46/11/22
بسم الله الرحمن الرحیم
لزوم تدارك انخفاض القیمة/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /فقه النقد
الموضوع: فقه النقد/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /لزوم تدارك انخفاض القیمة
خلاصة الجلسة السابقة: قد وقع النقاش في الفقه المعاصر حول تدارك انخفاض قیمة النقد. یری بعض الفقهاء أنّ تدارك انخفاض قیمة النقد واجب؛ إذ یُعدّ عدم التدارك ظلماً. و هناك طائفة أخری یقولون إنّ تدارك انخفاض قیمة النقد حرام و من مصادیق الربا. و لکنّ القائلین بحرمة التدارك رغم أنّهم جعلوه من مصادیق الربا فقد اقترحوا طرقاً لتدارك هذا الانخفاض. سؤالنا الآن: هل الطرق المقترحة تخرج المسألة من الربا حقّاً أو أنّها مجرّد حیل شرعیّة و تعدّ المسألة من الربا بحسب الماهیّة؟ هناك آراء یجب علینا دراستها و أن ننتقدها.
إشتراط معادل الذهب أو الدولار
قال آیةالله السبحاني (حفظهالله) في مجلّة أهل البیت (رقم الواحد و الثلاثین): «هناك طرق لدینا شرعیّة لأجل دفع المضارّ المالیّة و هو أنّ المـُقرض اشترط في حین الإقراض بأنّي أقرضتك هذا المبلغ من النقد الورقيّ الذي قیمته یعادل المقدارَ الثابتَ من النقد أو السلعة و علیك رعایة هذه الجهة عند الدفع و أن تدفع مبلغاً له قیمة هکذا». علی سبیل المثال، إذا کانت مأة ملیون تومان تعادل مأة دولار فعلی المدین عند الدفع إعطاء مأة دولار و لو زادت قیمة الدولار للتضخّم. هو (حفظه الله) یری أنّ بالشرط المذکور تخرج المعاملة من الربا و إذا لم یذکر الشرط فهو من مصادیق الربا.
دراسة هذا الرأي
سؤالي هو: هل الشرط هذا یخرج المعاملة عن الربا حقّاً؟ برأينا، هذا الشرط نفسه مصداق شرط الزیادة و من الربا. إذا علم کلّ من الدائن و المدین أنّ قیمة الذهب أو الدولار ستزداد في المستقبل و في نفس الوقت یشترط أن یُدفع معادل الذهب أو الدولار عند الأداء فهذا الشرط یعدّ من طلب الزیادة. علی سبیل المثال إذا کان میلیار تومان یعادل مقداراً معیّناً من الذهب و تضاعف قیمة الذهب عند الدفع ضِعفین فعلی المدین أن یدفع میلیارین. هذا الشرط عین الربا؛ لأنّ الغرض من هذا الشرط عند العرف و العقلاء، تدارك الزیادة بسبب التضخّم؛ فإذا کان المبنی، وجوب تدارك انخفاض قیمة النقد فلا نحتاج إلی شرط المعادل و لا یحصل الربا؛ لکنّ الذي لا یعتقد بوجوب التدارك فلا یتمکّن من أخذ شرط المعادل للتدارك.
الإشکال الأساسي
هذا العمل (أي اشتراط تدارك انخفاض القیمة) من الحیل الشرعیّة التي لم یکن یجوّزها الإمام الخمیني (رحمهالله). إذا علم الدائن و المدین بأنّ قیمة الذهب ستزداد و الشرط هنا یکون لأخذ الزیادة فلا تُرفع مشکلة الربا بسبب هذا الشرط. نعم في حالة عدم العلم بزیادة القیمة بحیث یحتمل انخفاض القیمة أو ثباتها فحینئذٍ یمکن صحّة هذا الشرط و لکن آیة الله السبحاني (حفظه الله) قد جوّز هذا الطریق مطلقاً و لو في صورة العلم بالزیادة. برأینا، إنّ إطلاق الحکم لا یحلّ مشکلة الربا؛ إذ الشرط في موارد العلم بالزیادة فهو من الربا. نعم یمکن صحّة هذا الشرط في بعض الحالات دون جمیعها.
رأي بعض الفقهاء حول إقراض مالیّة النقود (لا نفسها)
قد اقترح بعض الفقهاء في رسائلهم الفقهیّة طریقاً آخر:
السؤال: إذا اسقترض شخص مبلغاً من النقد و انخفضت قیمة النقد عند الدفع بسبب التضخّم بحیث یتضرّر الدائن فهل یجوز له أن یطلب المدینَ أن یدفع المبلغَ الذي نقص من قیمة النقد؟ و إذا کان الأمر کذلك فهل یمکن له أن یجعل معیارَ تحدیدِ قیمة النقد، قیمةَ الذهب في یوم الاستقراض؟ و إن قصّر المدین في أداء الدین و لم یقم بالأداء في المدّة المقرّرة فما حکم المسألة؟ هل یضمن المدین مالیّة النقد أیضاً أم لا؟
الجواب: کان بإمکان المـُقرض تحدید مالیّة النقد بالذهب أو شيء آخر و أن یُقرض مالیّة النقد لا النقد نفسه. مثل أن یقول: مالیّة هذا المبلغ نصف مثقال من الذهب و أنا أقرضك هذه المالیّة و علیك أن تدفع إليّ هذه المالیّة عند الأداء. و إذا قصّر المدین في تأخیر الأداء فیمکن للدائن أن یأخذ الضرر مع الشرط. مثل أن یقول: إذا لم تدفع في الوقت المحدّد فأنت ضامن للضرر. و إن لم یشترط علیه شيئاً و ماطل المدین في دفع النقد إلی الدائن فالحکم بأخذ الضرر و تدارك انخفاض القیمة بعید.
دراسة هذا الرأي
برأینا إنّ هذا الطریق أیضاً فیه مشکلة الربا. إذا علم کلا الطرفین أنّ المالیّة و القیمة (مثل مالیّة الذهب) ستزداد (مثل نسبة أربعین بمأة) بسبب التضخّم فإنّ هذا الشرط یعود إلی مطالبة الزیادة و یعدّ من الربا. علی سبیل المثال: إذا کانت مالیّة مأة میلیون تومان، نصف مثقال ذهباً ثمّ زادت قیمته بعد مرور سنة بسبب التضخّم بنسبة أربعین بمأة فعلی المدین أن یدفع ما یعادل مأةً و أربعین توماناً. هذا الشرط أیضاً من الزیادة و یعدّ من الربا.
الراوي لهذا الكلام، الذي لا نذكر اسمه، كان سابقاً يعتقد أن نقصان القيمة يجب أن یتدارك، و مع هذا المبنی لا توجد مشكلة في كلامه، و ليس هناك حاجة حتى إلى شرط؛ لكن إذا كان المبنی هو عدم وجوب التدارك، فلا يمكن وضع مثل هذا الشرط.
الفرق بين هذا الطريق و اقتراح آیةالله السبحانيّ في اللفظ و ليس في ماهیّة القول. في كلتا الحالتين، الهدف هو تدارك نقصان قيمة النقد من خلال زيادة عليه. إذا اعتقدنا أنّ الربا حرام و أن تدارك نقصان قيمة النقد نعتبره رباً فهذه الطريق أيضاً ربا. أمّا إذا اعتقدنا أنّ تعويض نقصان قيمة النقد ليس رباً، فلا حاجة لهذا الشرط و يمكن مباشرةً تدارك نقصان القيمة.
بیع النقد بالنسیة
قد اقترح آیةالله الفاضل اللنکراني (رحمهالله) طریقاً آخر: المـُقرض بدلاً من الإقراض، یقوم بإجراء بیع النقد بالنسیئة. «علی سبیل المثال إذا توقّع المـُقرض أنّ التضخّم سیبلغ إلی أربعین بمأة في العام الحالي فله أن یقرض عشرة ملایین ثمّ یأخذ أربعة عشر ملیوناً». و لا تکون المعاملة حینئذٍ قرضاً بل تکون بیعاً. و يستدلّ هو بأنّ الربا المعاوضي يقع في المکِيل و الموزون (مثل القمح و الذهب)، بينما الأوراق النقديّة تُعدّ من المعدودات، فلا يجري فيها الربا المعاوضي و بالتالي تجوز هذه المعاملة. علی سبیل المثال بیع ملیون تومان قدیم بملیون و مأتين ألفَ تومان جدید، عقلائيّ و جائز کبیع سائر الأجناس قدیمها بجدیدها.
قد سئل (رحمهالله):
«سؤال: هل تجوّزون أن نبیع ملیون تومانٍ نقداً بملیون و مأة ألف تومان نسیئةً؟
الجواب: لا بأس.»
أمّا الإستدلال فقوله- تعالی: ﴿إِنَّمَا الْبَيعُ مِثْلُ الرِّبَا وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيعَ وَ حَرَّمَ الرِّبَا﴾[1] فإنّ الربا و البیع یمکن أن یکونا متشابهین في بعض الجوانب.
قد سئِل آیةالله الصافي (رحمهالله): «إذا أقرضوا شخصاً ما قرضاً ثمّ باعوه؛ بمعنى أن يبيعوا تسعة عشر ألف تومان بعشرين ألف تومان، و يذكروا أيضاً أنّنا بعنا هذا المبلغ بهذا المبلغ، فهل هذا من الربا أم لا؟
قال (رحمهالله) في الجواب: «إذا باع مثلاً تسعةعشر توماناً بعشرین توماناً لمدّة سنة و کان ینوي البیع و الشراء حقّاً فلا بأس به».
«السؤال: هل يمكن بيع الأوراق النقديّة بأقلّ أو أكثر من قيمتها؟
الجواب: إذا كان هناك غرض عقلائي فلا بأس.
«السؤال: هل یجوز بیع مأة ألف تومان بمأة ألف و عشرین توماناً؟
الجواب: لا بأس ببیع الأوراق النقدیّة و شرائها بقصد جادّ في المعاملة و مع الغرض العقلائي نقداً أو نسیئةً و إقراضها مع شرط الزیادة ربا محرّم».
دراسة هذا الرأي
برأینا لا یحلّ هذا الطریق، المشکلة أیضاً.
إذا علم الطرفان أنّ التضخّم يؤدّي إلى زيادة القيمة بنسبة أربعین بمأة و أنّ معاملة النقد بالنسیئة لأجل الحصول علی الزیادة فإنّ هذه المعاملة مصداق الربا. علی سبیل المثال بيع عشرة ملايين تومان نقداً مقابل أربعة عشر مليون تومان نسیئةً فهو في الواقع شرط زيادة، لأنّ الهدف هو تدارك انخفاض قيمة النقد من خلال الحصول على الزیادة.
یعدّ العرف و العقلاء هذه المعاملة قرضاً بشرط زيادة لا بیعاً حقیقیّاً. و قد أکّد الإمام الخمیني (قدسسره) على أنّ الحيل الشرعيّة التي تكون رباً بحسب الماهیة، ليست جائزةً. إذا كان الهدف هو الحصول على زيادة بسبب التضخّم، فإنّ هذه المعاملة ربا قرضي، حتى لو کانت في شكل بيع. قد لا تكون هناك مانع في بعض الحالات التي لا يكون فيها علم بالزيادة أو احتمال انخفاض القيمة، و لكن لا يمكن اعتبارها جائزةً بشكل مطلق.
النقد ثمن و لا مثمن فیجوز بیع الریال بالدولار أو الدینار و لکن بیع الریال بنفسه مع الزیادة فهو من الحیل الشرعیّة و لا یکون الغرض من بیعه حقیقيّاً و لا یوجد له غرض عقلائي أیضاً.