« قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

45/11/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 إشکال تعلیقیّة التأمین؛ الإجبار علی التأمین/ ماهیّة التأمین/التأمین

الموضوع: التأمین/ ماهیّة التأمین/ إشکال تعلیقیّة التأمین؛ الإجبار علی التأمین

خلاصة الجلسة السابقة: بلغ بحثنا في الفقه المعاصر حول «عقد التأمین» إلی أنّ هناك إشکالاتٍ علی هذا العقد؛ منها: إشکال «أکل المال بالباطل» فإنّ المستأمن قد أعطی مبلغاً للمؤمّن و لکن لا تقع حادثة فلا یعطي المؤمّن شيئاً مع أنّه قد أخذ حقّ التأمین. یمکن أن یقال عکس ذلك من أنّ المؤمّن قد أعطی أعشار ملایین للخسارة مع أنّه قد أخذ بضعة ملایین. لأجل الجواب لهذا الإشکال یجب أن نفسّر کلامه- تعالی: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَينَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾[1] . قد فسّروا قوله- تعالی- بمعنیین:

المعنی الأوّل: «لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَينَكُمْ بِسَبَبٍ بَاطِلِ»؛ «باء» في «بالباطل» الباء السببیّة؛ یعني: «بعقودٍ باطلة»؛ لا یجوز أن یوجد لدیه أکل مال بسبب باطل؛ کالرشوة و الربا و الکذب و نحوها. هل التأمین یکون مصداقاً لأکل المال بالباطل؟ قلنا إنّ عقد التأمین ینطبق علی عقد الضمان أو یکون قابلاً للتصحیح بعنوان عقد عقلائيّ خارج عن العقود التوقیفیّة؛ فالسبب حیئئذٍ لیس باطلاً.

المعنی الثاني: إنّ بعض طرفي المعاملة یأخذ النقد مقابل «لا شيء». من عمل للآخر شيئاً ثمّ أخذ منه مبلغاً لأجرته فلا بأس به؛ إذ یقال إنّه قد سعی و تعرّق فله أجر ذلك و هذا لیس أکلاً للمال بالباطل؛ لأنّه في مقابل العمل و السعي. و لکنّ الذي لا یعمل عملاً و لا یسعی سعیاً و قد أراد النقد فعمله أکل المال بالباطل. لیست الباء في «بالباطل» هنا بمعنی السببیّة؛ إذ لم یعمل شيئاً.

هل یکون في التأمین أکل المال بالباطل بالمعنی الثاني؟ قد أعطی أحد عشرة ملایین تومان للمؤمّن و لکن حیث إنّ قیادته للسیّارة جیّدة لا تقع له حادثة أبداً. ثمّ ذهب بعد مضيّ مدّة العقد إلی شرکة التأمین و عقد عقداً جدیداً للتأمین فیقال له أعط عشرة ملایین آخر، قال المستأمن لم تقع لي حادثة فلماذا أعطي نقوداً مرّة ثانیةً؟ إنّي لم آخذ منکم خسارةً و إنّکم لم تعملوا لي شيئاً! فعلی هذا إنّ حقّ التأمین یکون أکلاً للمال بالباطل.

جواب هذا الإشکال: إن أعطی المستأمن حقّ التأمین في قبال الحادثة فالإشکال واردة؛ إذ لم تقع حادثة فعلی المؤمّن أن یعید حقّ التأمین إلی المستأمن. بینا أنّ حقّ التأمین لا یکون في مقابل الحادثة بل هو في مقابل «المسؤولیّة»؛ فإنّ المؤمّن قد تعاهد علی أنّه إن حدثت حادثة تدارك الخسارة. و المؤمّن و المستأمن کلاهما یدعوان أن لا تقع حادثة؛ فحقّ التأمین لیس في مقابل الحادثة، بل في مقابل التعهّد. التعهّد و المسؤولیّة ذو القیمة لا الحادثة؛ فحینئذٍ لیس التأمین أکلاً للمال بالباطل.

الإشکال الرابع: تعلیقیّة عقد التأمین

من شرائط العقود التنجیز و لکنّ التأمین یکون عقداً تعلیقیّاً. یجب أن یکون العقد منجّزاً لا معلّقاً علی الشرط. إن قال: «بعتُ داري إن جاء زید» فالبیع باطل؛ إذ قد علّق البیع علی مجيء زید. لیس عقد التأمین تنجیزیّاً؛ إذ المؤمّن قد تعاهد علی تدارك الخسارة إن وقعت حادثة و هذا العقد معلّق علی وقوع الحادثة. نعم إذا کان الشرط من الشرائط المحقّق وقوعها فلا بأس به؛ مثل أن یقول: «بعتُ داري إن طلعت الشمس».

جواب الإشکال: لیس حقّ التأمین في مقابل الحادثة حتّی یقال إنّه معلّق علیها، بل یکون مقابلاً للمسؤولیّة؛ إذ الحادثة یمکن أن تقع و یمکن أن لا تقع و لکنّ المؤمّن قد تعاهد إن حدث حادثة فإنّه سیتدراك الخسارة. ثمّ إنّ حقّ التأمین لیس مناسباً لمقدار الخسارة و لا معنی لأن یعطی عشرة ملایین في مقابل ثلاثة ملیارات.

الإنتاج من بحث التأمین

یمکن تصحیح عقد التأمین من وجهة نظر العقود الشرعیّة بتطبیقه علی الضمان.

من جانب آخر لا تکون العقود توقیفیّةً بل هناك عقود عقلائیّة کعقد التأمین الذي لم یردع الشارع عنه.

ثمّ إنّه قد استشکل بأنّ عقد التأمین غرريّ فقد أجیب عنه بأنّه لیس غرریّاً.

و قد استشکل بأنّه من المقامرة و أکل المال بالباطل و من العقود المعلّقة فقد أجنبا عن هذه الإشکالات؛ فالمقتضي للصحّة موجود و المانع مفقود و لیس في عقد التأمین مانع من صحّته.

عقد التأمین عقد عقلائيّ لا یرتبط فقط بالجمهوریّة الإسلامیّة. و إن صحّ، صحّ في جمیع البلاد الأخر. العقود إمضائیّة و قد قبل عقلاء العالم عقد التأمین و حیث لم یردع الشارع عنه فهو عقد صحیح.

الإجبار علی التأمین

هل یجوز للحکومة أن یجبر الناس علی انعقاد نوع خاصّ من التأمین؟ مثلاً یجبرهم علی التأمین الصحّي مع أنّه یقول المستأمن إنّي شابّ و لا أحتاج إلی التأمین الصحّي. أو تجبر الحکومة صاحب السیّارات أن یؤمّنوا سیّاراتهم. لم یتمّ ترویج التأمین في بلدنا لکن في بعض الدول قد اهتمّوا کثیراً في مسألة التأمین. رغم أنّ الغرب یهتف عادةً لحقوق البشر؛ مع أنّهم قد سکتوا في مسألة غزّة و فلسطین عن قتل کثیر من النساء و الولدان و الأبریاء.

لا یجوز الإجبار قطعاً من وجهة نظر الحکم الأوّلي فإنّ من شرائط صحّة العقد الاختیار و إن وقع فیه إجبار بطل العقد؛ فمن حیث الحکم الأوّلي لا یجوز الإجبار علی التأمین و لکنّ الحکم الثانويّ یکون بید الوليّ الفقیه و إن رأی هو فیه مصلحةً و أجبَرَنا علیه فعلینا أن نطیعه فیه.

إذا أخِذَت المصالح العامّة بعین الاعتبار و أنّه هل التأمین یکون نافعاً للناس أم ضارّاً بهم فإنّ عقلاء العالم یقولون هو نافع لهم. إنّ المؤمّن قد أعطی عشرة ملایین حتّی ینام لیلته بهدوء. من کان بائعاً للذهب فلا محالة یؤمّن ذهوبه؛ إذ یمکن في کلّ حین أن یأتي سارق فلا یبقی له شيء و ستبید ذهوبه. للتأمین أساس عقلائيّ و الإجبار علیه أمر عقلائيّ أیضاً. من لم یؤمّن فمن الممکن وقوع حادثة و یمکن أن یُسجن و تتعرّض عائلته للمشاکل.

قال آیةالله السبحانيّ (حفظه‌الله): «هل يجوز إجبار الناس على التأمين أو إجبار الشركات التجاريّة على تأمين أموالها التجاريّة البريّة أو البحريّة أو إجبار أصحاب المعامل على تأمين عمّالها أو غير ذلك؟ الظاهر لا، لفقدان طيب النفس إلاّ أن يكون هناك حكم حكوميّ على لزوم عقد التأمين».[2]

الإشکال الخامس: ربویّة التأمین

قد استشکل بعض بأنّ عقد التأمین عقد ربوي. یأخذ المؤمّن النقود من الناس و یجعلها في صندوق و یأخذ نسبةً مئویّةً من الربا حتّی إذا حدثت حادثة فهو الذي یتدارك.

جواب الإشکال: لا ربط بین المعاملة و بین کیفیّة عمل المؤمّن مع النقود، یمکن أن یصرفها في القمار أو الزنا أو کلّ معصیّة أخری و لیست بین فعله و عقد التأمین أيّة علاقة فلا یبطل عقد التأمین بفساد عمله.

 


logo