< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

45/04/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: التأمین/ ماهيّة التأمین/ کون التأمین جعالةً؛ کونه مضاربةً

خلاصة الجلسة السابقة: کان بحثنا في الفقه المعاصر حول «التأمین» في أنّ عقد التأمین ینطبق علی أيّ العقود الشرعيّة؟ من العقود، عقد الجعالة. قال الشهید الأوّل (رحمه‌الله) في تبیین عقد الجعالة: «الجعالة صيغة ثمرتها تحصيل المنفعة بعوض مع عدم اشتراط العلم فيهما».[1]

للجعالة طرفان؛ «الجاعل» و هو الذي جعل أجرةً لإتیان فعل و «العامل» هو الذي أتی بالفعل و یمکن أن لا یکون مقدار الأجرة و مقدار الفعل معلوماً. و الأجرة في عقد الإجارة کانت معلومةً و معلوم أیضاً أيّ فعل یجب أن یؤتی به و لکن لیس الأمر في الجعالة هکذا. علی سبیل المثال: من افتقد عدّة أموال فیُعلن بأنّ من وجد أموالي أعطیته نصفها. یمکن أن یجد العامل کلّ الأموال أو بعضها؛ فلیس معلوماً أنّه یأخذ نصف أيّ مقدار من الأموال؟

نرید أن ننظر هل یمکن أن یطبّق عقد التأمین علی عقد الجعالة أم لا؟ من یذهب لتأمین سیّارته إلی شرکة التأمین فیقولون له أعط هذا المبلغ الخاصّ حتّی نؤمّن سیّارتك. و قد عُلم أنّ میزان الجعل في عقد الجعالة لیس معلوماً، یمکن أن یکون أحد الطرفین معلوماً في الجعالة و الطرف الآخر غیر معلوم؛ فمثلاً: یقول أعطیت عشر ملایین لمن یجد الشيء الفلانيّ المفقود.

ثمّ إنّ لآیةالله الحکیم (رحمه‌الله) جملةً ظاهرةً في أنّه من الممکن أن یطبّق عقد التأمین علی الجعالة؛ کما یمکن أیضاً تطبیقه علی الصلح و الهبة. قال: «عقد التأمين للنفس أو المال ... صحيح بعنوان المعاوضة إن كان للمتعهّد بالتأمين عمل محترم له ماليّة و قيمة عند العقلاء، من وصف نظام للأكل و الشرب أو غيرهما أو وضع محافظ على المال أو غير ذلك من الأعمال المحترمة، فيكون نوعاً من المعاوضة و أخذ المال من الطرفين حلال. إنّ تحمّل المالك مؤنة المال مع الوكالة ليس حكماً شرعياً، لينظر في عموم دليله أو ملاكه للعامل في الجعالة، بل يبتني على ظهور حال الموكّل في ذلك، بحيث يستفاد من الوكالة صريحاً أو تبعاً و ذلك لا يستلزم ظهور حال الجاعل في ذلك. و لذا لا إشكال ظاهراً في تحمّل العامل مؤنة نقل المال، مع عدم تحمّل الوكيل لها. و من هنا يتعيّن اختلاف الحال في المقام باختلاف القرائن المحيطة بالجعالة».[2]

إشکالات علی تطبیق التأمین علی الجعالة:

الإشکال الأوّل: هنا سؤال و هو أنّ المال في الجعالة یکون عوضاً عن فعل، فإن لم ترد علیك خسارة، فالمبلغ الذي أعطیته إیّاه للشرکة یکون في مقابل أيّ شيء؟

جواب الإشکال: النقد في مقابل التعهّد و لیس في مقابل الخسارة حتّی یرد الإشکال بأنّ الجعل لیس في مقابل شيء. الجعل في مقابل التعهّد الذي له مالیّة عند العقلاء. مثلاً: من أمّن نفسه تأمین الحیاة، یمکن أن یعیش سنین متمادية و یعطي في کلّ سنة مبلغاً لشرکة التأمین و الشرکة أیضاً تکون متعهّدةً لأن یعطي مبلغاً بعد موته إلی ذي النفع. و من الممکن أن یموت غداً بعد یوم العقد و یجب علی الشرکة أن یعطي الخسارة.

الإشکال الثاني: الجعالة عقد جائز و لکنّ التأمین عقد لازم فیمکن لك قبل أن یجد العامل مالك أن یُعلن بأنّي لا أکون جاعلاً بعد هذا و لکن في عقد التأمین فعلیك إعطاء النقود بعد العقد و تصیر الشرکة متعهّدةً لإعطاء الخسارة و لا یمکن فسخ العقد.

جواب الإشکال: الجعالة جائزة إلی حین لم یفعل العامل عملاً و أمّا إذا وجد العامل المال یصیر العقد لازماً و علی الجاعل إعطاء الأجرة للعامل و لا یمکن له أن یقول انصرفت. النقد المؤتی‌به‌ في التأمین یکون مقابل التعهّد؛ ثمّ بعد إعطاء النقود فالشرکة في أوّل زمان العقد متعهّدة أیضاً؛ فیصیر عقداً لازماً. إن جعل النقد مقابل الخسارة فلا خسارة بعد و إن کان العقد جعالةً فیصیر عقداً جائزاً، لکن یکون مقابل التعهّد الذي ینعقد أوّل زمان العقد فتصیر الجعالة لازمةً.

الإشکال الثالث: لیس هنا قصد عقد الجعالة، فما قصد المتعاقدین في التأمین؟ هل یکون قصدهما الجعالة؟ نعم إن کان المکلّف عالماً بالأحکام بحیث یقول عند عقد التأمین: «من تعهّد لي مدّة سنة واحدة إعطاء الخسارة لي، فإنّي أعطیه هذا المبلغ من النقود»، فهذا عقد الجعالة و لکن هل یکون قصد کلّ من یذهب إلی شرکة التأمین لانعقاد التأمین، هذا؟ فإنّ آیةالله السبحاني (سلّمه‌الله) معتقد بأنّ الناس لیست من قصدهم الجعالة و لیسوا عالمین بشرائط الجعالة بأجمعهم؛ فلا یمکن تطبیق التأمین علی الجعالة فإنّ العقود تابعة للقصود.[3]

هذا الإشکال وارد فحینئذٍ یمکن تطبیق التأمین علی الجعالة فیما علم الطرفان بشرائط الجعالة مع قصدهما إیّاها.

الإشکال الرابع: الجعالة «إیقاع» لا «عقد»؛ أي في الجعالة إیجاب بلا قبول. أنا آخذ مکبّرة الصوت و أنادي في القریة «أیّها الناس! إنّ لديّ معزین فافتقدا. من وجدهما فسأعطیه واحداً منهما» ثمّ إنّ بعض أهل القریة یجدهما و یسلّمهما و یمتلك واحداً منهما من دون أن یکون هناك قبول و لکن في التأمین إیجاب و قبول معاً.

جواب الإشکال: نعم لیس في الجعالة قبول و لکن لیس في وجوده ضرر علی الجعالة. ففي المثال المتقدّم الذي فیه إیجاب بشکل عام إن قال أحد قبلت فلا بأس به.

کون التأمین مضاربةً

هل یمکن تطبیق عقد التأمین علی عقد المضاربة؟

قال الشهید الأوّل (رحمه‌الله) في تعریف المضاربة: «المضاربة و هي أن يدفع مالاً إلى غيره ليعمل فيه بحصّة معيّنة من ربحه».[4]

إشکالات علی تطبیق التأمین علی المضاربة:

الإشکال الأوّل: اعتقد المشهور من الفقهاء أنّ عقد المضاربة عقد جائز و یمکن للشخص أن یأخذ المال من العامل بعد مدّة و لکن بعض الفقهاء مثل آیةالله المکارم و آیةالله السبحاني[5] (سلّمهماالله) یعتقدان بأنّ المضاربة عقد لازم؛ فعلی مرأی المشهور فلیس التأمین قابل التطبیق علی المضاربة.

الإشکال الثاني: إنّ الشرکة المؤمّنة تصیر مالکاً للنقود في عقد التأمین و لکنّ العامل في المضاربة فلا یصیر مالکاً لرأس المال بل له اختیار التصرّف فیه فقط.

 


[5] نظام المضاربة في الشريعة الإسلاميّة الغراء، الصفحة: 14.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo