بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی
45/03/23
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: التأمین/الموارد الفقهیّة المماثلة للتأمین/
خلاصة الجلسة السابقة: یکون بحثنا في الیوم الثلثاء من کلّ أسبوع الفقه المعاصر حول التأمین، هل التأمین جائز أم لا؟ قبل الدخول في البحث ینبغي أن نعلم أنّ هناك نماذج في الأحکام الإسلاميّة مماثلةً للتأمین.
الموارد الفقهيّة المماثلة للتأمین:
ضمان العاقلة[1] :
من الموارد المماثلة للتأمین «ضمان العاقلة». معنى التأمين هو أن تقوم أنت و الآخرون المتعاقدون مع شركة التأمين بدفع مبلغ حتّی یعطي الجماعة التضمین للضرر الذي لحق بسیّارتك بعد الحادثة الغیر العمديّة و إن حدث الضرر علی سیّارة الآخر فأنت الذي تساعد علی أن یُعطی التضمین. إن قتل أحد أحداً متعمّداً فهو الذي یجب أن یُقتصّ و إن قتله قتلاً شبیهاً بالعمد فعلیه أن یعطي التضمین و لکن إذا کان القتل خطأً محضاً فعلی العاقلة (بناءً علی واحد من التعاریف هي من یرث من المیّت) أن یعطوا التضمین. في مسألة ضمان العاقلة أیضاً کقرار التأمین هناك عدّة هم یتعهّدون إعطاء التضمین.
ضمان الجریرة: مورد آخر مشابه للتأمین و هو «ضمان الجریرة». في الإرث طبقات مختلفة؛ الطبقة الأولی الآباء و الأولاد و الثانیة الإخوة و الأجداد و الثالثة الأعمام و الأخوال. إن فقد واحد من هذه الطبقات فالإرث للمولی المعتق (هذا المیّت عبد في زمان و أعتقه مولاه و هو بعد عتقه یستحصل أموالاً و مات الآن و لیس له وارث فهذه الأموال لمولاه الذي قد أعتقه من قبل) و إن فقد المولی المعتق فالإرث لضامن الجریرة. ضامن الجریرة هو أنّ الرجلین الذينِ لا وارث لهما یعقدان بینهما عقداً علی أن یرث أحدهما الآخر بعد موته و علی أن یجبر أحدهما التضمین إن حدثت للآخر حادثة. ثمّ إنّ- في التأمین- الأشخاص التي یعقدون عقد التأمین، یساعد بعضهم بعضاً عند حدوث حادثة. من عَقَد التأمین یمکن أن یکون قصده نفسَه فقط؛ بمعنی أنّه إن حدث ضرر علی سیّارته فشرکة التأمین یجبر تضمینه و لکن عقده هذا باعث الخیرات و إن حدث حادث لآخر فالذي قصد نفسه أیضاً یشارك في إعطاء تضمین المتضرّر.
معاش التقاعد: في روایة: «عَنْ رَجُلٍ بَلَغَ بِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِالسَّلاَمُ) قَالَ: مَرَّ شَيْخٌ مَكْفُوفٌ كَبِيرٌ يَسْأَلُ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِالسَّلاَمُ) «مَا هَذَا» فَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَصْرَانِيٌّ قَالَ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِالسَّلاَمُ) «اِسْتَعْمَلْتُمُوهُ حَتَّى إِذَا كَبِرَ وَ عَجَزَ مَنَعْتُمُوهُ أَنْفِقُوا عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ».[2]
یستفاد من الروایة أنّه إذا حان أوان تقاعد الأشخاص و هم لا یقدرون علی العمل، فیجب أن یُساعَدوا من بیت المال. سند الروایة ضعیف و لکنّا لا نقصد النظر فیها فقهیّاً بل نرید القول بأنّ هناك موارد مماثلةً للتأمین في الشریعة و لا یبعد أنّ التأمین له أصل شرعي.
عقد «حلف الفضول»: إنّ بعضاً من الفتیان یعهدون علی أنّه إذا صار شخص مظلوماً انتصروا له. قصّة هذا العهد أنّ رجلاً من یمن ذهب إلی مکّة فعامل مع أبي عمروعاص و باع منه شيئاً فآتی أبوعمروعاص بعض الثمن و لم یؤتِ بعضه الآخر. و مهما صرخ الیمنيّ و قال أعطني مالي فلم یجبه أبوعمروعاص. ثمّ صعد الیمنيّ جبلاً فصاح بالناس حتّی ینصروه. و اجتمع شبّان مکّة في منزل و فیهم النبيّ الأکرم (صلیاللهعلیهوآله) الذي لم یبعث بعدُ. تکلّم الشبّان في هذا المجلس و قالوا لا یجوز أن یأتي أحد إلی مدینتنا ثمّ صار مظلوماً هکذا؛ فتعاهدوا علی أن ینصروا هذا المظلوم و کلّ من ظُلم بعده و علی أن یسدّوا أمام کلّ ظالم. قال النبيّ (صلیاللهعلیهوآله) إنّه عمل صالح و أوافق علی هذا العمل في المستقبل.
لو اجتمع عدّة من الناس و حلّوا مشاکل المجتمع فهو مشروع و الأمر في التأمین هکذا من أنّ بعض الناس یضعون نقوداً في صندوق التأمین لیُعطی التضمین لمن حدثت له مشکلة قد تضرّر منها.
من خلال هذه الأمثلة، يمكننا أن نجد موارد في الشريعة من أنّه يمكن لجماعة من الناس أن تتّفق على مساعدة بعضها البعض في حالة وقوع حادث و ضرر؛ إلّا أنّ هناك أدلّةً قويّةً حول مشروعيّة التأمين و هو ما سنتحدّث عنه في المستقبل.
﴿وَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوَى﴾[3] معنی التعاون هو المساعدة في الأعمال الصالحة. في دیة الخطأ المحض التي لم یمکن فیها لمن أضرّ أن یعطي الدیة، یجب علی الآخرین أن یتحمّلوا منه التضمین. و التأمین مصداق آیة التعاون.