« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

47/04/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الأصل في المقام و أقوال الفقهاء/مرجعیة النساء و قضاءهنّ /المرجعیّة و القضاء

 

الموضوع: المرجعیّة و القضاء/مرجعیة النساء و قضاءهنّ /الأصل في المقام و أقوال الفقهاء

 

خلاصة الجلسة الماضية: في الجلسة السابقة طُرِح النقاش حول مسألة مرجعيّة النساء، و ذُكِر فيها قول قائد الثورة الإسلامية في هذا الصدد، كما تعرّضنا إلى المناقشات العامّة و إشارات العلماء المتقدّمين و المعاصرين حول الموضوع.

موضوع نقاش اليوم في الفقه المعاصر يتعلّق بالسؤال التالي:

هل يُمكن تصوّر مرجعية النساء و قَبولها، أم أنّ هذا المقام لا موضوعيّة له أصلاً في الفقه الشيعي؟

و للإجابة عن هذا السؤال، يجب أوّلًا توضيح الأصل الكلّي، فنقول: إذا كانت الأدلّة على جواز مرجعية النساء كافيةً، نُقرّ بها، أمّا إذا لم تكن كافيةً، فينبغي الرجوع إلى الأصل العملي.

الأصل العملي عند الشكّ:

القاعدة الأصوليّة تقول:

«الأصل عدم الحجيّة إلّا إذا ثبتت الحجيّة»، أي إنّ الأصل في جميع الأمور هو عدم الاعتبار و الحجيّة، ما لم يَرد دليلٌ قطعي على ثبوتها.

وكما هو الحال في أصول الفقه، فإنّ خبر الواحد في البداية ليس حجّةً إلّا إذا ثبتت حجّيته بدليل معتبر.

وعليه، في مسألة مرجعية النساء يكون الأصل عدم الحجيّة، ما لم يُقم دليلٌ قطعيّ على خلاف ذلك.

فهل هذا القول صحيح أم لا؟

التمسك باستصحاب العدم الأزلي

لقد تمسّك البعض بعدم جواز مرجعيّة المرأة باستصحاب العدم الأزلي. و يُبين ذلك كما يلي: قبل ولادة النساء، لم يكن قولهنّ حجةً. و الآن قد وُلدن و وصلن إلى مرتبة الاجتهاد، نشكّ في أنّ قولهن حجة أم لا؟ فنقول باستصحاب العدم الأزلي: كما أنّ قولهن لم يكن حجةً في السابق، فإنه ليس بحجة الآن أيضاً.

هذا الاستصحاب محلّ نقاش في أصول الفقه، و تأتي أمثلته في النقاط التالية:

    1. مسألة القرشية في المرأة: إذا شُك في أنّ المرأة هاشمية أم لا، قيل بجريان استصحاب العدم الأزلي على عدم كونها سيّدةً، ما لم يثبت أنها سيّدة.

    2. تزكية الحيوان: إذا سقطت شاة و شُك في أنها ذُبحت شرعاً أم أنها ميتة (أُهِلَّ لغير الله)، قال البعض بجريان استصحاب العدم الأزلي، و ذلك بأنها لم تكن مُزكّاةً قبل الولادة، فلا تكون مُزكّاةً الآن.

هذه المباحث وقعت محلاً للاختلاف بين العلماء في الرسائل و الكفاية و أنّ استصحاب العدم الأزلي حجة أم لا؟

رأي القائد المعظّم

يقول سماحة القائد المعظّم (دام ظلّه) في كتاب «ثلاث رسائل في الجهاد» (الصفحة ۱۸۵–۱۸۶): «الاستصحاب على هذا التقرير أيضاً تامّ الأركان، و لا يرد عليه ما يمكن أن يورد على استصحاب العدم الأزلي، إلّا أنّ الاعتماد على مثله في الأمور الخطيرة الّتي ترتبط بالنفوس و الأموال و الأعراض لاسيّما في المسائل العامّة الراجعة إلى الجماعات المتعاقبة و الأقوام المتتابعة ممّا لايمكن المساعدة عليه.»[1]

يقول القائد المعظّم (حفظه‌الله): لا أعتبر استصحاب العدم الازلي حجةً؛ لأنّ العقلاء لا يقبلون مثل هذا الاستصحاب. إن كان الاستصحاب تعبّدياً، كقول «لا تنقض اليقين بالشك»، يمكن أن يجري؛ أمّا إن كان دليل الحجيّة مبنيّاً على سيرة العقلاء، فإنّ العقلاء لا يقبلون استصحاب العدم الازلي.

و يبدو لنا أيضاً أن کلامه صحیح. لذلك، لا يمكن أن يكون استصحاب العدم الازلي دليلاً كافياً على عدم حجية قول النساء في المرجعية.

الأصل العملي

مع غضّ النظر عن استصحاب العدم الأزلي، نصل الى الأصل العملي: «الأصل عدم الحجية» ففي مرجعية النساء، الأصل عدم الحجية ما لم يقم دليل معتبر خلاف ذلك.

الاستدلال باشتراك الأحكام

قد تمسّك بعض العلماء باشتراك الأحكام بين المرأة و الرجل:

الأدلة التي ذكرت في الأحكام لها اطلاق، و الآيات و الروايات للأحكام غالباً جاءت بتعبير الجمع و لا اختصاص للرجال و تشمل النساء أيضاً. مثل: «كتب عليكم الصيام»، «أقيموا الصلاة»، «آتوا الزكاة»، «لله على الناس حج البيت» التي تشمل الرجال و النساء جميعاً. فكما أنّ النساء شريكات في التكاليف، يجب أن يكنّ شريكاتٍ في المرجعيّة أيضاً.

لكن نقاشنا في الأصل؛ لأنّ الأصل دلیل فیما إذا لا نستطيع الحصول علی شيء من إطلاق الأدلّة «الأصل دليل حيث لا دليل» فالنقاش في ما إذا لم نستطع الاستفادة من اطلاق الأدلة و أمّا إذا استدللنا بإطلاق الأدلّة، فيقال إنّه دليل لفظي. فإذا لم يكن لدينا أدلّة لفظيّة، يأتي دور الأصل و الأصل إمّا عدم الحجية أو الحجية.

لذلك، نقول الأصل عدم الحجیّة وفاقاً لرأي سیّدنا القائد و أکثر العلماء؛ أي يجب إثبات الحجيّة لنا، فإذا ثبتت نقول «هو حجّة» و إذا لم تثبت نقول «ليس حجةً».

أقوال الفقهاء

هنا عدّة آراء في هذه المسألة:

القول الأوّل: عدم جواز المرجعیّة للنساء

     هذا قول المشهور.

     قال الشهید الثاني (رحمه‌الله) في شرح اللمعة حول شروط الإفتاء:«و في الغيبة ينفذ قضاء الفقيه الجامع لشرائط الإفتاء و هي البلوغ و العقل و الذكورة و الإيمان و العدالة و طهارة المولد إجماعاً و الكتابة و الحريّة و البصر على الأشهر، و النطق و غلبة الذُكْر[2] و الاجتهاد في الأحكام الشرعية و أصولها.»[3]

     بناءً علی هذا، قد ذُکر شرط «الذکوریّة» في المرجعیّة.

القول الثاني: الأحوط الرجولیّة

قال بعض آخر: و إن لم یکن لدینا دلیل قطعيّ علی شرط الرجولیّة في المرجع و لکنّ الاحتیاط في العمل یقتضي أن نختار المرجع للتقلید من بین الرجال. «و على كل فالاحوط شرطية الرجولية لعدم أهلية المرأة لهذا المنصب العظيم و النيابة عن المعصوم و لأنه لا يليق بحالها مجالسة الرجال و الافتاء.» [4]

القول الثالث: عدم اشتراط الرجولیّة مطلقاً في المرجع

قد صرّح بعض الأکابر أنّ الرجولیّة لیست شرطاً في المرجعیّة:

     السیّد بحر العلوم (رحمه‌الله)، الإجتهاد و التقلید، الصفحة 235.

     کاشف‌الغطاء (رحمه‌الله)، النور الساطع في الفقه النافع، المجلّد ۲، الصفحة ۲۵–۲۶.

     صاحب الجواهر (رحمه‌الله)، جواهر الکلام، المجلّد۴۰، الصفحة ۲۲.

     ضیاءالدین العراقي (رحمه‌الله)، بحوث فی الاصول، المجلّد ۳، الصفحة ۶۸.

     السیّد الحکیم، مستمسك العروة الوثقی، المجلّد1، الصفحة43.

     العراقي (رحمه‌الله)، رسالة في الاجتهاد و التقلید، المجلّد ۲، الصفحة ۴۸۵.

     الطباطبائي القمّي (رحمه‌الله)، منهاج الصالحین، المجلّد ۱، الصفحة۳۰.

قال السیّد بحرالعلوم (رحمة الله علیه): «فإنّ مقتضى الإطلاقات و السيرة العقلائية، عدم الفرق بين الرجل و المرأة في منصب الإفتاء، كما ليس هناك دليل ظاهر على اختصاصه بالرجل.»[5]

قال السیّد الحکیم (رحمه‌الله):«و أمّا اعتبار الرجولة: فهو أيضاً كسابقه عند العقلاء. و ليس عليه دليل ظاهر غير دعوى انصراف إطلاقات الأدلّة إلى الرجل و اختصاص بعضها به. لكن لو سلّم فليس بحيث يصلح رادعاً عن بناء العقلاء. و كأنّه لذلك أفتى بعض المحقّقين بجواز تقليد الأنثى و الخنثى.»[6]

هؤلاء الأکابر قد اعتقدوا علی أنّ المناط في المرجعیّة، الأعلميّة و العدالة، و لا دور للجنسیّة فیها.

القول الرابع: یفرق مقام الإفتاء من المرجعیّة

قد فرّق الشیخ هاشم الآملي اللاریجاني بین مقام الإفتاء و المرجعیّة، حیث قال: «لكن الصّحيح أنّ الإفتاء و بيان الحكم الشرعى من المرأة، غير المرجعيّة الدينيّة.»[7] یعني (رحمه‌الله) أنّه لا بأس بإفتاء النساء دون المرجعیّة. بناءً علی ذلك، فإنّ هذا القول لیس بعیداً فحسب، بل علیه المنطق و الاستدلال و یمکن أن نقیم له دلائل متقنةً.

القول الخامس: التبعیض في الأحکام (صحّة التقلید من النساء في بعض الأبواب)

«(يشترط في المجتهد أمور . إلخ) على اشکال في اعتبار الرجولية و الحرية بل و في ولد الزنا لو كان عدلاً إذ لايساعد على اعتبارها الدليل العقلي و هو وجوب رجوع الجاهل الى العالم، و لا النقلي و هو قوله عليه السلام من كان من الفقهاء صائناً لنفسه. إلخ فإنّه مطلق بالنسبة الى الرجل و المرأة و الحر و العبد و ولد الزنا و غيره.»[8]

هنا قول آخر و هو التبعیض في الأحکام؛ أي یمکن أن یقلّد المکلّف في بعض الأبواب من فقیه و في بعضها الآخر من آخر. علی سبیل المثال: یقلّد من النساء في المسائل المرتبطة بهنّ من الحیض و النفاس و الاستحاضة. قد طرح هذا المرأی بین العلماء و ینبغي أن یُتأمّل فیه.

قد أشکل بعض علی القیود الثلاثة المأخوذة من جملة شرائط المرجعیّة:

    1. الرجولیّة

    2. الحریّة

    3. طهارة المولد (عدم ولادته من الزنا)

یقولون: إذا كان الشخص ولد الزنا، فما ذنبه؟ الخطأ يعود إلى الأب و الأم. إذا كان هذا الشخص نفسه متديّناً، عادلاً و أعلم، فلماذا يُحرم؟ و كذلك في مسألة العبد و الحر؛ ما الفرق إذا كان الشخص عبداً أو حرّاً؟ المعيار هو أنه عندما يصبح الفرد مجتهداً و يحمل الشروط العلميّة و الأخلاقية اللازمة، فلماذا نحرمه؟

و برأي بعضهم، لا يوجد لتلك القيود دليل عقلي مقبول. يمكننا أن نردد شعاراتٍ مثل أنّ المرجع يجب أن يكون رجلاً أو أنّ ولد الزنا لا يصلح، لكن لم يُقم دليل عقلي مستحكم في هذا المجال. يجب النظر إلى المرء نفسه و أن نقول: «انظر إلى ما قال و لا تنظر إلى من قال»

برأينا، هذا الشرط جاء من جهة تعبّدية في الروايات؛ أما من المنظور العقلي و الاجتماعي، فلا يمكن أن يمنع مرجعيّة الأعلم.

الإشكال العملي في مرجعية النساء

قام بعض القائلين بعدم الجواز بطرح إشكالات عملية، وهي أن المرأة في المسائل الأسرية تابعة لزوجها؛ فكيف يمكنها أن تتولّى منصب المرجعيّة العامة؟

الجواب

المرجعية تتعلّق بالفتوى و بيان الحكم الشرعي، لا بالحضور في المجالس العامة أو العلاقات الاجتماعية الرجالية.


[1] ثلاث رسائل في الجهاد، خامنه‌ای، علی، رهبر جمهوری اسلامی ایران، تهران، مؤسسه پژوهشی فرهنگی انقلاب اسلامی، دفتر حفظ و نشر آثار حضرت آیت الله العظمی خامنه‌ای، انتشارات انقلاب اسلامی، نشر فقه روز، ۱۳۹۷ هجری شمسی|۱۴۳۹ هجری قمری، جلد ۱ صفحه ۱۸۶.
[2] و المراد منه قوة الحافظة.
[4] حسينى شهرستانى عبدالرضا، مقاليد الهدی في شرح العروة الوثقی الاجتهاد و التقليد. ص82.
[5] بحرالعلوم محمد بن محمدتقى، الاجتهاد أصوله و أحکامه. ص .2.
[8] حسينى شبر على، العمل الأبقی في شرح العروة الوثقی، ج1، ص26.
logo