46/08/12
بسم الله الرحمن الرحیم
لزوم تدارك انخفاض القیمة/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /فقه النقد
الموضوع: فقه النقد/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /لزوم تدارك انخفاض القیمة
خلاصة الجلسة السابقة: كان الكلام في الفقه المعاصر حول تدارك انخفاض قيمة النقود في ما إذا مرّت علیها فترة زمنیّة. هنا سؤال: هل يجب تدارك انخفاض قيمة النقود بسبب التضخّم أم لا؟ في هذا المجال قد تمّ تقديم العديد من الأدلّة و الآراء المختلفة. بعد دراسة هذه المناقشات، الآن ندارس الأحاديث التي یمکن أن تدلّ علی هذا الادعاء أو لا تدل.
علیکم أيّها الأعزّاء دراسة هذه الأحاديث بعناية؛ لأنّ هناك تفسيراتٍ مختلفةً لها. في هذا المجال، يمكن دراسة آراء علماء مثل الشيخ الطوسيّ و الشيخ الصدوق و صاحب الحدائق و الإمام الخميني. من الضروريّ أن يتمّ التدقیق في ألفاظ هؤلاء الأکابر و تعابیرهم و قوموا أنتم أیّها الأعزّة ببیان رأيكم في دلالة هذه الأحاديث.
إحدى الأحاديث التي تمّ التركيز عليها و مراجعتها في هذا الموضوع هي صحيحة يونس.
«عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ[1] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى[2] عَنْ يُونُسَ[3] قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا علیه السلام أَنَّ لِي عَلَى رَجُلٍ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَ كَانَتْ تِلْكَ الدَّرَاهِمُ تَنْفُقُ بَيْنَ النَّاسِ تِلْكَ الْأَيَّامَ وَ لَيْسَتْ تَنْفُقُ الْيَوْمَ فَلِي عَلَيْهِ تِلْكَ الدَّرَاهِمُ بِأَعْيَانِهَا أَوْ مَا يَنْفُقُ الْيَوْمَ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ فَكَتَبَ إِلَيَّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ مَا يَنْفُقُ بَيْنَ النَّاسِ كَمَا أَعْطَيْتَهُ مَا يَنْفُقُ بَيْنَ النَّاسِ».[4]
قال یونس کتبتُ إلی أبي الحسن الرضا (علیه السلام) و قلت: «إنّ لي علی رجل ثلاثة آلاف درهم».
یلزم هنا أن ندقّق النظر و نتأمّل في معنی قوله «علی رجل ثلاثة آلاف درهم». یمکن أن یکون لهذه العبارة معنیان:
1. لعلّ العبارة تدلّ علی الاقتراض بمعنی أنّ هناك رجلاً قد أقرض لآخر بعض النقود.
2. لعلّ العبارة ناظرة إلی معاملة نتیجتها أنّ شخصاً ما، صار دائناً من الآخر.
هذان الاحتمالان موجودان في هذه العبارة؛ لکن فرقّ بعض العلماء بین القرض و غیره، بینما أنّ الروایة تشمل الحالتین فلذا لا دلیل علی اختصاص هذه العبارة لأحد المعنیین.
تشیر الرواية فیما بعد إلى أنّ تلك الثلاثة آلاف درهم كانت شائعةً مستخدمةً في المعاملات آنذاك، لكن بعد تغيير الحكومة تمّ استبدالها بعملات جديدة، و لم یکن تستخدم الدراهم السابقة في المعاملات. و بناءً عليه يُطرح السؤال: هل يجب على الدائن أن يأخذ نفس الدراهم القديمة أم العملات الجديدة؟
قال أبوالحسن الرضا (علیه السلام) في جواب السؤال: یجب دفع ما هو شائع الآن بین الناس.
من هذا الجواب يُستنتج أنّ المدين ملزم بدفع معادل النقد الذي تلقّاه في البداية، و لكن على شكل العملات المتداولة حین الدفع. لذلك، إذا كانت قيمة العملات الجديدة أكثر من قيمة العملات القديمة ففي هذه الحالة يصبح دفع العملات الجديدة الغالیة إلزاميّاً.
السؤال الآن هو: هل هذه الرواية تدلّ على ضرورة تدارك انخفاض قيمة النقد؟ ظاهر الرواية هو أنّ الإمام (عليه السلام) يؤكّد على أنّ الدين يجب أن يُؤدّی بنفس المقدار و لكن بطريقة تكون متداولةً و مقبولةً في المجتمع. هنا يتمّ التركيز على خاصيّتين:
1. ماهیة النقد الذي هو من الفضّة في الحالتین.
2. الشیوع و قبول العموم النقدَ في المعاملات.
من أجل ذلك استنبط بعض العلماء من هذه الرواية أنّه إذا حدث تغيير في قيمة النقد بسبب رواجه أو عدم رواجه، يجب دفع معادل ذلك بالنقد الرائج. و لکن مدى إمكان تطبيق هذا الاستنباط في مسألة تدارك انخفاض قيمة النقد بسبب التضخم، يحتاج إلى مزيد من البحث و الدراسة.
المسألة المطروحة هنا هي ضرورة تدارك انخفاض قيمة النقد في المعاملات الماليّة و الديون. يؤكّد الشارع المقدس في هذه الأرضیّة على أنّه إذا أقرض شخصٌ آخرَ بعض النقود، يجب أن یدفع معادل نفس المبلغ من النقود المتداولة. و السبب في هذا الحكم هو أنّ النقود التي كانت رائجةً عند الاقتراض قد أصبحت الآن غیر قابلة للمبادلة. فلذلك أمر الشارع المقدّس أن يأخذ الدائن النقود المتداولة لكي يتمكّن من استخدامها في المعاملات و تلبية احتياجاته.
دلیل الإمام (عليه السلام) في هذا الشأن هو أنّه عندما استلم المدين هذا النقد، كانت له قيمة و قابلية للتبادل و كان بإمكانه استخدامه في الشراء و التجارة. أمّا الآن حينما یرید أداء دينه، يجب عليه دفع معادل هذا النقد بالنقود المتداولة، لكي يتمكّن الدائن أيضاً من الاستفادة منها. هذه المسألة تشير إلى أنّه یجب تدارك انخفاض قيمة النقد؛ لأنّ قيمته قد تغيّرت.
هناك رأي لآية الله السیّد محمود الشاهروديّ حول هذه الروایة و هذا الرأي يستحقّ التأمّل و الدراسة. أشار (رحمه الله) إلى أنّ المسألة ليست متعلّقةً بقيمة النقد بل المهمّ هنا شیوع النقد و رواجه؛ بمعنى أنّ المدين عندما استلم المبلغ حین الاقتراض، استلمه و قد كان النقد يعدّ متداولاً شائعاً. و لذلك يجب عليه أن يؤدّي معادله من النقود المتداولة عند التأدیة، من دون أيّ التفات إلى قيمته سواء زادت أو انخفضت. بناءً على ذلك فلا دلالة لهذه الرواية علی لزوم تدارك انخفاض قیمة النقد.
ثمّ في مقام الإجابة عن هذه الاستفادة یقال إنّ هنا روایةً:
«محمد بن الحسن الصفار[5] عن محمد بن عيسى[6] عن يونس[7] قال: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع أَنَّهُ كَانَ لِي عَلَى رَجُلٍ دَرَاهِمُ وَ أَنَّ السُّلْطَانَ أَسْقَطَ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ وَ جَاءَ بِدَرَاهِمَ أَعْلَى مِنْ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الْأُولَى وَ لَهُمُ الْيَوْمَ وَضِيعَةٌ فَأَيُّ شَيْءٍ لِي عَلَيْهِ الْأُولَى الَّتِي أَسْقَطَهَا السُّلْطَانُ أَوِ الدَّرَاهِمُ الَّتِي أَجَازَهَا السُّلْطَانُ فَكَتَبَ ع الدَّرَاهِمُ الْأُولَى».[8]
سند هاتین الروایتین صحیح و کلتاهما عن یونس. في هذه الروایة قد سأل یونس أبالحسن الرضا (علیه السلام) نفس السؤال؛ لکنّ الإمام (علیه السلام) قد أجاب بما یختلف عن الجواب في تلك الروایة.
سأل يونس الإمام الرضا (عليه السلام) عن تغيير العملات المتداولة. و قال إنّ السلطان قد أسقط اعتبار العملات السابقة و استبدلها بعملات جديدة، تكون من حيث الشكل أجمل، لكن من حيث القيمة الحقيقيّة و العيار أقلّ من العملات السابقة. فأجاب الإمام (عليه السلام) بأنّه في هذه الحالة يجب دفع العملات القديمة نفسها، لأنّها ذات قيمة أكثر.
تشیر هذه الرواية إلی أنّ المعيار في دفع الدين ليس رواج النقود، بل المهمّ هو القيمة الحقيقيّة. لو كان المعيار هو رواج النقود، لأمر الإمام (عليه السلام) بدفع النقود الجديدة في هذه الرواية، لكن لم يصدر مثل هذا الحكم. بل الإمام (عليه السلام) يؤكّد على أنّ المعيار هو القيمة الحقيقيّة و درجة جودة العملات.
في تجمیع هاتين الروايتين، يتبيّن أنّ المعيار في دفع الديون هو ما يكون من حيث القيمة الحقيقيّة و الاقتصاديّة في مستوی أعلی. في الرواية الأولى، كان النقد الجديد ذا قيمة أكبر فلذلك صُدر الأمر بدفعه. أمّا في الرواية الثانية، فكانت العملات القديمة أكثر قيمةً فلذا حكم الإمام (عليه السلام) بدفعها.
و بناءً على ذلك فالمستفاد من هاتين الروايتين هو أنّ المعيار هو ما يكون أكثر قبولاً من حيث القيمة و الجودة بالنسبة للدائن. و بالتالي، لا يمكن للمدين تحديد ما يودّ دفعه بناءً على رغبته، بل يجب دفع ما هو أكثر رغبةً و قبولاً لدى الدائن.