< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ محسن الفقیهی

44/11/03

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الفقه المعاصر/ المسائل المستحدثة في الأطعمة و الأشربة / حرمة أکل الحشرات

خلاصة الجلسة السابقة: کان البحث في المسوخات. إنّ طائفةً من الحیوانات التي قال الفقهاء بحرمتها هي المسوخات و قد ذکرنا في المباحث السابقة بعض المسوخات التي قد ذکرت في الروایات. و هناك فاصل بین حرمة هذه الحیوانات و أصالة الحلّيّة الجاریة في الحیوانات و قد أثبتنا هناك أنّ الأصل الأوّلي في الحیوانات حلّيّة أکل لحومها لقوله: «کلّ شيء لك حلال حتّی تعلم أنّه حرام»، فإن کنّا علی یقین من أنّ هذا الحیوان حلال أو حرام فلا بحث حینئذٍ في الحکم و لکن إذا شكّ في حکمه، فأصالة الحلّيّة بأیدیکم. في مقام الاجتهاد إذا لم یکن هناك دلیل علی الحرمة فالأصل حلّيّة ذلك الحیوان، إلّا أنّ هذا الأصل لیس جاریاً في السباع؛ إذ لها الحرمة العرضيّة. و في علل الشرائع روایة معلّلة حرمة هذه الحیوانات بأکلهم المیتة و العذرة، فالسباع لیست محرّمةً أصالةً و بالذات بل الحرمة عارضة علیها بدلیلٍ. القسم الثاني الذي لا یتّبع الأصل الحلّيّة فإذاً یحرم، هي المسوخات. و هناك أیضاً روایات مخالفة دالّة علی حلّيّة بعض المسوخات و لکن استفادة فقهائنا هي أنّ المسوخات من المحرّمات. کما ذُکرت في السباع علّة الحرمة فکذلك ذکرت هنا علّة الحرمة. و هي أنّها العبرة و الخوف و الموعظة للناس؛ لیعلم الناس أنّ هناك أقواماً کبني إسرائیل قد صاروا شبیهةً بالمسوخات بدلیل ارتکابهم المعصیة الکذائيّة. إذا رأی الإنسان هذه الحیوانات فهو یعتبر أنّ من کثرت معصیته فقد یجازی بمثل تلك العاقبة في الدنیا و الآخرة. لردع الناس عن المعصیة طرق مختلفة منها وجود المسوخات.

الروایة الأخری: حَدَّثَنَا أَبِي (رحمه‌الله) [1] قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ مَاجِيلَوَيْهِ[2] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ[3] عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَالِمٍ[4] عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ[5] قَالَ: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه‌السلام) أَخْبِرْنِي لِمَ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى لَحْمَ الْخِنْزِيرِ؟ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى مَسَخَ قَوْماً فِي صُوَرٍ شَتَّى مِثْلِ الْخِنْزِيرِ وَ الْقِرْدِ وَ الدُّبِّ ثُمَّ نَهَى عَنْ أَكْلِ الْمَثُلَةِ لِكَيْلَا يُنْتَفَعَ بِهَا وَ لَا يُسْتَخَفَّ بِعُقُوبَتِهِ».[6]

هذه الروایة ضعیفة سنداً و لکن ورد مضمونها في روایات أخر.

الأولی برأینا أن یقال: «حرمة المسوخات عرضیّة، مثل السباع»، فإنّ المسوخات بذاتها و أصلها لیست محرّمةً و لکن حیث کانت هذه الحیوانات شبیهةً بالمسوخات، موعظةً للناس و تخویفاً لهم فأکلها محرّم.

حرمة أکل الحشرات

أجمع علماءنا علی حرمة أکل الحشرات مثل البقّ و الصراصر و النمل و ...

قال الإمام الخمیني (رحمه‌الله): «و كذا تحرم الحشرات كلّها، كالحيّة و الفأرة و الضبّ و اليربوع و القنفذ و الصراصر و الجعل و البراغيث و القمّل و غيرها ممّا لا تحصى».[7]

مرأی الاحتیاط في حرمة الحشرات

ثمّ إنّ بعض الفقهاء قد احتاط في الحشرات حیث قال: «إنّ كلّ لحوم الحيوانات بريّةً أو بحريّةً طائرةً أو زاحفةً أو ماشيةً حلال[8] باستثناء ما يأتي: ... الحشرات على الأحوط عدا دود الفواكه».[9]

مرأی سماحة آیةالله السیستاني (حفظه‌الله) في دود الفواکه هو أنّه: «أکل أنواع الدود حرام؛ إلّا الصغار منها التي توجد في الفواکه و مثلها حیث تؤکل معها فلا بأس بها؛ إلّا إذا کان إزالتها سهلةً فحینئذٍ یجب الاجتناب منها علی الأحوط».[10]

و قال أیضاً في الحشرات: «أکل کلّ ما یطیر من الحشرات مثل الزُنبور و البقّ و الفراشة حرام علی الأحوط إلّا الجراد منها».[11]

الاحتیاط دلیل أن لیس له فتویً في المسألة و یمکن الرجوع إلی غیره من الفقهاء الأعلم فالأعلم ممّن رأی حلّیّتها و لکن لیس في الفقهاء المعاصر من أفتی بحلّیّتها فإنّهم بین من قال بحرمتها احتیاطاً و بین من قال بها فتویً، نعم یمکن أن یفتي واحد من الفقهاء اللاحقین بحلّیّتها.

أدلّة حرمة الحشرات:

الدلیل الأوّل: الإجماع علی حرمتها

الفقهاء کلّهم قد حرّموا الحشرات احتیاطاً أو فتویً. و الإجماع هنا إن کان مدرکیّاً فلا اعتبار له.

الدلیل الثاني: کونها من الخبائث

إنّ الحشرات من الخبائث التي حرّمت في القرآن: ﴿وَ يحَرِّمُ عَلَيهِمُ الْخَبَائِثَ﴾.[12]

ثمّ إنّ کون الخبائث من المحرّمات، من الأمور النسبیّة؛ إذ الأفراد مختلفة؛ فعلی سبیل المثال نحن نتزجّر من لحم الخنزیر و لکن غیر المسلمین یحبّونه و یأکلونه. الجراد من الحشرات المأکول لحمها و لکنّا نتزجّر منها.

الدلیل الثالث: کونها مضرّةً

قال الشهید الثاني (رحمه‌الله) في المسالك: «و منها ما هي ذات سموم و أبر، فتحرم لما فيها من الضرر».[13]

الدلیل الرابع: عدم قابلیّتها للتذکیة

تحلّ الحیوانات بالتذکیة و لا تمکن تذکية الحشرات.

قال الشهید الثاني (رحمه‌الله) أیضاً: «الحشرات كالفأرة و ابن عرس و الضبّ و في وقوع الذكاة عليها تردّد أشبهه أنّه لا يقع».[14]

 

الدلیل الخامس: کونها من المسوخات

إنّ بعض الحشرات مثل الفأرة و الضبّ و العقرب و ... من الحشرات و هي من المسوخات أیضاً. فهذه النکتة تساعد علی أن نقول بحرمة سائر الحشرات أیضاً.

الدلیل السادس: سیرة المتشرعّة فیها

سیرة المتشرّعة علی أکل الحشرات منذ زمن رسول الله (صلی‌الله‌علیه‌وآله) إلی الآن و هذه السیرة إذا کانت متّصلةً بزمن المعصوم (علیه‌السلام) فهي حجّة. و الأئمّة المعصومون عاملون بها و لم یأکلوا من الحشرات و الناس أیضاً لم یأکلوا منها.

الدلیل السابع: الروایة الواردة فیها

«وَ عَنْ عَلِيٍّ (علیه‌السلام)‌ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الضَّبِّ وَ الْقُنْفُذِ وَ غَيْرِهِ مِنْ حَشَرَاتِ‌ الْأَرْضِ كَالضَّبِّ وَ غَيْرِهِ».[15]

ثمّ إنّ مجموع هذه الأدلّة أورث الإطمئنان للفقیه أن یفتي بحرمة الحشرات و حیث لا یمکن له الفتوی فلأ أقلّ من الاحتیاط فیها. برأینا یمکن أن یفتی بحرمة الحشرات.

بقیت هنا مسألة و هي مسألة دود الفواکه التي أفتی فیها بعض الفقهاء بالحلّيّة. و هذا البحث یحتاج إلی تشخیص الموضوع من أنّ هذا الدود یولّد من نفس الفاکهة أو یدخل فیها من الخارج.

الجراد من الحشرات الذي أستثني من حکم حرمة الحشرات.

القاعدة الکلّيّة في الحیوانات هي الحلّيّة و لکن لها استثنائات تشمل السباع و المسوخات و الحشرات، فإن کان هناك حیوان لم یکن من هذه الأقسام أو نشكّ في کونه منها فالأصل فیه الحلّيّة.

 


[1] علي بن حسین بن بابویه: إماميّ ثقة.
[2] إماميّ ثقة.
[3] ضعیف.
[4] إماميّ ثقة.
[5] إماميّ ثقة.
[8] لأصالة الحلّيّة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo