47/04/22
بسم الله الرحمن الرحیم
آیة؛ مئتان و واحد و ثلاثون/سورة البقرة /تفسیر القرآن الکریم
الموضوع: تفسیر القرآن الکریم/سورة البقرة /آیة؛ مئتان و واحد و ثلاثون
﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾[1]
الحديث يدور حول تفسير آية المأتین و واحد و ثلاثین من سورة البقرة.
الإحسان إلى الزوجة بعد الطلاق:
يقول الله- تعالى- في هذه الآية الكريمة: إذا طلّق الرجل زوجته و بلغت عدّتها، فله طریقان أمامَه:
١. ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾: إن كنت تنوي الرجوع إليها و إكمال المعاشرة، فيجب عليك أن تُمسكها بحُسنِ الخُلقِ و المحبّةِ و العطفِ و الرحمةِ.
٢. ﴿أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾: إن لم يمکن لك استمرارُ الحياةِ، فيجب أن تُفارِقَها بإحسانٍ، و بعيداً عن الحقد و العداوةِ، حتّی تصنع لنفسها حياةً جديدةً.
و في أثناء ذلك، يُحذّر الله- تعالى- بقوله: ﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا﴾؛ أي لا تُبقِ المرأةَ بنيّةِ إيذائها و إلحاقِ الضررِ بها. لا ينبغي تعليقُ المطلّقةِ بين «الأملِ و الخوفِ» لا تتركها لتنطلقَ حُرّةً، و لا تُعاشِرها حياةً صحيّةً. مثلُ هذا التصرّفِ هو تعدٍّ و ظلمٌ للنفس.
رعایة حقوق المرأة بعد الطلاق:
المرأة كائنٌ مفعمٌ بالمشاعر و المحبّة. و قد أوجب الله على الرجل أن يعاملها برفق. فإذا استطاع الرجل أن يواصل الحياة بالمودّة و السكينة، فعليه أن يعاشر زوجته بالأخلاق الحميدة و السلوك الإنساني. أمّا إذا لم يستطع، فيجب عليه أن يطلقها بكرم و سلام لكي تتمكّن من الزواج مرّةً أخرى و بناء حياة جديدة.
أما إبقاء الرجل المرأة في حيرة و إيذائها باستمرار، و منحها الأمل دون تنفيذ، أو إزعاجها بالألفاظ الجارحة و السلوك المـُهين، فهو سلوك مخالف للعدل و العقل و الشرع.
الظلم للمرأة هو ظلم للنفس:
يقول الله- تعالى- بعد ذلك: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾. إنّ الرجل الذي يؤذي زوجته يظنّ أنه يلحق بها ضرراً، و لكنّه في الحقيقة يزيل الهدوء و البرکة من حیاة نفسه. إنّ ظلم المرأة هو ظلم للنفس؛ أثره يظهر في الدنيا والآخرة. ففي الدنيا يسبب القلق و الصراع و الأبناء غير الأسوياء و البيت الذي تذهب منه الصفاء، و في الآخرة يوجب المؤاخذة الإلهيّة.
لا تتّخذوا آیات الله لَعِباً:
يُحذِّر الله: ﴿وَ لَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً﴾ أي: لا تتّخذوا أوامر الله هزواً. الزواج و الطلاق آياتٌ من آيات الله. غاية الزواج هي المودّة و الهدوء: ﴿لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَ يَجْعَلْ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً﴾[2] . عندما يستخدم الرجل الزواج وسيلةً للأذی و الإذلال و الانتقام، فهو في الواقع يتّخذ آياتِ الله هزواً. ينبغي أن يقوم العيش معاً على المحبّة و الرحمة و التسامح و التفاهم؛ لا على الكراهيّة و الانتقام و الإذلال.
ذِکر نِعَم الله- تعالی:
و يستمرّ- تعالی- علی قوله: ﴿وَ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ مَا أَنْزَلَ إِلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَ الْحِكْمَةِ﴾ أي: اذكروا نعم الله المادية و المعنويّة. ينبغي على المرء في الحياة الزوجية، أن يتذكّر الأشياء الجيّدة، لا الأشياء السيّئة. على سبيل المثال، ينبغي أن يقول: «هل تذكر كم عانينا للوصول إلى هنا؟ هل تتذكّر كيف أنعم الله علينا؟ لقد اشترينا منزلاً و سدّدنا ديوننا و كبُر أبناؤنا...». بتذكّر الأشياء الجيّدة، تنتعش المحبّة بين الزوجين. و لكن إذا كرّرنا الأشياء السيئة و أخطاء الماضي باستمرار، تصبح الحياة مريرةً و يختفي الحب.
تمرين العفو و التقوى:
يقول الله- تعالى- في نهاية الآية: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾، التقوى هي حفظ النفس، أي الترفّع عن الأخطاء الصغيرة و العفو عن الزلات التي تصدر من الزوج أو الزوجة.
فلا يوجد إنسان بلا عيب؛ أحياناً تخطئ المرأة، و أحياناً يخطئ الرجل. و الحياة المستقرة هي التي يقوم فيها الطرفان بالعفو، لا تلك التي يُكبِّر فيها كلٌّ منهما خطأ الآخر و يذكّره به باستمرار.
قد يرتكب كلّ من الزوجين أموراً في الحياة لا يعلم بها الآخر، و لكن الله يعلم كلّ شيء. لذلك ينبغي أن يكون بدلاً من اللوم و الإهانة، استحضار ذكر الله و طلب مغفرته، و أن يعيشا معاً بالمحبّة و العاطفة، لتُبنى الحياة على أساس الرحمة و التسامح.
الخاتمة:
تُبيِّن هذه الآية الكريمة منهج الحياة الأسريّة السليمة:
إذا أردت أن تبقى مع زوجك، فَعِشْ معه بالمحبّة و الاحترام.
و إن لم تستطع الاستمرار، فافترق عنه بالحسنى و الهدوء.
و لا تُمسِك المرأة للإيذاء أو الانتقام.
اذكر الخيرات، و اإِنسَ السيئات.
و تعلّم من نعم الله كيف يتعامل مع عباده باللطف و الرحمة.
إتقِّ الله و تسامح و اعلم أنّ الله عليمٌ بكلّ شيء.