« قائمة الدروس
التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

47/04/06

بسم الله الرحمن الرحیم

آیة مئتان و تسعة و عشرون/سورة البقرة /تفسیر القرآن الکریم

 

الموضوع: تفسیر القرآن الکریم/سورة البقرة /آیة مئتان و تسعة و عشرون

 

﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْریحٌ بِإِحْسانٍ وَلا یَحِلُّ لَکُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَیْتُمُوهُنَّ شَیْئًا إِلَّا أَنْ یَخافا أَلَّا یُقِیما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا یُقِیما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَیْهِما فیما افْتَدَتْ بِهِ تِلْکَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدوها وَمَنْ یَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[1]

یجري النقاش حول تفسیر آیة المئتین و تسعة و عشرین من سورة البقرة.

المقدّمة: ماهیة الطلاق في الإسلام:

قد ذکر الله- تعالی- مسألة الطلاق في هذه الآية الكريمة، حيث يقول: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ﴾؛ و من هذا القول يتضح أنّ الله- تعالى- غير راضٍ عن الطلاق و يعتبره أمراً قبیحاً.

كان الطلاق في زمن الجاهلية، أمراً غير محدود و غیر محصور؛ فالرجل كان يطلّق زوجته كلّما شاء ثمّ يراجعها دون أيّ قاعدة أو قيد. فجاء الإسلام و نظّم هذا الفلتان، و قال: «الطلاق مرتان؛ ليس لكم حقّ تطليق أكثر من مرّتين».

فإذا وقع الطلاق للمرة الثانية، فإنّه لا يجوز للرجل أن يراجع زوجته ثانيةً، بل يجب على الزوجة أولاً أن تتزوج من رجل آخر، و بعد أن تفارقه، يمكنها حينئذٍ العودة إلى زوجها الأوّل. و بهذا يتّضح أن الطلاق أمر صعب و مكروه، و يجب تجنبه قدر الإمكان.

الترتیب الصحیح للطلاق و ردّ رأي أهل السنّة:

يُستفاد من قوله تعالى: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ﴾ أنّ الطلاق يجب أن يتمّ على مراحل متدرّجة و مع وجود إمكانيّة الرجعة بين كل طلقة و أخرى. تعتقد الشيعة أنّه إذا قال الرجل لزوجته ثلاث مرّاتٍ في مجلس واحد: «أنتِ طالق»، فإنه لا يقع إلّا طلقة واحدة؛ لأنّ الله- تعالى- قال: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ﴾، و هذا يعني أنّ كلّ مرّة للطلاق يجب أن تكون مقرونةً بإمكانية الرجعة كي تتحقق الطلقة الثانية.

أما بعض أهل السنة فيقولون بوقوع ثلاث طلقاتٍ في مجلس واحد، و هو ما تراه الشيعة رأياً فاسداً و مخالفاً لنصّ القرآن الكريم.

السلوك مع المرأة بعد الطلاق الرجعي:

قال الله- تعالی: ﴿فَإِمْساکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْریحٌ بِإِحْسانٍ﴾؛ أي إذا أردتم إمساك المرأة، فيجب أن تمسكوها بالمعروف، أي بالتعامل الحسن، و المحبة و الاحترام و الحياة الكريمة معها. فالمرأة ذات شخصيّة و مكانة رفيعة، و يجب ألا تتعرض للظلم و الأذى. و لا ينبغي أن تكون القوّة الجسدية للرجل مبرراً للإيذاء و الاعتداء.

فإذا كنت قادراً على إدارة شؤون الحياة، فيجب أن تعيش معها بالمودة و الاحترام و مراعاة الأعراف المجتمعيّة. و لكن إن لم تستطع، فالقرآن يقول: ﴿فَتَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾؛ أي: سَرِّحْها بودٍّ و احترام. ويجب ألا يكون الفراق مصحوباً بالخصام، أو الشتم، أو التحقير، أو إجبار الزوجة على التنازل عن مهرها. بل يجب أن يتمّ بهدوء و أدب و مراعاة لحرمة المرأة.

النهي عن استرداد الأموال والهدايا:

يقول الله تعالى: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا﴾؛ قد يكون الرجل قد اشترى لزوجته هديةً أو ثوبًا أو ذهبًا أثناء فترة الزواج؛ والقرآن يقول: عند وقوع الطلاق، لا تسترجع شيئاً من تلك العطايا. يجب أن يكون الطلاق مصحوباً بالودّ و الشهامة، لا بالانتقام و المطالبة بالهدايا المستردة.

شرط جواز استرداد الحقوق في حال الخوف من الوقوع في الإثم:

و يأتي في استكمال الآية الكريمة: ﴿إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾؛ أي: إلا إذا خاف كلٌ من الزوجين أنّهما لن يتمكّنا من إقامة حدود الله والالتزام بها. في هذه الحالة، إذا كان استمرار الحياة الزوجيّة سيؤدّي إلى إثم أو فساد أو ترك للدين، فإنّ الطلاق يصبح جائزاً. و في مثل هذه الحالة، إذا طلبت المرأة الطلاق بنفسها و عرضت التنازل عن مهرها أو بعض مالها لتنال حرّيتها، فإنّ هذا الطلاق يُسمى «الخُلْع». و لكن القرآن يؤكد أنّ هذا العذر يجب ألّا يكون كاذباً أو واهياً.

فإذا ادعى الرجل أو المرأة ذريعةَ «أنّنا سنقع في الإثم» دون وجود واقع أو حقيقة لذلك، بل لمجرّد رغبة في الانفصال، فإنّ مثل هذا الادعاء غير مقبول شرعاً. و في هذه المواقف، يجب أن يتدخّل كبار العائلة (الآباء، الأمهات، الأعمام، أو الأقارب الحكماء) لفحص الوضع و اتخاذ القرار، و ذلك لمنع انهيار الحياة الزوجيّة دون سبب وجيه.

دور الأولياء و الحكام الأسريّين:

جاء تعبير القرآن الكريم ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ بصيغة الجمع؛ و هذا يعني أنكم (أيها الأهل و الأكابر) إذا رأيتم بصدق أنّه لا يمكن استمرار هذه الحياة، فعندها يكون قرار الطلاق صحيحاً. و يُظهر القرآن بهذا التعبير أنّ الطلاق لا ينبغي أن يكون قراراً فرديّاً و متسرّعاً، بل يجب أن يتمّ بالتشاور و التدقيق و التحكيم.

أقسام الطلاق من الناحية الفقهية:

في استدامة الآية، تأتي عبارة: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾، و هذه الجملة تشير إلى طلاق الخُلْع و طلاق المـُباراة:

طلاق الخُلْع: هو عندما ترغب المرأة في الطلاق، و في المقابل تتنازل عن مهرها أو شيء يزيد عليه ليُطلِّقها زوجها.

هذا النوع من الطلاق يكون في الحالة التي تكون فيها الزوجة في ضيق و عسر و لا تستطيع الاستمرار.

طلاق المـُباراة: هو الحالة التي يكون فيها كلاهما غير راضٍ عن الآخر. و في هذه الحالة، تتنازل الزوجة بقدر المهر، و يطلّقها الزوج.

و كلا هذين النوعين من الطلاق هما من أقسام الطلاق البائن؛ أي لا يصحّ الرجوع فيهما بعد وقوعه إلّا بعقد جديد.

مراعاة الحدود الإلهية في الطلاق:

في ختام الآية، يُحذّر الله- تعالى- بقوله: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾؛ هذه الأحكام هي حدود الله، فلا ينبغي تجاوزها. و من يتجاوز حدود الله، فأولئك هم الظالمون. و الظلم في الفعل قد يقع أحياناً من النساء و أحياناً من الرجال، و لكن في أغلب الحالات، يقع الظلم من جهة الرجال؛ و لذلك يُحذّر القرآن من أن تظلموا النساء.

نقطة فقهية حول هدايا الزوجين:

جاء في الفقه أنّه إذا افترق الزوجان، و قدم الرجل هبةً للمرأة، فإذا كانت عين المال موجودةً، قال بعض الفقهاء إنّه يمكن للرجل استردادها. لكن الآية التي نحن بصددها تأتي في مقام التوصية الأخلاقية و الإنسانية، و تقول: «الأفضل ألّا تستردّوا شيئاً ممّا أعطيتموهن». و ذلك لأنّ الطلاق بحدّ ذاته حادثة مُرّة، و لا ينبغي أن تُزاد مرارتها بالتصرّفات السيئة.

الخلاصة:

تُبيّن آیة مئتان و تسعة و عشرون من سورة البقرة بوضوح ما يلي:

    1. الطلاق أمر مكروه و هو الملاذ الأخير.

    2. في الطلاق، يجب الحفاظ على كرامة المرأة.

    3. استرداد الهدايا و الأموال أمر غير مستحسن.

    4. على كبار العائلة التدخّل لمنع انهيار الحياة الزوجية.

    5. في حال الضرورة، يجب أن يتمّ الطلاق بالإحسان و اللطف و مراعاة الحدود الإلهية.

 


logo