46/10/24
بسم الله الرحمن الرحیم
آية المأتين و الثالثة و العشرین/سورة البقرة /تفسیر القرآن
الموضوع: تفسیر القرآن/سورة البقرة /آية المأتين و الثالثة و العشرین
﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَ قَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَ اتَّقُواْ اللّهَ وَ اعْلَمُواْ أَنَّكُم مّلاَقُوهُ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[1]
یجري الکلام حول تفسیر آیة المأتین و الثالثة و العشرین من سورة البقرة.
المقدّمة:
آیة المأتین و الثالثة و العشرین من الآیات التي تتکلّم حول العلاقات الزوجیّة بین الرجل و المرأة و تتضمّن مفاهیم عمیقةً من وجهة نظر الفقهيّ و الأخلاقيّ و التربوي. هذه الآیة تنصّ علی أنّ ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَ قَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَ اتَّقُواْ اللّهَ وَ اعْلَمُواْ أَنَّكُم مّلاَقُوهُ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
الدراسة اللغويّة و الأدبیّة:
۱. ﴿نساؤکم حرث لکم﴾: هذا القول تقدیم تشبیهٍ لبیان العلاقات الزوجیّة کعقلاقات هادفة، حیث تُعرَّف المرأة کحقل زرع الذي یتمتّع منه الرجل. الحقل هو محلّ الانتاج و النموّ و هنا یشیر إلی إنتاج النسل و استمرار الحیاة.
۲. ﴿فأتوا حرثکم أنّی شئتم﴾: لقد استفاد بعض من هذا الجزء تشریع أشکال مختلفة من العلاقات الزوجیّة و لکن المفسّرین من الخاصّة و العامّة یؤکّدون علی أنّ المراد هو الحریّة في زمان المقاربة و مکانها لا کیفیّتها أو طریقة مخالفة للطبیعة أو غیر شرعيّة.
۳. ﴿و قدّموا لأنفسکم﴾: هذا الجزء أمر بالنظر إلی المستقبل و الاجتناب عن مجرّد طلب اللذّة. یشیر إلی أنّ العلاقة الزوجیّة لا تکون علاقةً حیوانیّةً فحسب بل یجب أن تراعی فیه النیّات الإلهیّة و التربویّة مثل انجلاب الولد الصالح أو تحکیم الأسرة. هذا الولد الصالح یجلب الخیر للمجتمع و لکم أیضاً؛ إذ مهما من عمل یعمله، یکون لکم نصیب منه و یشملکم خیره أیضاً.
۴. ﴿واتقوا الله﴾: هذا الجزء حثّ علی تقوی الله في جمیع جوانب الحیاة، منها المسائل الجنسیّة؛ أي یجب الحذر في الخلوات أیضاً و المراقبة لحدود الله. هنا محل الخطر و کثیر من الناس یقطعون طرقاً خاطئةً و لذا قال الله- تبارک و تعالی: ﴿و اتقوا الله﴾ نساؤکم بخدمتکم في کلّ مکان و زمان و لکن کونوا حذرین حتّی لا ترتکبوا الخلاف. قد یکون الخلاف الذي یترکبه الإنسان ظلماً إلی الزوجة و الأولاد أو النظر إلی الأجنبیّة أو معاصي أخری التي قد حذّر الله- تعالی- الإنسان منها.
۵. ﴿و اعلموا أنّکم ملاقوه﴾: هذا الجزء تأکید علی المعاد و الرجوع إلی الله- تعالی. ذکر یوم الحساب مباشرةً بعد التحذیر بالتقوی، یسبّب إیقاظ الإنسان من الغفلة. لا یوجد ضمان بالمستقبل و یمکن أن یحدث شيء فجأةً و یموت الإنسان.
۶. ﴿و بشّر المؤمنین﴾: في ختام الآیة یبشّر الله المؤمنین. هذه بشارة للمؤمنین المتّقین الحافظین لحدود الله. التعلّق بالدنیا لا یصلح للإنسان و یکفي الإنسان ما یحافظ به علی ماء وجهه.
النقاط الفقهیّة:
*هذه الآیة تُعدّ من الأدلّة المهمّة حول الجواز أو حرمة بعض من أنواع المقاربات. قد أفتی الفقهاء مستخدمین قرائن أخری کالروایات بحرمة المقاربة من الدُبُر أو کراهتها و لو أنّ بعضهم قد توهّموا الجواز من ظاهر الآیة.
* کلمة ﴿أنّى﴾ تأتي بمعنی «من أي مکان» أو «في أيّ زمان» و تدلّ علی التعدّد. و لکن حیث إنّ «الحرث» ظرف مکان و الموضوع المبحوث عنه هو إنتاج النسل فالمفسّرون یحدّدونه بالمقاربة من الطریق الطبیعي.
النقاط الأخلاقیّة و التربویّة:
* استخدام عبارة «حرث» بدل تعبیر آخر یشیر إلی أنّ هناك تقییماً خاصّاً حول مکانة المرأة في دورها الأمومة و تربیة الأجیال لا مجرّد النظر الجنسيّ و الآلي. إذا کان عند إنسان مزرعة فإنّه یسعی في حفظها من الآفات و التعبیر هنا بالحرث یعني أنّهم لا یترکون المزرعة بل یعتنون و یهتمّون بها.
* التأکید علی التقوی و النظر إلی المستقبل في العلاقة الجنسیّة، فهو بمعنی ترسیخ تحمّل المسؤولیّة و امتلاك الهدف في هذه العلاقة الإنسانیّة.
تربیة الزوجة و الأسرة:
* الرجل مسؤول تربیة الزوجة و الأولاد؛ لأنّهم یقضون أکثر أوقاتهم في البیت. إذا کان الرجل محافظاً علی صلاة اللیل و الإغماض و الأخلاق الحسنة و السلوک السلیمة فإنّ زوجته و أولاده یربّون و سوء عمل الرجل یؤدّي إلی انحراف الزوجة و الأسرة.
الخلاصة:
آیة المأتین و الثالثة و العشرین من سورة البقرة خلال تشریح العلاقة الزوجیّة، حدّدت أیضاً الحدود الشرعیّة و الإلهیّة و أرفعت أیضاً العلاقة الزوجیّة- خلال التأکید علی التقوی و المعاد و النیّة الحسنة- عن مستوی الغرائز الحیوانیّة و فسّرها بالوصول إلی النموّ الفرديّ و الاجتماعيّ و حتّی الأخروي.