46/11/16
بسم الله الرحمن الرحیم
آية المأتين و الخامسة و العشرین/سورة البقرة /تفسیر القرآن
الموضوع: تفسیر القرآن/سورة البقرة /آية المأتين و الخامسة و العشرین
﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَ لَكِنْ يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾[1]
یجري الکلام حول تفسیر آیة المأتین و الخامسة و العشرین من سورة البقرة.
یقول الله- تعالی- في هذه الآية الكريمة بأنّه لا یؤاخذ عباده علی الأیمان اللاغیة؛ و لکن في المقابل، إذا حلف الإنسان قسماً بإرادة جادّة و نیّة قلبیّة ثمّ لم یلتزم به فإنّه یؤاخذه علیه و یسأله عنه.
مفهوم اللغو في الأيمان:
إنّ القسم في الشريعة الإسلاميّة أمر لازم الوفاء به؛ أي يجب على الإنسان أن يلتزم بقسمه و إذا خالفه، تجب عليه الكفارة. و لكن لهذا الأمر شروط و تفاصيل:
۱. الأیمان اللاغیة و عدیم الفائدة:
القسم الذي يكون متعلّقه عملاً لغواً أو باطلاً أو غير لائق أو حتى قبيحاً، فليس له لزوم للوفاء و لا تترتّب عليه كفّارة. على سبيل المثال: القسم على فعل شيء مكروه أو سيّء و القسم في حالة الغضب و عدم الانتباه و الأيمان التي تجري علی لسان الإنسان من باب العادة أو على سبيل المزاح، كلّ هذه تُعدّ أيماناً لاغیةً. و الشارع المقدّس لا يؤاخذ على مثل هذه الأيمان.
الأيمان التي يترتّب عليها حكم شرعي (أي لها أثر شرعي):
إذا حلف الإنسان بإرادة جادّة و نيّة قلبيّة على فعل خير أو ترك معصية، فإن ذلك القسم لازم الوفاء به. و في حال المخالفة (أي عدم الوفاء بالقسم)، تجب عليه الكفارة.
شرائط صحّة الیمین و اعتباره:
۱. وجوب کون متعلّق القسم ممدوحاً راجحاً:
لا ينبغي أن يكون متعلّق القسم أمراً قبيحاً أو بلا قيمة. فالقسم على ارتكاب أفعال سيّئة باطل أساساً و لا اعتبار له. القسم يكون مُلزِماً فقط إذا كان موضوعه أمراً مستحسناً مشروعاً و مؤیَّداً عند العقل و الشر
الإرادة القلبیّة و القصد الجدّي:
فقرة ﴿بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ ناظرة إلی أنّ الله سیؤاخذ بما یکسبه قلب الإنسان؛ أي یؤاخذ علی الیمین إذا کان نابعاً من قصد و نیّة جادّة.
کفّارة حنث الیمین:
في حال المخالفة للقسم الصحيح و المعتبر، تجب الكفارة التي تشمل واحداً من هذه الأمور الثلاثة: إطعام عشرة مساكين أو كسوة عشرة مساكين أو تحرير رقبة (عبد). و إذا لم يكن أيّ من هذه الکفّارات ميسورةً فإنّه يجب صيام ثلاثة أيام.
توصيّات روائيّة حول الیمین:
ورد في الروايات أنّه سواء كنتَ صادقاً أو كاذباً فحاول ألّا تحلف أبداً. و ذلك لأنّ الیمین هو نوع من الالتزام القلبي و السلوكيّ الذي قد یجرّ الإنسان إلى الخطأ. إنّ كثيراً من الناس يقسمون عند الحديث بآبائهم أو أمّهاتهم أو أحبّائهم للتأكيد؛ هذه الأیمان ليس لها اعتبار شرعاً و لا تترتّب عليها كفّارة. إنّ القسم بالله إذا كان بدون ضرورة، يُعتبر مكروهاً.
الفرق بين الأيمان العمديّة و غير العمديّة:
۱. القسم غير العمديّ و في حالة عدم الانتباه:
يحلف الإنسان أحياناً في حالة الغضب أو المزاح أو عدم الإنتباه و يكون هذا القسم ليس نابعاً من تفكير أو نيّة حقيقيّة. هذا النوع من الأقسام لا تترتّب عليه مؤاخذة و هو مشمول بالآية الكريمة: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ﴾.
القسم بنيّة و إرادة جادّة:
إذا كان القسم نابعاً من تفكير و نيّة حقيقيّة فإنّ الشخص يؤاخَذ في حال عدم الوفاء به و يجب عليه دفع الكفارة. هذا النوع من الأیمان یشملها الجزء الثاني من الآیة و هو قوله: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾.
مغفرة الله تجاه الأيمان اللاغیة:
يقول الله-تعالى- في ختام الآية: ﴿وَ اللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ و هذا يعني أنه حتى لو ارتكب الإنسان خطأ في الیمین فإنّ الله أهل المغفرة و التجلّد بشرط التوبة و التدارك و لا يعاقب العباد من فور.
من النقاط المهمّة أنّ الله- تعالی- یلاحظ الشروط و شدّتها حتّی لو حدثت مخالفة. على سبيل المثال: إذا كان الیمین في حالة الغضب أو إذا كان الشخص معتاداً على الحلف دون انتباه أو إذا لم تكن هناك نية أو مضمون جادّ وراءه، فلا توجد مؤاخذة في هذه الحالات. و لكن في المقابل إذا كان الیمین عن علم و یمیناً محسوباً و نابعاً عن قرار فإنّ المؤاخذة و الكفارة تكون واجبةً.
الخلاصة:
الیمین في الحالات النفسیّة غیر المستقرّة أو بدون نيّة جادّة، غير معتبر و لا تجب الكفارة. الیمین المعتبر هو الذي يكون بنيّة جادّة و تفكير مسبِق و متعلَّق صحيح و شرعي. في حال مخالفة الیمین الصحيح، يجب دفع الكفارة. و الله غفور حليم و لكن المؤاخذة تكون حيث يكون الإنسان قد حلف عن علم و قصد قلبي.