بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی
45/04/15
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: التأمین/ ماهیّة التأمین/ کون التأمین عقد الجعالة
كان بحثنا في الفقه المعاصر حول مشروعيّة «التأمين»، هل یمکن تطبیق عقد التأمین علی عقد الهبة المعوّضة؟ قيل لفهم المطلب: قد یعطی المال مقابل تعهّد الخسارة. أنت مالك السیّارة تذهب إلى شركة التأمين و تدفع مبلغاً قبال تعهّد الشرکة للخسارة الواردة علی سیّارتك. یمکن ألّا یمسّك ضرر خلال عام العقد و یمکن أن يحدث شيء و ترد خسارة فالشركة یتعهّد أنّه إذا وردت خسارة قامت بتداركها؛ فما أعطیتَ من النقد فهو مقابل التعهّد و الشرکة أجیر في دفع الخسارة. هل هذا عقد الهبة؟ يمكن تصویر صورة أخرى و هي أن یقال: أعطيك هذه النقود لمحافظتك عن هذه السیّارة؛ كما لو قمتَ باستیجار شخصمّا لمحافظة مالك و إذا لم یحفظ فهو ضامن. ثمّ إنّ الشرکة في الحالة الأولى تکون أجیراً علی التعهّد و في الثانية علی المحافظة.
مقتضی عقد الإجارة هو أنّه إذا أفرط الأجیر أو فرّط فهو ضامن تدارك الخسارة؛ مثل أن أوجر لتنظیف البیت و لکن انکسرت مزهريّة فإن کان الأجیر لم یفرط أو یفرّط فلیس ضامناً لتدارك خسارة المزهریّة. قد یقال في عقد الإجارة «نظّف هذا البیت و إذا انکسر شيء لأيّ سبب من الأسباب فأنت له ضامن» فلا بأس في مثل هذه الشروط؛ إذ الضمان لیس جزءاً لمقتضی عقد الإجارة بل یکون مخالفاً لإطلاقه. نطبّق الآن علی عقد التأمین: أنت تتعاقد مع شركة التأمين علی أن تدفعها مبلغاًمّا في مقابل تعهّد الشرکة بتدارك الخسارة الواردة علی سیّارتك. هذا التعهّد یکون مخالفاً لإطلاق الإجارة غیر مخالف لمقتضاها. لنفس التعهّد ماليّة و له قیمة عند عقلاء العالم.
لقد أشار إلی هذه النکتة الشيخ الأنصاريّ (رحمهالله) أيضاً. [1]
قد أشکل آیةالله السبحاني (سلّمهالله) علی تطبیق التأمین علی الهبة المعوّضة و الإجارة. في بعض الأحيان يكون الشخص العارف بالأحکام الشرعيّة ناویاً عند عقد التأمین الهبة المعوّضة أو الإجارة؛ مثلاً: یقول إنّي أعطیك هذا المبلغ و تعهّد أنت علی أنّه إذا حدثت خسارة دفعتَ مبلغ الخسارة و إلّا فالمبلغ هبة لك. و لكن هذا ليس ما یفعله عامّة الناس الجاهلین بالأحکام الشرعيّة و إذا سألتهم هل وهبت النقود؟ يقول إنّه لم یهب. العقود من ناحية أخرى مبتنیة علی قصد الطرفین؛ قیل «العقود تابعة للقصود»؛ فرکن العقد هو القصد الذي لم یوجد هنا أيّ قصد للهبة. هذا الإشکال من آیةالله السبحاني (حفظهالله) في مقابل استدلال آیةالله الحکیم (رحمهالله) الذي قد أراد أن یطبّق التأمین علی الهبة المعوّضة. [2]
هل یمکن تطبیق التأمین علی عقد الجعالة؟
قال الشهید الأوّل (رحمهالله) في تعریف الجعالة: «الجعالة صيغة ثمرتها تحصيل المنفعة بعوض مع عدم اشتراط العلم فيهما».[3]
ثمّ إنّ في عقد الجعالة طرفین «الجاعل» و «العامل». الجاعل هو الذي یجعل الجعالة و العامل هو الذي یعمل العمل. مثلاً لدیك عدّة أغنام مفقودة و تعلن أنّ من وجدها أعطیته نصفها. ثمّ وجدها و أحضرها من لم تره حتّی عند الإعلان فهو مالك نصف الأغنام. یمکن أن تفقد عشراً من الأغنام و وجد أربعاً منها فهو یملك أیضاً إثنین منها. یوجد في الجعالة الجهل بخلاف الإجارة التي قد أوجر الدار عینها بمبلغ معیّن و أمّا في الجعالة فلیس معلوماً ما یقوم به الجاعل و لیست معلومةً أیضاً مدّة الفحص عن الأغنام. یمکن أن یفحص ساعةً أو عدّة أیام. یوجد الجهل بالنسبة إلی العوض أیضاً؛ یُعطی العوض بقدر توفیقه في العمل.
هل یمکن تطبیق عقد التأمین علی عقد الجعالة؟ یستفاد من ظاهر کلام آیةالله الحکیم (رحمهالله) أنّه ممکن.[4]