« قائمة الدروس
التفسیر الأستاذ محسن الفقیهی

46/08/20

بسم الله الرحمن الرحیم

آية العشرین بعد المأتين/سورة البقرة /تفسیر القرآن

 

الموضوع: تفسیر القرآن/سورة البقرة /آية العشرین بعد المأتين

 

﴿فِي الدُّنْيَا وَ الآخِرَةِ وَ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ و لَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.[1]

کان الکلام حول تفسیر آیة العشرین بعد المأتین من سورة البقرة.

قال الله- تعالی- في آخر الآیة السابقة ﴿کَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكُّرُونَ﴾ ثمّ بدأ الآیة التالیة التي نحن فیها بقوله: ﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾؛ أي ﴿کَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكُّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾.

هذه الآية تأتي في سياق الآیات السابقة و ترید أن تذکّر للأناسيّ بأنّ الغاية من تبیین الآيات الإلهيّة هي أن تُمنَح للإنسان فرصةُ التفكّر و التعقّل. فالتفكّر وسيلة لفهم الإنسانِ المعارفَ و الحقائق بالقلب و الإيمان بها. و في الحقيقة، لا يتحقّق الإيمان الحقيقيّ إلّا إذا نتج عن تفكّرٍ عميق و عن علم، لا عن طريق التقليد العشوائي.

قد أکّد في القرآن الكريم مراراً على أهميّة التفكّر و التعقّل كما في قوله- تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[2] [3] و ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾، حيث يُوصی إلی الناس بالتفكّر في شؤون الدنيا و الآخرة. التفكّر و التأمّل في الآيات الإلهيّة إنّما هو سبيلٌ للوصول إلى الإيمان الراسخ. فعندما يؤمن الإنسان إيماناً كاملاً بموضوعٍ ما، فإنّ سلوكه سيكون مطابقاً مع ذاك الإيمان. أمّا إذا كان الإيمان قشریّاً و خاليًا من التفكّر فلن يكون له أثر فعّال في سلوك الإنسان.

و من هنا، يُذكّرنا القرآن بأنّه ينبغي للإنسان أن يتفكّر في جميع جوانب حياته، سواء كانت دنيويّةً أو أخرويّةً؛ لأنّ الهدف من هذا التفكّر هو الوصول إلى الكمال و السعادة في الدنيا و الآخرة.

كيفيّة التعامل مع اليتيم و ماله:

في سياقٍ لاحق من آيات القرآن الكريم، طُرحت تساؤلات بشأن الأيتام، كما في قوله- تعالى: ﴿وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامى﴾. فقد ظنّ بعض الناس في زمن النبيّ (صلّی الله علیه و آله) نظراً إلی الآيات التي تتعلّق بمال اليتيم، أنّه يجب الابتعاد تماماً عن أموال الأيتام و ألّا يتدخّلوا في شؤونهم مطلقاً. و لكن النبيّ الأكرم (صلّی الله علیه و آله) بيّن لهم أنّ الأمر لیس کما یظنّون؛ فإنّ القرآن لم ينهَ عن التعامل مع أموال اليتامى بشكل مطلق، بل أكّد على وجوب التعامل معها بحذرٍ و احتياط، لا بالترك التام. في الحقیقة يجب أن يُعامَل مع الیتیم كما يُعامَل مع الابن سلوکاً واحداً. قال تعالى: ﴿قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ أي إنّ مخالطتكم معهم في أموالهم جائزة و لکن تجب المراقبة حتّی لا تضیّع حقوقهم و یجب النظر إلی مصالحهم.

و بعبارةٍ أخرى، قال النبيّ (صلّی الله علیه و آله) إنّ الواجب هو العمل في شؤون الأيتام بحیث يعود النفع عليهم، لا أن یستفاد من وضعهم استفادةً سیّئةً. و هذا يشمل إدارة أموالهم و مراقبة شؤونهم الماليّة، على أن يكون ذلك بمنتهى الدقّة و الأمانة و تقديم مصلحتهم على كلّ اعتبار. ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ فالله يعلم من يعمل لمصلحة اليتيم بإخلاص و من يفسد نيّة الإصلاح لمصالحه الذاتية.

المقصود بالإصلاح:

الإصلاح المقصود في هذه الآيات لا يقتصر على الجانب الماليّ فقط، بل يشمل جميع الجوانب الفكريّة و العلميّة و العمليّة؛ أي كما تسعون في تربية أبنائكم يجب أن تُعامِلوا مع الأيتام بالمثل.

قال الله- تعالى: ﴿وَ لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ و أکّد في هذه الآيات علی أهمیّة مساعدة الضعفاء و المستضعفین في المجتمع الذین لم یکن لدیهم عقل کامل أحیاناً أو قد عانَوا ظروفاً صعبةً فإنّ هؤلاء محتاجون إلی الدعم و الرعایة حتّی یتمکّنوا من العیش الأفضل في المجتمع.

خلاصة الأمر، أنّ الإسلام دين يدعو الناس إلى أن يتعاملوا مع الأيتام و المحتاجين بمحبّة و عناية و دقّة و ألّا يتجنّبوهم بل یجب أن يُقدّموا لهم الدعم المادّي و المعنوي، لیتمکّنوا من التقدّم و النجاح في حياتهم. فالإسلام دين سهل و يهدف إلى بناء إنسانٍ صالحٍ نافعٍ لنفسه و لمجتمعه.


logo