« قائمة الدروس
بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

46/10/23

بسم الله الرحمن الرحیم

لزوم تدارك انخفاض القیمة/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /فقه النقد

 

الموضوع: فقه النقد/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /لزوم تدارك انخفاض القیمة

خلاصة الجلسة السابقة:

کان النقاش في الفقه المعاصر حول انخفاض قیمة النقد و أنّه هل یجب تدارك قیمة النقد أم لا؟ قد طرحت في هذا الصدد آراء فقهیّة و كانت من بين الأدلّة التي استُند إليها، الروايات. و السؤال الأساسيّ هو: هل يمكن الاستدلال بالروايات لإثبات الوجوب أو عدم وجوب تدارك انخفاض قيمة النقد؟

الفرق بين النقود الاعتباريّة و النقود ذات القيمة الذاتيّة:

من الإشكالات المطروحة أنّ النقود في زمن النبيّ (صلى الله عليه وآله) و الأئمة (عليهم السلام) كانت من جنس الذهب و الفضة (الدينار و الدرهم) و كانت لها قيمة ذاتيّة. و في ذلك الوقت، لم تكن مسألة التضخّم أو انخفاض قيمة النقد مطروحةً بالشكل المعاصر (الشائع في النقود الاعتباريّة)؛ لأنّ قيمة الذهب و الفضّة كانت ثابتةً بشكل عامّ أو ذات تغيّرات قلیلة. و بناءً علی هذا، يرى البعض أنّ الروايات المتعلّقة بالنقود في ذلك الزمان لا يمكن ربطها بشكل مباشر بمسألة انخفاض قيمة النقود الاعتباريّة المعاصرة.

الجواب عن الإشکال:

يُستفاد من الروايات وجوب دفع النقد الرائج في وقت الأداء؛ فمثلاً، إذا كان لشخص دَينٌ عليك و أردتَ قضاءه بعد خمسين عاماً، وجب عليك دفع النقد الرائج في ذلك الحين، لا دفع النقد الذي سقط اعتباره و فقدت قيمتها.

مع أنّ النقد في زمن الأئمّة (عليهم‌السلام) و إن كانت في الغالب من الذهب و الفضّة، إلّا أنّ الروايات تشير إلى أنّ القيمة النسبيّة للدينار و الدرهم (كوحدتين نقديتين) كانت تتغيّر بمرور الزمن. و هذه التغيّرات مماثلة لانخفاض أو ارتفاع قيمة النقد الناتج عن التضخّم أو العوامل الاقتصاديّة المعاصرة. و بناءً على ذلك، يمكن استنباط قواعد عامّة من الروايات حول كيفيّة المحاسبة و تدارك قيمة النقد، حتّى لو كانت النقد المعاصر اعتباریّاً.

تحلیل الروایة الأولی: صحیحه عبدالملك بن عتبة الهاشمي

«عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى[1] عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ[2] عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُتْبَةَ الْهَاشِمِيِّ[3] قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى علیه السلام عَنْ رَجُلٍ يَكُونُ عِنْدَهُ دَنَانِيرُ لِبَعْضِ خُلَطَائِهِ فَيَأْخُذُ مَكَانَهَا وَرِقاً فِي حَوَائِجِهِ وَ هُوَ يَوْمَ قُبِضَتْ سَبْعَةٌ وَ سَبْعَةٌ وَ نِصْفٌ بِدِينَارٍ وَ قَدْ يَطْلُبُ صَاحِبُ الْمَالِ بَعْضَ الْوَرِقِ وَ لَيْسَتْ بِحَاضِرَةٍ فَيَبْتَاعَهَا لَهُ مِنَ الصَّيْرَفِيِّ بِهَذَا السِّعْرِ وَ نَحْوِهِ ثُمَّ يَتَغَيَّرُ السِّعْرُ قَبْلَ أَنْ يَحْتَسِبَا حَتَّى صَارَتِ الْوَرِقُ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَماً بِدِينَارٍ فَهَلْ يَصْلُحُ ذَلِكَ لَهُ وَ إِنَّمَا هِيَ بِالسِّعْرِ الْأَوَّلِ حِينَ قَبَضَ كَانَتْ سَبْعَةٌ وَ سَبْعَةٌ وَ نِصْفٌ بِدِينَارٍ قَالَ إِذَا دَفَعَ إِلَيْهِ الْوَرِقَ بِقَدْرِ الدَّنَانِيرِ فَلَا يَضُرُّهُ كَيْفَ الصُّرُوفُ وَ لَا بَأْسَ‌».[4]

سند الروایة صحیح. هذا نصّ الروایة و تحلیلها هکذا:

نصّ الرواية:

يسأل عبد الملك بن عتبة الهاشميّ الإمامَ موسى بن جعفر (علیه السلام): شخص أودع عندي أمانةً (ودائع) على هيئة دنانير (لا قرضاً بل أمانةً) و هذه الدنانير لأصدقائه. هذا الشخص يطلب منّي دراهم تدريجيّاً (مثلاً درهمان، ثلاثة دراهم أو خمسة دراهم) لحاجاته اليوميّة. في ذلك الوقت، كان الدينار الواحد يعادل سبعة دراهم أو سبعة و النصف. عندما لم يكن لديّ دراهم أحیاناً، كنت أحوّل الدينار إلى دراهم و أعطيه إيّاها. ثمّ مع مرور الوقت، زادت قيمة الدينار بالنسبة إلی الدرهم و أصبح الدينار الواحد يساوي إثني عشر درهماً. الآن و قد حان وقت الحساب، يقول إنّه يجب أن تحسب على أساس السعر الجديد (إثناعشر درهماً للدينار الواحد)، بينما أنا أعطيته الدراهم عندما كان السعر سبعة دراهم و النصف.

ما هو جواب الإمام (عليه السلام)؟ قال: «إِذَا دَفَعَ إِلَيْهِ الْوَرِقَ بِقَدْرِ الدَّنَانِيرِ فَلَا يَضُرُّهُ كَيْفَ الصُّرُوفُ وَ لَا بَأْسَ‌»؛ يعني إذا كان قد دفع له دراهم بمقدار دنانيره (بسعر وقت الدفع)، فقد أوفى دينه. بعبارة أخرى، إذا كان قد دفع جميع الدنانير الأمانیّة على هيئة دراهم (بسعر سبعة دراهم أو سبعة و النصف)، فإنّه لا یکون مديناً و لا ينبغي أن يحسب على أساس السعر الجديد (إثنا عشر درهماً).

تحلیل الروایة:

    1. نوع المعاملة:

هذه المعاملة أمانة و ليست قرضاً. لقد احتفظ الأمين بالدنانير و قام تدريجيّاً بدفع قيمتها على هيئة دراهم بناءً على طلب صاحب المال.

    2. معیار المحاسبة:

قد أوضح الإمام (عليه السلام) أنّ معيار المحاسبة هو يوم الدفع (یوم الوفاء)؛ بمعنى أنّ الأمين عندما دفع الدراهم لصاحب المال، كان سعر الدينار سبعةَ دراهم أو سبعةً و النصف و قد قام بالدفع بناءً على ذلك السعر. و الآن قد ارتفعت قيمة الدينار (إلى اثني عشر درهماً)، لا يحقّ لصاحب المال أن يدّعي أنّه يجب الحساب بناءً على السعر الجديد.

    3. التطبيق على انخفاض قيمة النقد:

برأینا هذه الرواية تدلّ على أنّه في حساب الديون، يجب الالتفات إلى قيمة النقد في وقت الدفع، لا قيمتها في وقت الحساب النهائي. و إذا عمّمنا هذا الأصل على مسألة انخفاض قيمة النقد، يمكن القول:

        4. إذا استلم الدائن نقوده حین انخفاض قيمتها، فلا يمكنه لاحقاً المطالبة بتدارك انخفاض القيمة؛ لأنّ قیمة النقد حین الدفع هي نفسها التي استلمها.

الروایة الثانیة: صحیحة إسحاق بن عمّار

«أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ[5] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ[6] عَنْ صَفْوَانَ[7] عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ[8] قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ علیه السلام عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ لِي عَلَيْهِ الْمَالُ فَيَقْضِي بَعْضاً دَنَانِيرَ وَ بَعْضاً دَرَاهِمَ فَإِذَا جَاءَ يُحَاسِبُنِي لِيُوَفِّيَنِي كَمَا يَكُونُ قَدْ تَغَيَّرَ سِعْرُ الدَّنَانِيرِ أَيَّ السِّعْرَيْنِ أَحْسُبُ لَهُ الَّذِي كَانَ يَوْمَ أَعْطَانِي الدَّنَانِيرَ أَوْ سِعْرَ يَوْمِيَ الَّذِي أُحَاسِبُهُ قَالَ سِعْرَ يَوْمَ أَعْطَاكَ الدَّنَانِيرَ لِأَنَّكَ حَبَسْتَ مَنْفَعَتَهَا عَنْهُ».[9]

سند هذه الروایة صحیح.

 


[1] إماميّ ثقة.
[2] إماميّ ثقة.
[3] إماميّ ثقة.
[5] احمد بن إدریس القمّي: إماميّ ثقة.
[6] إماميّ ثقة.
[7] صفوان بن یحیی البجلّي: إماميّ ثقة و من أصحاب الإجماع.
[8] إماميّ ثقة.
logo