46/07/06
بسم الله الرحمن الرحیم
لزوم تدارك انخفاض القیمة/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /فقه النقد
الموضوع: فقه النقد/التضخّم و انخفاض قیمة النقد /لزوم تدارك انخفاض القیمة
ملخّص الجلسة الماضية: كان الحديث في موضوع الفقه المعاصر حول انخفاض قيمة النقد و تدارك انخفاض هذه القیمة؛ سواء فیه القول بجواز التدارك أو بوجوبه. قد ذکرنا في هذا الصدد دلائل منها تشبیه البیع بالنسیئة. کما أنّ في بیع النسیئة «للأجل قسط من الثمن» فإنّ للزمان و مروره أثراً في زیادة الثمن. تقول: أنا أبيع هذه الدار بهذا السعر نقداً و بذاك السعر نسيئةً. تقول: أبيع هذه السلعة (مثلاً ألف کیلو من الأرز) بهذا السعر نقداً، و بذاك السعر نسيئةً. هذا يعني أنّ لمرور الزمن تأثيراً في الثمن. قد ذکرنا بعض الأقوال من كبار العلماء في هذا الموضوع.
قد ذکرنا کلاماً من ابن فهد الحلّي[1] و قبل أن نرد في توضیح کلمات المحقّق السبزواريّ لاحظوا في أنّ مرور الزمن یؤثّر علی ازدیاد الثمن. ما هو تأثیر الزمان؟ عندما تريد بيع سلعةٍ ما فإذا كان البيع نقداً، تحدّد سعراً معيّناً و تقول: «أبيع هذا المنزل بهذا السعر». و لكن إذا كان الدفع مؤجّلاً؛ أي إنّ المشتري سيقوم بدفع الثمن بعد عام مثلاً، فإنّك تقول إذا أردت الدفع بعد سنة فهنا ثلاثة حسابات:
الأوّل: نقودي لدیك ثلاث سنین، لم تدفع السعر نقداً. لو كنتَ قد دفعتَ المبلغ نقداً لبعتُ لك السلعة بعشرة مليارات؛ و لكن بما أنّك ستؤجّل الدفع لمدّة ثلاث سنین، فإنّني سأتحمّل خسارةً؛ لذلك سأبيعها لك بأحدعشر ملياراً. إنّك تزید سعر السلعة ملیاراً لأجل أنّ المشتري سیدفع لك السعر بعد ثلاث سنین. فهناك تأثیر لتأخیر الدفع علی تفکّر البائع و هو أنّ السعر لم یکن لدیه مدّة ثلاث سنین. هذه محاسبات عقلانیّة.
الثاني: لعلّ قيمة هذا المنزل تتزايد مع مرور عام آخر. و أنت ترید في تأخير دفع الثمن لمدّة سنة أو سنتین أو ثلاث سنوات. و من المتوقّع أن ترتفع الأسعار خلال هذه الفترة الزمنيّة و يؤدّي ذلك إلى ارتفاع قیمة المنزل. أنا رجل عاقل و قد بذلتُ جهداً لتوفير هذه الأموال و بناء هذا المنزل، وضعت الحجر علی الحجر.
الثالث: یمکن أن تکون هذه السلعة ستصبح نادرةً بعد ثلاث سنوات، بحیث يؤدّي ذلك إلى ارتفاع سعرها کثیراً.
فلذا، هناك ثلاثة احتمالات لدیك أیّها العاقل التي تؤثّر في محاسباتك. عندما يقول المشتري إنّي لا أستطيع الدفع نقداً و سأدفعه بعد ثلاث سنوات، فإنّك أیّها الشخص العاقل تفكّر في أنّ الدفع إذا تحقّق بعد ثلاث سنوات فأنا افتقد نقودي خلال هذه الثلاث و سوف أتضرّر بسبب ذلك فلأجل ذلك تضيف ملياراً واحداً إلى سعر السلعة. إذا حدثت مجاعة أو حرب أدّت إلى ندرة هذه السلعة، فإذاً سعرها سيرتفع کثیراً. ثمّ أُدرجُ هذا الارتفاع في محاسباتي و أضیف ملیاراً آخر إلی السعر. یمکن أن یحدث تضخّم يؤدّي إلى ارتفاع الأسعار بشكل عام، لذلك سأضيف ملياراً ثالثاً إلى السعر.
يفكّر المشتري أيضاً في الأمر فإذا رأى أنّ الأمر مفيد، يقول: سأشتري هذه السلعة التي تبلغ قيمتها عشر مليارات بثلاثة عشر ملياراً و سأدفع الثمن بعد ثلاث سنوات. و يطلق على هذا «للأجل قسط من الثمن». يتّفق جميع العلماء على ذلك الأمر.
هناك عدّة أسباب لارتفاع الأسعار: أوّلها أنّ النقد لا یکون لديّ لمدّة ثلاث سنوات. ثانيها أنّه یمکن صیرورة هذا السلعة نادرةً، فمثلًا أنا أبيعك عشرة آلاف کیلو من القمح و یمکن أن لا یوجد هذا القمح في المستقبل فیرتفع سعره کثیراً. ثالثها قد يحدث تضخّم يؤدّي إلى ارتفاع الأسعار بشكل عام.
تفاوت ماهیة البیع مع القرض
لقد قبلتم أنّ في البیع هذه القصّة. لکنّ البیع و القرض مختلفان ماهیةً و الفرق أنّه لا تأثیر لتأخیر الثمن في القرض؛ أي إنّي أستقرض منك عشرمیلیارات تومان و أنت تقبل أن أدفعها بعد عامین. إنّ أحد أبعاد المحاسبة في البیع قد انتفی في القرض و هو التأخیر؛ لم تکن لديّ النقود لمدّة ثلاث سنوات و هذا أمر مفروغ عنه في القرض. و سيثيبك الله- تعالى- أجراً أعظم من الصدقة، ثمانيةعشر ضعفاً. أنت تقول إنّي أقبل إحدی هذه التأثیرات لأجل الثواب؛ لأنّ ماهیة القرض هي أنّي أعطیك الآن النقدَ و ستردّه إليّ بعد عامین. و لكن هناك تأثیران آخران لا يدخلان في ماهیة القرض. أوّلهما احتمال ندرة السلعة و عدم قدرتي على الحصول عليها في المستقبل، ثانیهما ارتفاع الأسعار بسبب التضخّم.
قلنا إذا كان الشرط عقلائیّاً و قبله المـُقرض فلا بأس به؛ تقبل أخذ ذاك المبلغ نفسه. و الآن نفترض أنّك تقول: إنّني أعطيك قرضاً حسَناً؛ و لكن إذا تغيّرت الأسعار، فعليك أن تعوّضني عن هذا التغيير. یقول بعض الفقهاء کالقائد المعظّم للثورة و آیة الله المکارم و آیة الله النوريّ إنّ هذا لیس من الربا.
قال المحقّق السبزواريّ رحمهالله: «ثمَّ إنّ بیع المتجانسین من المکیل و الموزون أقسام. الأوّل: نقداً مثلاً بمثل، و هذا یجوز بلا إشکال. الثاني: نقداً متفاضلاً لا یجوز بلا إشکال أیضاً. الثالث: نسیئةً مثلاً بمثل و هذا لا یجوز، لما تسالموا علیه من أنّ «للأجل قسط من الثمن» بتحقّق التفاضل فیحرم و یبطل من هذه الجهة. الرابع: نسیئةً متفاضلاً لا یجوز علی ما یظهر من المشهور لعمومات المنع، و لکن یمکن جعل الزیادة فی مقابل المدّة فیتحقّق التماثل».[2]
إنّ لبیع السلعتين المتجانستین من المکیل و الموزون أقساماً أربعةً:
الأول: بیع النقد مثلاً بمثل و هو جائز بلا شك.
الثاني: بیع النقد بالتفاضل و هو حرام بلا شك.
الثالث: بیع النسيئة مثلاً بمثل؛ مثل أن تعطي عشرة كيلوات نقداً و تأخذ عشرة كيلوات أخرى نسيئةً. و هذا أیضاً حرام؛ لأنّ جميع العلماء يقبلون «للأجل قسط من الثمن». ليس معقولاً أن تعطي عشرة كيلوات نقداً الآن ثمّ تأخذ عشرة كيلوات بعد مدّة. ما هذه المعاملة؟ إنّه باطل و حرام.
الرابع: بیع النسيئة مع التفاضل؛ إن جُعل الأجل مقابل زيادة فإذن یتحقّق التماثل و إلّا فلا. فإن كانت هناك زيادة فهي ربا، مع أنّ هذا تماثل و ليس بزيادة.
یستفاد من كلام المحقّق السبزواريّ (رحمه الله) أنّ الأجل يوجب تفاضلاً و له آثار ليست بربا، هذا رأیه الذي ذكره في باب البيع. إذا أردت معاملةً نسيئةً فلابدّ أن يكون أجلها معلوماً، كأن يكون ستّة أشهر أو سنةً أو سنتين و ليس في هذا خلاف. إن لم يُحدِّد أحدٌ الأجلَ أو حدَّده و لكنّه مجهولٌ كما إذا جعله قدومَ الحاجّ فإنّ ذلك باطل؛ لأنّ قدوم الحاج لیس معلوماً. جميع العلماء يستدلّون بأنّ «للأجل قسط من الثمن» إن كان الأجل ستّة أشهر كان له ثمن و إن كان سنةً كان له ثمن آخر. كلّما زاد الأجل ارتفع السعر.[3] [4] [5] [6] [7] [8]
إذن فقد استفدنا من كلام أکابر العلماء أنّ الأجل قد يكون مؤثّراً في الثمن؛ فلذا يجوز لحاظ زيادة السعر بسبب الأجل. أمّا في القرض الحسن حیث توجد فیه مسألة الأجل في ماهیة القرض؛ أي أنّي إذا أعطيك النقود حتّی آخذه بعد ستّة أشهر فإنّني قد قبلت هذا التأخير الذي هو أحد آثار القرض و لا أطلب منك زيادةً في الثمن مقابله؛ و لكن يجوز لي طلب زيادة في الثمن بسبب التضخّم أو المجاعة، أمّا زيادة الثمن بسبب مرور ستّة أشهر دون أن يكون النقود في يديّ فلا يجوز؛ لأنّي أقرضت لله- تعالى.
قد سبق منّا أنّه یوجد الآن بين الناس شرطٌ و هو ردّ نفس المبلغ. لکن إن اتّفقنا على أن أستردّ نفس المبلغ من دون زيادة بسبب التضخّم أو المجاعة، فلا إشکال في ذلك. و إن اتّفقنا على خلاف ذلك، بأن أقول إنّي أقرضك النقود فإن لم یکن هناك تضخّم فعلیك أن ترجع إليَّ نفس المبلغ و إن وجد التضخّم بنسبة ثلاثین بمأة فعلیك ردّ المبلغ بنسبة عشرین بمأة أو رُدّه بقیمة الذهب و الفضّة؛ فهل هذا الشرط جائز شرعاً؟ نحن نقول إنّه جائز.
المعاملات تختلف عن العبادات. ففي العبادات لا يجوز فعل شيء إلّا بتعبّد شرعي؛ أي بإذن من الشارع، كأن تکون هذه الصلاة ركعتین و تلك الصلاة أربع ركعات. لابدّ من وجود نصّ صريح في القرآن أو السنّة لإتیان هذا العمل؛ لکن في المعاملات فالأمر فيها عقلائيّ؛ أي إذا أیّد العلماء صحّة معاملةٍ ما و لکن ورد نصّ شرعي صريح يمنع منها، فهي حرام؛ و لکن إذا لم یرد نهي هکذا فإنّ ذلك تأیید من الشارع. هذه المعاملة و إن لم توجد في زمن الشارع فإنّ سكوت الشارع و عدم نهيه عنها كافٍ لإباحتها.
معیار قیمة النقد
تقدّر قيمة جميع السلع و الخدمات بالنقد. فمثلاً تبلغ قيمة زيارة الطبيب العام مئة ألف تومان و زيارة الطبيب الاختصاصيّ مئةً و خمسين ألف تومان. تختلف أسعار أنواع الأرز كالطارم و غيره. قيمة كلّ خدمة و سلع تحدّد بالنقد و لكن بأيّ شيء تحدّد قیمة النقد نفسه؟ النقد هو القيمة بعينها؛ أي هو القیمة بحدّ ذاته. قد ادّعی هذا المطلب آية الله الشاهروديّ رحمه الله.[9]
لماذا تعتبرون النقد مثلیّاً؟ بل قولوا إنّ النقد قیميّ؛ إنّه الثمن و عين القيمة. ما قيمة عشرة آلاف تومان منذ مئة عام؟ كم بيتاً كان يمكن شراؤه بها؟ الآن، لو أعطيت عشرة آلاف تومان للفقير، فلن يقبلها. قيمة كلّ شيء تعتمد على النقد و قيمة النقد نفسه تعتمد على قيمته الذاتيّة و قدرة الشراء به.
النقد لا مثليّ و لا قیمي
المثليّ و القيميّ يتعلّقان بالسلع أو الخدمات التي لها موضوعيّة. هل يمكن أن تقول عن هذا العمود إنّه أعمى أو بصير؟ لا! لعدم قابلیّه. تُسمّى هذه العلاقة بـ«العدم و الملکة». النقد أیضاً لا یكون مثلیّاً و لا قيميّاً. المثليّ هو ما له موضوعيّة مثل القمح؛ لأنه يُراد منه صنع الخبز. الغنم فهي قيميّ؛ لأنّ لها موضوعیّةً في الأکل. لكنّ النقد لا مثليّ و لا قيميّ؛ لعدم موضوعیّته بذاته. الحاجة إلى النقد طریقيّة و هي لبلوغ القمح أو الغنم.