47/04/14
بسم الله الرحمن الرحیم
دراسة الأقوال و الأدلة في مرجعیة النساء/مرجعیّة النساء و قضاءهنّ /المرجعیّة و القضاء
الموضوع: المرجعیّة و القضاء/مرجعیّة النساء و قضاءهنّ / دراسة الأقوال و الأدلة في مرجعیة النساء
خُلاصة الجلسة الماضية:
ذکرنا في الجلسة الماضية، مسألة مرجعيّة النساء، و أوضحنا کلام القائد المعظّم (دامت بركاتُه)، و تناولنا المناقشات العامّة و الإشارات التي أدلى بها العلماء، القدماء منهم و المعاصرون في هذا الشأن.
قلنا: في هذه المسألة آراء متعدّدة بين الفقهاء: ١) بعضهم يقول بعدم الجواز؛ ٢) وبعضهم يقول بالجواز؛ ٣) وقومٌ قدّموا تفصيلاً؛ ٤) وبعضهم تمسّك بالاحتياط و قال إنّ مرجع التقليد يجب أن يكون رجلاً؛ ٥) و جماعةٌ قد فرّقت بين مقام الإفتاء و مقام المرجعيّة. وبالتالي، توجد آراء متعدّدة في هذه المسألة.
القول السادس: کلام القائد المعظّم (دامت بركاتُه)
قال (حفظهالله): یجب التقليد من المرأة المجتهدة في المسائل الخاصّة بالنساء؛ أي إنّ في هذه الموارد، يجب أن يكون مرجع التقليد امرأةً. إنّه يقول إنّ النساء يجب أن يقلّدنَ من المرأة المجتهدة في المسائل المختصّة و المتعلّقة بأنفسهنّ. کان حاصل قوله هو: «اليوم، ليس عدد النساء المجتهدات قليلاً، و نحن نعتقد أنّ في كثير من المسائل النسوية التي لا يملك الرجال فيها إدراكاً جيداً وصحيحاً، يجب على السيدات أن يقلّدنَ من النساء المجتهدات»[1] .
هذا التعبير «يجب»، نوع من التفصيل في المسألة؛ أي أنّ في المسائل المختصّة بالنساء یجب علی النساء تقلید المرأة المجتهدة. ثمّ قال في استدامة کلامه ما حاصله: «اليوم، لحسن الحظ، النساء اللواتي هنّ مجتهدات و وصلْنَ إلى الاجتهاد الفقهي لسنَ قليلاتٍ. أنا حتّى أعتقد أنّ في كثير من المسائل المختصّة التي موضوعها النساء و لا يدرك الرجال موضوعها بشكل صحيح، يجب على السيّدات أن يقلّدنَ من المجتهدات».[2]
القول السابع: کلام آیةالله الجوادي الآملي (دامت برکاته)
یقول آیةالله الجوادي الآملي (حفظهالله) ما حاصله: «لیس من البعید جواز تقلید النساء من المرأة التي لیس هناك مجتهد أعلم منها»[3] ؛ أي: إنّ المرأة المجتهدة قد لا تكون هي أَعْلَمَ، إلّا أنّ المجتهدين الآخرين ليسوا أَعْلَمَ منها (فهي مساوية للمجتهدين الرجال)؛ ففي هذه الحالة، يجوز التقليد منها.
و يُصرِّحُ آيةُ الله الجوادي بعد هذا الکلام بما حاصله: «نصف المجتمع نساءٌ. هؤلاء قد يبلغنَ درجةَ الاجتهادِ مثل صاحب الجواهر بحیث تصبح تلامیذاتهنّ مرجعاتٍ للتقلید. هذا المقامُ مُتاحٌ للمرأة، و الإسلام لم يقفْ حائلاً دون ذلك. تستطيعُ المرأةُ أن تُربِّي مرجعاً و تُربِّي قاضياً؛ فلِمَ لا تصبحُ هي نفسها قاضيةً؟ و لو كان ذلك على الأقل في القضايا المتعلّقة بالنساء.»[4]
القول الثامن: اتّحاد الفتوى بين المرجع من النساء و الرجال
بناءً على هذا القول، إذا كانت هناك مُجتهدةٌ ألّفت رسالةً عمليةً و كانت ذات علمٍ و رأيٍ، و وافقت فتواها فتاوى المراجع الذكور، فلا فرق حينئذٍ بين التقليد منها أو من الرجال؛ لأنّ كلا الطريقين يقودان إلى حكم إلهي واحد.
أمّا إذا كان هناك اختلافٌ في الفتوى في مسألةٍ ما، فإنّ المعيار يكون كالتالي:
• إذا كانت المرأة هي الأعلم، وجب التقليد منها.
• و إذا كان الرجل هو الأعلم، لزم التقليد منه.
• و إذا كانا متساويين، يُمكن الاحتياط بالتقليد من الرجل، مع أنّه لا يترتّب على ذلك فرقٌ جوهريٌّ كبير.
و عليه، فإنّ الثمرةَ العمليّةَ لهذا البحث ليست كبيرةً؛ لأنّه في حالات الاتفاق، يكون التقليد من كليهما واحداً، و في حالات الاختلاف، يبقى المعيار هو الأعلميّة. و في حالة التساوي، يُمكن الاحتياط بالتقليد من الرجل، رغم أنّ الفارق لا يكون كبيراً.
على الرغم من هذه الأقوال المختلفة، ذهب فريقٌ من الفقهاء إلى اشتراط الذكورة في مرجع التقليد. و قد ذُكرت لأجل هذا القول أدلّةٌ تجب دراستها بدقّةٍ ليتبيّن أنّ هذه الأدلّةُ موثوق بها أم لا؟
إنّ الغرض من الاجتهاد و التقليد هو الوصول إلى حقيقة حكم الشارع؛ لذا يجب النظر إلى مَنْ هو الأقدرُ على إيصالنا إلى حقيقة حكم الله. وهذا الأمر لا يرتبط بالجن
على سبيل المثال، في العلوم الأخرى كـالطبّ أو الفيزياء أو غيرها من العلوم، يكون المعيار هو الرجوع إلى الأكثر تخصّصاً، لا إلى كونه ذكراً أو أنثى. فكلُّ من كان علمه و تخصّصه أوسع، إليه يرجع العقلاء في العالم. و هذا المبنی یجري في الفقه أیضاً؛ أي إذا كان المجتهد، رجلاً كان أم امرأةً، في أعلى درجات العلم و التقوى، فإنّ العقل و الشرع يحكمان بوجوب اتّباعه.
هنا إشکال
قد أثار البعضُ إشكالاً بقولهم: «لِمَ لَمْ تصبح السيّدة الزهراء (سلام الله عليها) إماماً، بالرغم من مقامها العلمي و المعنوي الذي لا يُضاهى؟»
و يمكن الردّ على هذا الإشكال بما يلي:
• أولاً: إنّ مسألة الإمامة ترتبط بالجعل الإلهي و النصّ الخاصّ.
• ثانياً: هذا لا يستلزمُ أن نحكم بأنّ المرأة لا يحقّ لها المرجعيّة أو الإفتاء.
• ثالثاً: مقام العصمة و الإمامة لا يلازم مسألة المرجعيّة الفقهيّة.
و في رأينا، لا يمكن لهذا الإشكال أن يكون دليلاً معتبراً لنفي مرجعيّة النساء.
في مثل هذه المباحث، يجب الانتباه إلى أنّه إذا كنّا نقدّم دليلاً على وجوب أمرٍ ما أو حرمته، فيجب أن يكون دليلاً شرعياً تعبّديّاً؛ لعدم وجود دليل عقلائي مستقلّ في هذا الباب.
إنّ عقلاء العالم، في الحالات التي يُبتلى فيها شخصٌ بمرضٍ، سواء كان سكرياً أو سَرَطاناً، فإنّهم يلجأون دائماً إلى المتخصّص الذي يمتلك علماً أوسع، و لا فرق عندهم إن كان هذا المتخصّص أنثى أو ذكراً أو حتّى خنثى؛ بل إنّ ما يكتسب الأهميّة هو «التخصّص» لا «الجنسيّة». و لذلك، فإنّ الرجوع إلى الأعلم و الأكثر تخصّصاً هو السيرة العقلائیّة القطعيّة.
دراسة أدلّة القائلین باشتراط الرجولیّة في مرجع التقلید
الدلیل الأوّل: الإجماع
قیل: إنّ الفقهاء أجمعوا علی أنّ مرجع التقلید یجب أن یکون رجلاً.
قال الشهید الثاني في باب القضاء: «و في الغيبة ينفذ قضاء الفقيه الجامع لشرائط الإفتاء و هي البلوغ و العقل و الذكورة ... إجماعاً.»[5]
يجب أن يكون القاضي رجلاً و قد سرّى بعضهم هذا الحكم إلى المرجعيّة أيضاً و ادّعوا تحقّق الإجماع فيها.
لكنّ التأمّل الدقيق يدلّ على أنّ مثل هذا الإجماع لم يتحقّق؛ لأنّ كثيراً من العلماء لم يتعرّضوا أصلاً لهذه المسألة و لم يبحثوا فيها. و الإجماع إنّما يُتصوّر حيث صرّح أكثر الفقهاء بالحكم في المسألة. أمّا إذا لم يكن الموضوع من الأساس محلّ بحثٍ (لعدم وجود امرأة مجتهدةٍ في الساحة)، فادّعاء الإجماع لا وجه له.
و قد صرّح المقدّس الأردبيلي (رحمةاللهعلیه) في كتاب مجمع الفائدة و البرهان (ج 12، ص 15، شرح إرشاد الأذهان) بذلك حیث قال: «فلو كان إجماعاً فلا بحث، و إلّا فالمنع بالکليّة محلّ بحث، إذ لا محذور في حکمها بشهادة النساء، مع سماع شهادتهن بين المرأتين مثلاً بشيء مع اتصافها بشرائط الحکم.»[6] .
و الحاصل أنّه لا يوجد إجماع في هذه المسألة، و إنّما يمكن القول بإنّ «المشهور» هم أصحاب هذا الرأي، لا أنّ هنا إجماعاً تعبّدياً قد تحقّق.
و عليه، فهذا الإجماع غير محصَّل؛ لأنّ العلماء لم يصرّحوا بهذه المسألة. و إن وُجد إجماع منقول، فهو إجماعٌ مدركيّ، مستندٌ إلى أدلّةٍ أخرى ـ كقوله تعالى: ﴿الرِّجالُ قَوّامونَ على النِّساء﴾ ـ التي سيأتي بحثها لاحقاً. و الإجماع المدركي، سواء كان مقطوع المدركيّة أم محتمل المدركيّة، لا يكشف عن قول المعصوم و لا تكون له حجيّة.
فالنتيجة: إنّ الاستدلال بالإجماع في هذه المسألة غير تامّ.
الدلیل الثاني: الآیة الشریفة ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾[7] . هذه الآیة من أهمّ الأدلّة التي أستند إلیها لاشتراط الرجولیّة في المرجعیّة.
الأقوال في تفسیر الآیة:
1. القول الأوّل (کقول العلّامة الطباطبائي في «المیزان»)
«و عموم هذه العلة يعطي أنّ الحكم المبنيّ عليها أعني قوله: ﴿الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ﴾ غير مقصور على الأزواج بأن يختص القواميّة بالرجل على زوجته»[8] ؛ أي: إنّ مقصود الآية أنّ طبيعة الرجل متفوّقة على طبيعة المرأة؛ فقولُه- تعالى ﴿الرِّجالُ قَوّامونَ﴾ يدلّ على قيّومیة الرجال على النساء بالإطلاق.
2. القول الثاني (الآیات العظام المکارم و السبحاني و الجوادي الآملي «حفظهمالله»)[9] [10] [11]
هذا الآية تتعلّق بمجال الأسرة و علاقة الزوجين، لا القیّومیّة المطلقة للرجل على المرأة. جملةُ ﴿بِمَا أَنْفَقُوا﴾ تشير إلى أنّ النقاش يدور حول واجبات الرجل تجاه زوجته؛ منها المهر و النفقة و المسكن. لذا، الرجل رئيس الأسرة و يتحمّل واجب تأمين المعيشة، لا أنّه يمتلك بذاته تفضيلاً ذاتيّاً أو اجتماعيّاً على المرأة.
ثمّ إنّ هؤلاء الفقهاء یصرّحون بأنّ الرجل لديه واجبات ثقيلة قبالة المرأة: دفع المهر و النفقة و تهیئة المسكن و تأمين جميع الحاجیّات. المرأة كائن لطيف و شريف يتوجّه اليه الرجل بواجب الحماية و الإنفاق عليه؛ كحارس يتحمّل واجب الحماية، فهذه الآية لا تثبت أيّ فضيلة مطلقة و لا تفضيلاً علميّاً أو مرجعيّاً للرجل على المرأة.
دراسة معنى «قوّامون»
• مجمع البيان (الطبرسي): قوّامون بمعنى «التسلط»؛ أي أنّ الرجال أولیاء النساء. [12]
• الكشاف (الزمخشري): «﴿قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ﴾ يقومون عليهنّ آمرين ناهين، كما يقوم الولاة على الرعايا.»[13] ؛ كولي يملك ولايةً على الرعية.
• الشيخ الطوسي في المبسوط: «أنهم قوامون بحقوق النساء التي لهن على الأزواج.»[14] ، «قال تعالى ﴿الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ﴾ و منه دليلان أحدهما قوله تعالى «قَوّامُونَ» و القوام على الغير هو المتكفل بأمره من نفقة و كسوة و غير ذلك و الثاني قوله ﴿وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ﴾ يعني عليهن من أموالهم.»[15] يصرّح الشیخ الطوسي بأنّه حیث یجب علی الرجل النفقة و السکن و المهر فمحمول علیه أیضاً رئاسة البیت.
• قال العاملي (رحمهالله) في تفسیره ما حاصله: «جملة ﴿الرِّجالُ قَوَّامُونَ﴾ تذكّر الاختلاف الطبيعي بين المرأة و الرجل؛ إذ إنّ بِنية الرجل بسبب استعدادة لاداء مشاقّ الحياة تفضّل على هيكل المرأة الذي يستطيع بشكل قليل و ناقص تحمّل اعمال الحياة الثقيلة، لذلك يجب عليه أن يشارك المرأة فيما يوفّره و يعطيها من ماله، و هذا هو معنى ﴿قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ﴾ و في هذه الجملة لم يصدَّق أيّ حقّ للتفضيل و التفوّق و الامتياز للرجل إلّا ذلك الحمل لمشاقّ الحياة.»[16]
• و كذلك يقول المرحوم الأردكاني في تفسيره: :«و فيه انه يحتمل ان يكون المراد بالقيمومة مثل التأديب و القيام بتنظيم أمورهم في معاشهم من النفقة و الكسوة و السكنى.»[17] بمعنى أنّه يحتمل أن يكون المقصود من القيّومیّة ذلك التدبير و الولایة في أمور حياة النساء؛ من قبيل تأمين النفقة و تحضير اللباس و توفير المسكن.
سنذكر المؤيدات إن شاء الله في الجلسة القادمة. هل تری أنّ مطلق طبيعة الرجل، مقدّمة على المرأة؟ أو أنّ الواجبات الثقيلة وُضعت على الرجل بالنسبة إلی الزواج فقط؟