّتهم، كما وقع التصريح به في رواية صفوان[8] ». [9]

الدلیل الخامس

قال المحقّق الإیروانيّ(رحمه الله): «[یمکن][10] حملها على ما إذا انتهى إلى التصرّف في الثمن الذي يقع إليه من أموالهم المحرّمة أو المشتبهة بالحرام». [11]

القول الرابع

التفصیل بین أن تکون المعونة عن ميلٍ إليهم بسبب ظلمهم و كبرهم أو‌ بقصد السعي في إعلاء شأنهم و حصول الاقتدار أو تكثير سوادهم فتحرم و بین أن خلت عن تلك الأحوال، فتجوز. [12] [13] [14] [15] [16]

قال کاشف الغطاء(رحمه الله): «معونتهم على المباحات بخدمة بدنيّة أو معاملة ماليّة، فإن كانت عن ميلٍ إليهم بسبب ظلمهم و كبرهم و جبروتهم أو‌ بقصد السعي في إعلاء شأنهم و رفعة منزلتهم و حصول الاقتدار لهم على رعيّتهم أو تكثير سوادهم حرمت أيضاً و إن خلت عن تلك الأحوال و أشباهها، كانت سائغةً لا حجر فيها». [17]

و قال السیّد العامليّ(رحمه الله): «الذي يقتضيه النظر في الأخبار إنّ الإعانة إن كانت عن ميل إليهم لظلمهم أو بقصد السعي في إعلاء شأنهم و حصول الاقتدار على رعيّتهم و تكثير سوادهم حرمت. و إن خلت عن هذه الأشياء و نحوها حلّت و إلّا لكان ذلك باعثاً على أذيّتنا». [18]

و قال الشیخ النجفيّ(رحمه الله): «الإعانة لهم عن ميل لظلمهم و بقصد السعي في إعلاء شأنهم و حصول الاقتدار على رعيّتهم و تكثير سوادهم و تقوية سلطانهم، فإنّه لا ريب في حرمتها؛ إذ هي كالإعانة، بل هي منها في الحقيقة. و أمّا ما عدا ذلك من خياطة ثوب أو بناء جدار أو نحو ذلك ممّا هو مباح في نفسه و لم يكن من قصد الفاعل ما سمعت، فالظاهر‌ جوازه و إن كان هو لا يخلو من كراهة، ما لم تدع الضرورة من تقيّة و نحوها إليه، فإنّ القرب إليهم مطلقاً مظنّة الهلاك، هذا كلّه في ظلمة المخالفين و سلاطينهم». [19]

و قال السیّد أبو الحسن الاصفهانيّ(رحمه الله) «أمّا معونتهم في غير المحرّمات، فالظاهر جوازه ما لم يعدّ من أعوانهم و حواشيهم و المنسوبين إليهم و لم يكن اسمه مقيّداً في دفترهم و ديوانهم و لم يكن ذلك موجباً لازدياد شوكتهم و قوّتهم». [20]

و قال بعض الفقهاء(رحمه الله) «الإعانة في المباحات بقصد انتهائهم إلى الظلم أو تقويتهم في مراتب الظلم، بل في كلّ محرّم، محرّمة بلا إشكال»، (إنتهی ملخّصاً). [21]

دلیلان علی القول الرابع

الدلیل الأوّل

دلیل حرمة المعونة إذا استلزمت الإعانة تكثير سواد أو تعظيم شأن: الروایة

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُنْدَارَ[22] عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ[23] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادٍ[24] عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ[25] قَالَ: ... قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ(ع): «لَوْ لَا أَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ وَجَدُوا مَنْ يَكْتُبُ لَهُمْ وَ يَجْبِي‌ لَهُمُ‌ الْفَيْ‌ءَ[26] وَ يُقَاتِلُ عَنْهُمْ وَ يَشْهَدُ جَمَاعَتَهُمْ لَمَا سَلَبُونَا حَقَّنَا وَ لَوْ تَرَكَهُمُ النَّاسُ وَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مَا وَجَدُوا شَيْئاً إِلَّا مَا وَقَعَ فِي أَيْدِيهِم‌ ...». [27]

إستدلّ بها بعض الفقهاء. [28]

أقول: إنّ الروایة تدلّ علی أنّ من یکتب لهم و یجبي لهم الفيء و یقاتل عنهم و یشهد جماعتهم فعملهم مرجوح. و لا یخفی أنّ هذه الأفراد من مصادیق أعوان الظلمة و بیان لمصادیق أعوان الظلمة الذین قصدهم تقویة الظالم مع العلم بأنّهم ظالمون.

دلیل جواز المعونة فی المباحات إن لم تعد إلی شوکتهم و اقتدارهم: السیرة القطعیّة [29] [30] [31]

ال السیّد العامليّ(رحمه الله): «إن [لم یجز المعونة في المباح][32] لكان ذلك باعثاً على أذيّتنا و كيف يتمّ ذلك مع حثّ أئمّتنا(علیهم السلام) لنا على مجاملتهم، بل لم تقم لنا سوق و اشتدّ الأمر علينا؛ مضافاً إلى استمرار السيرة. و بذلك يحصل الجمع بين الأخبار و الفتاوى، بل يظهر من الأخبار إرادة من كان من الظلمة في أيّام صدورها. و ممّا ذكر يعلم أنّه لا يحرم إعانة سلاطين الشيعة في الأمور المباحة و يجوز حبّ بقائهم لإيمانهم و دفع شرور أعدائهم؛ فإنّه في الحقيقة محبّة للإيمان و حفظه لا لذلك الشخص و فسقه و جوره، بل كلّما تأمّله يكرهه، بل لا يبعد جواز ذلك في مخالف أو كافر فعل ذلك؛ كما هو الشأن في المؤلّفة». [33]

الدلیل الثاني: سهولة الملّة و سماحتها و إرادة اليسر[34]

قال الشیخ النجفيّ(رحمه الله): «هو[35] منافٍ لسهولة الملّة و سماحتها و إرادة اليسر؛ ضرورة عدم سوق مخصوص للشيعة و عدم تمكّنهم من الامتناع عنهم‌». [36]

قال کاشف الغطاء(رحمه الله): «إن [لم یجز المعونة في المباح][37] لم تقم للمسلمين سوق؛ فإنّ الدراهم و الدنانير و أكثر ما يخرج من المعادن المنطبعة إنّما يصل إلى أيدي الناس من أيديهم و بالمعاملة معهم و كذا الزراعات و توابعها إنّما تكون غالباً معهم، على أنّ سدّ باب المعاملة معهم مثير للفساد باعث على أذيّة العباد، خصوصاً من الفرقة المحقّة. و كيف يخطر بالبال أو يجري في الخيال إنّ أئمّتنا(علیهم السلام) مع حثّهم لنا على تشييع جنائز القوم و عيادة مرضاهم و الصلاة معهم و إظهار المحبّة لهم يأمروننا بتجنّب معاملاتهم و بترك الدخول معهم في مباحاتهم و التنفّر منهم ظاهراً و التباعد عنهم!». [38]

 


[4] الزیادة منّا.
[7] الزیادة منّا.
[8] إختيار معرفة الرجال المعروف بـ رجال الكشي، الشيخ الطوسي، ج1، ص441. (هذه الروایة مسندة و ضعیفة؛ لوجود محمّد بن إسماعیل الرازيّ في سندها و هو مهمل). «مَنْ أَحَبَّ بَقَاءَهُمْ، فَهُوَ مِنْهُمْ وَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَانَ وَرَدَ النَّارَ».
[10] الزیادة منّا.
[22] عليّ بن محمّد بن عبدالله أبو القاسم بن عمران: إماميّ ثقة.
[23] الأحمري: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة ظاهراً.
[24] عبد الله ‌بن إبراهيم بن حمّاد الأنصاري: مختلف فیه و هو إماميّ ثقة علی الأقوی.
[25] البطائني: من رؤوس الواقفة؛ لکنّ الظاهر أخذ المشایخ عنه قبل وقفه و هو إماميّ ثقة.
[26] يجمع لهم الخراج.
[27] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج5، ص106.. (هذه الروایة مسندة، موثّقة ظاهراً)
[32] الزیادة منّا.
[35] حرمة المعونة علی المباح.
[37] الزیادة منّا.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo