46/07/07
بسم الله الرحمن الرحیم
آية السبعةعشر بعد المأتين/سورة البقرة /تفسیر القرآن
الموضوع: تفسیر القرآن/سورة البقرة /آية السبعةعشر بعد المأتين
﴿يَسْئَلُونَکَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فيهِ قُلْ قِتالٌ فيهِ کَبيرٌ وَ صَدٌّ عَنْ سَبيلِ اللَّهِ وَ کُفْرٌ بِهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ إِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَکْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَ الْفِتْنَةُ أَکْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَ لا يَزالُونَ يُقاتِلُونَکُمْ حَتَّي يَرُدُّوکُمْ عَنْ دينِکُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْکُمْ عَنْ دينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ کافِرٌ فَأُولئِکَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِکَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فيها خالِدُونَ﴾.[1]
یکون الکلام في تفسير آية السبعةعشر بعد المأتین من سورة البقرة.
إحترام الأشهر الحرم و الردّ علی شبهات المشرکین:
في آیة السبعةعشر بعد المأتین من سورة البقرة، سُئل النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) عن القتال في الأشهر الحرم. وفقاً لتعاليم دين النبيّ إبراهيم (عليه السلام) قد تمّ تحدید أربعة أشهر من الشهور بعنوان الأشهر الحرم و هي ذو القعدة و ذو الحجة و المحرّم و الرجب و هذه أشهرٌ کان القتال فیها ممنوعاً. و قد أیّد نبيّ الإسلام (صلّى الله عليه و آله) هذا الحكم الإبراهيميّ و استمرّ في العمل به.
في أحد الأشهر الحرم (الرجب)، أرسل النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) طائفةً من المسلمین للتفاوض مع مشركي مكّة. كانت مهمّة هذه الطائفة الاستفسار عن علّة إخراج المسلمين من مكّة و عن علّة سلوك المشركين ظلماً. وفقاً للروايات، حدثت مواجهة في اليوم الأوّل من شهر رجب، بين هذه المجموعة و المشركين. على الرغم من أنّ المشركين كانوا هم المبادرين للقتال، إلّا أنّ هذه المواجهة أدّت إلى قتل زعيم قبيلة المشركين و إسارة بعضهم.
المشركون الذين لم يكن لديهم إيمان بحرمة الأشهر الحرم، جعلوا هذه الحادثة ذريعةً في اتّهام النبيّ (صلى الله عليه وآله) بانتهاك حرمة شهر رجب فشرح المسلمون أنّهم لم يكونوا على علم ببداية شهر رجب و أنّ القتال قد بدأ من جانب المشركين. في هذه الأثناء، نزلت الآية التي أجابت على مسألة حرمة القتال في الأشهر الحرم و أفعال المشركين:
• حرمة القتال في الأشهر الحرم: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فيهِ قُلْ قِتالٌ فيهِ کَبيرٌ﴾ یؤکّد القرآن بأنّ القتال في الأشهر الحرم ذنب عظیم.
• بیان الذنب الأعظم: ﴿وَ صَدٌّ عَنْ سَبيلِ اللَّهِ وَ کُفْرٌ بِهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ إِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَکْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ یعلن القرآن بأنّ أعمال المشرکین کإخلالهم بأمن مکّة و إخراج المسلمین من دیارهم و صدّهم عن العبادة في المسجد الحرام ذنب أعظم و أجدر بأن لا یغفر بالنسبة إلی القتال في الأشهر الحرم.
• الفتنة و الفساد: ﴿وَ الْفِتْنَةُ أَکْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ یعتبر القرآن الفتنة و إثارة الاضطرابات و عدم الأمن من جانب المشرکین أعظمَ خطیئةً من القتال في الشهر الحرام و یبیّن هذه النکتة و هي أنّ المشرکین لا یزالون یسعون في إضعاف الدین و هدم إیمان المسلمین.
﴿وَ لا يَزالُونَ يُقاتِلُونَکُمْ حَتَّي يَرُدُّوکُمْ عَنْ دينِکُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا﴾ هذه الآیة تشیر إلی وجوب الانتباه تجاه أهداف الأعداء و لزوم المقاومة أمام تحرّکاتهم و أفعالهم.
المقاومة تجاه الأعداء و أهمیّة معرفة أهدافهم:
﴿وَ لا يَزالُونَ يُقاتِلُونَکُمْ حَتَّي يَرُدُّوکُمْ عَنْ دينِکُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا﴾ الآیة الشریفة تحذّر المسلمین بأنّ المشرکین لا یزالون یقفون أمام الإسلام ما استطاعوا و سیسعون في ارتداد الناس عن دینهم و لو أنّ هذا العمل سیصحب مع الحرب و الفتنة و الأذی.
﴿وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْکُمْ عَنْ دينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ کافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فيها خالِدُونَ﴾ إنّ الله یؤکّد أنّ المسلم إذا لم یقم أمام الأعداء بل یرافقهم و یصاحبهم فإنّ عاقبته الکفر و هدم أعماله الصالحة التي قد سبقت منه.
المطالب المهمّة في الآیة:
أهمیّة المسجد الحرام:
المسجد الحرام بعنوان أقدس الأماكن الإسلاميّة، له احترام و مكانة خاصّة. في هذه الآية يشير الله- تعالى- إلى ذنب کبیر و هو إخراج الناس من المسجد الحرام و يعتبر هذا الفعل مصداقاً لنقض أمن هذا المكان المقدّس.
في زمن النبيّ محمّد (صلّى الله عليه و آله) كان المسجد الحرام يُعدّ مكاناً آمناً و مطمئنّاً، بحيث أنّ كلّ من يلجأ إليه لم يُتعرّض لأيّ أذى و لو کان بین أعداءه. لكنّ المشركين في مكّة انتهكوا هذه القداسة بأفعالهم و أخرجوا الناس من هذا المكان الآمن.
إخراج الناس من المسجد الحرام لم يكن فقط نقضاً لأمن هذا المكان المقدس، بل قد أوجب إثارة فتنة عظيمة. یذکّر الله- تعالی- في هذه الآية بأنّ هذا العمل ذنب أعظم من القتال في الأشهر الحرم. هذا مشیر إلی عظمة الاهتمام لحفظ الأمن و الاحترام تجاه المسجد الحرام.
الدرس الذي يمكن استفادته من هذا الجزء في الآية هو أنّ الحفاظ على الحرمة و أمن الأماكن المقدّسة و المسجد الحرام خاصّةً، هو أحد الأصول التي يجب على المسلمين الالتزام بها. هذا الاحترام و الأمن بعنوان رمز الوحدة و الاتحاد بين المسلمين له أهميّة بالغة.
إنّ الله- تعالى- يحدّد المسؤوليّة و يبيّن مقدار الذنب. يقول الله- تعالى- إنّ ذنب قتل الكافر المشرك في بداية شهر رجب أقلّ من إخراج الناس من مكّة و المسجد الحرام. لذا يجب أن ننتبه إلى أنّ تعیین الذنب و مقداره بید الله، لا يمكن للبشر أن يحدّدوا أيّ الأعمال أقلّ جرماً و أیّها أکثر.
أهمیّة المقاومة:
یجب علی المسلمین أن يقاوموا أمام التهدیدات و هجوم الأعداء. كما أكّد قائد الثورة المعظّم مراراً و قال إنّ أعداء الإسلام لن يتوقّفوا عن عدائهم و سيضربون ضرباتهم في أيّ حین استطاعوا. قوله- تعالی: ﴿إِنِ اسْتَطاعُوا﴾ يدلّ على أنّ العدوّ يبذل قصارى خباثته في إلحاق الضرر. انظروا إلى إسرائيل، كم تقتل من الأطفال و النساء و الشيوخ و الشباب! کم تقصف المستشفيات! أي إنّ الغرب لا تبقی له أيّة سمعة؛ إذ يدعم مجرماً يقتل الأطفال الأبرياء أمام أعين العالَم. لیس کما یقال إنّه يحارب المقاتلين، بل یستهدف النساء و الأطفال. لذا يجب التعرّف على حقيقة العدوّ و أنّه ماذا يفعل إذا وجد القدرة؟ يجب القیام و المقاومة أمام الأعداء فهؤلاء لیسوا أشخاصاً سیقنعون بالمذاکرة و المحاورة. بل هم إذا قدروا سيدمّرون المسلمين.
المقاومة أمام الظلم:
من أهمّ دلالات هذه الآية ضرورة المجاهدة مع الظلم و الظالمين. فقد أمر الله- تعالى- المسلمين بالقیام أمام الظلم و الجور. هذه المسألة ليست فريضةً دينيّةً فحسب، بل هي أمر عقلائيّ و إنسانيّ تتّفق عليه الأمم جميعاً.
التعرّف علی أهداف العدو:
إنّ رسول الله (صلّى الله عليه و آله) بإرساله وفداً للمفاوضة مع العدوّ و استطلاع أهدافه، یرشدنا إلی أنّ معرفة العدوّ و مخطّطاته من أهمّ الأصول الأساسیّة للجهاد. فعلى المسلمين أن يعلموا أنّ أعداء الإسلام لن يقنعوا أبداً، بل سيحاولون و یسعون في تحقيق أهدافهم ما داموا قادرين على ذلك.
تُعلُّمنا هذه الآية أنّ المبارزة مع الظلم و الدفاع عن الحقّ، من الأصول الأساسیّة للدين الإسلامي. المقاومة أمام الأعداء هي السبيل الوحيد لحفظ الإيمان و أمن المجتمع الإسلامي. و لو أنّ المقاومة كلّفتْ ثمناً باهظاً و لکنّ النصر النهائيّ سيكون للذین صبروا و ثبتت أقدامهم على طريق الحق. النموذج الظاهر لهذه المقاومة هو قیام الشعب الفلسطينيّ أمام جنایات إسرائيل، الذي قد أدّی إلى إيقاظ الشعوب العالمیّة و تزايد الدعم للمظلومين.
قد وعد الله- تعالى- المسلمين بأنّ المقاومة أمام الظلم، سواء ختمت بالشهادة أو بالنصر في الدنيا، فلها عاقبة مبارکة. في هذا الطريق، إنّ معرفة العدوّ و أهدافه و الحفاظ على الوحدة و الإيمان، له أهميّة خاصّة.
إنّ خروج الناس إلی الشوارع في کلّ العالَم في البلاد الغربیّة و أمريكا و أوروبا، للتظاهرات ضدّ أمريكا و إسرائيل و دفاعاً عن الفلسطين، دليل على أنّ الشعوب العالمیّة قد سُخّرت و قبلت المقاومة؛ لأنّ المقاومة ليست إلّا جملةً واحدةً فهي تعني المبارزة مع الظلم. و هذا لا يحتاج إلى دين، بل يحتاج إلى عقل، فكلّ عاقل يجاهد الظلم. قد لا تقبل الدول و الحكومات المقاومة لأجل مصالحها الشخصیّة و لكنّ المقاومة مقبولة عند الشعوب.