46/11/02
بسم الله الرحمن الرحیم
آية المأتين و الرابعة و العشرین/سورة البقرة /تفسیر القرآن
الموضوع: تفسیر القرآن/سورة البقرة /آية المأتين و الرابعة و العشرین
﴿وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[1]
یجري الکلام حول تفسیر آیة المأتین و الرابعة و العشرین من سورة البقرة.
ينهى الله- تعالى- في هذه الآية الشريفة المسلمين عن استخدامهم الخاطئ لاسمه المقدّس في أيمان لا مبرّر لها و غير ضروريّة، خاصّةً في الظروف التي تؤدّي فيها هذه الأيمان إلى ترك الأعمال الصالحة.
توضیح الآیة و شأن النزول:
كان هناك بین أصحاب النبيّ (صلّی الله علیه و آله) أفراد يواجهون من الآخرين أفعالاً سلبيّةً أو اتهاماتٍ أو اغتیاباً بعد قيامهم بأعمال الخير مثل الإصلاح بين المتخاصمين. هذه المعاملات كانت تحزنهم و تدفعهم إلى القسم بأن لا يقوموا بمثل هذه الأعمال مرّةً أخرى؛ فكانوا يقولون مثلاً: «و اللهِ لن أُصلح بين الناس بعد اليوم» أو «لن أقوم بعمل خير مرّةً أخری».
هذه الآية الكريمة نزلت بالتحدید حول النهي عن مثل هذا السلوك، حيث يقول الله تعالى: ﴿وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ﴾ و هذا يعني لا تجعلوا الله وسيلةً لأيمانكم التي تؤدّي إلى ترك الأعمال الصالحة كفعل الخير و التقوى و الإصلاح بين الناس.
ملاحظات تفسیریّة و أخلاقیّة:
1. الحفاظ على النيّة و الإخلاص في العمل الصالح:
حتى لو تفوّه الآخرون بكلام سيّء أو افتروا أو اغتابوا، يجب ألّا يتوقّف الإنسان عن فعل الخير. إذا كانت نيّة الإنسان خالصةً لله، فإنّ الأجر و الثواب محفوظان و لا ينبغي السماح لكلام الناس بأن يمنع استمراريّة الأعمال الصالحة.
2. التحكّم في الغضب و العواطف:
يقسم الإنسان أحياناً بسبب الانزعاج أو الغضب في لحظة حسّاسة بأنّه لن يقوم بعمل خير مرّة أخرى. هذه الحالة يجب ألّا تؤدي إلى التخلّي عن الواجبات الإنسانيّة و الدينيّة.
3. القسم لترك عمل راجح (المستحبّ أو الواجب):
إذا أقسم شخص على عدم القيام بعمل راجح شرعاً (حسناً کان أو مستحبّاً أو واجباً)، فإنّ هذا القسم باطل شرعاً و لا قيمة له. بل إنّ مثل هذا القسم مكروه و لا ينبغي الالتزام به.
4. القسم لترك العمل المرجوح (مکروهاً کان أو حراماً):
إذا أقسم شخص على ترك عمل مكروه أو حرام، فإنّ هذا القسم جائز و مطلوب؛ لأنّه يؤدّي إلى ترك المعصية أو العمل السيّء.
5. قیمة الأعمال الصالحة التي لا تقارن نیّة القربة:
نيّة القربة ضروريّة في الأعمال الواجبة و لكن في الأعمال المستحبّة مثل الإصلاح بين الناعلى الرغم من استحباب النيّة الإلهية- فالعمل الصالح يُعتبر خيراً حتى بدونها.
6. وصیّة الإمام الصادق (علیهالسلام) بترك القسم:
جاء في حدیث من الإمام الصادق (علیهالسلام): «لا تَحلِفُوا بِاللّهِ صادِقینَ وَ لا كاذِبِینَ»[2] ؛ لا تحلفوا بالله و لو کنتم صادقين فکیف بالحلف الکذب و القسم أساساً أمر غیر مستحسن.
7. التبیین الفقهيّ و الأخلاقي:
القسم جائز في الحالات الضروريّة (مثل المحكمة) و لكن في الأمور العادية وخاصّةً لتبرير الأفعال أو القرارات العاجلة، فإنّه عمل غير مستحسن. قد يؤدّي هذا إلى فقدان قدسيّة اسم الله.
8. الاستخدام الخاطئ لاسم الله تبریراً لترك الخیر:
أن يقول شخص: «لقد أقسمت ألّا أفعل هذا الفعل الخیر بعد اليوم» هو عذر غير صحيح و تبرير مردود. لا ينبغي أن يصبح اسم الله وسيلةً لترك الخير و البر.
9. علم الله- تعالی- بالنیّات و الأقوال الخفیّة:
تؤكّد الآية بعبارة ﴿و َاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ علی أنّ الله يسمع و يعلم نوايا الإنسان و أهدافه و أحاديثه الخفيّة. لذلك، إذا قام شخص بعمل لله حتى لو لم يشکره الآخرون، فإنّ أجره محفوظ عند الله.
خلاصة:
يوصينا القرآن الكريم و روايات أهل البيت (عليهم السلام) بفعل الخير و الصبر و ترك الأيمان غير الضروريّة. يجب ألّا يصبح القسم وسيلةً لترك البر و التقوى و الإصلاح بين النا يجب على الإنسان أن يقوم بالعمل الصالح بنيّة خالصة و لرضا الله من دون تبرير أو قسم و ألّا يخشى من سخریّة الناس أو كلامهم السيّء.
الحاصل أنّ آیة المأتین و الرابعة و العشرین من سورة البقرة تحمل رسالةً واضحةً: «لا تتركوا العمل الصالح بسبب القسم؛ فإنّ الله عليم بنواياكم و أقوالكم».