« قائمة الدروس

آیة المأتین و الخمس/سورة البقرة/تفسیر القرآن

 

الموضوع: تفسیر القرآن/سورة البقرة/آیة المأتین و الخمس

 

﴿وَ إِذا تَوَلَّی سَعی‌ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فيها وَ يُهْلِکكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ﴾[1]

 

یکون البحث حول تفسیر آیة المأتین و الخمس من سورة البقرة. من إحدی الصفات الظاهرة للمنافق هو أنّه ﴿إِذا تَوَلَّی سَعی‌ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فيها﴾. إنّ الرجل إذا لم تکن لدیه قدرة فله خُلُق، یمکن أن تقول إنّه مظلوم و ماشٍ علی الطریق و لکنّه إذا صار ذا قدرة، یتغیّر. هذا یکشف عن أنّ خُلُقه لم یکن ملکةً له و أنّه لم یکن صالحاً من الأساس، یقولون في الأمثال: «إنّه لا یری الماء و إلّا فهو سبّاح ماهر». مادام لم تحصل له قدرة فسیقول «علی عیني» في کلّ ما تقول له و لکنّه إذا قدر فسد و جعل الناس في البُؤس و الشدّة.

الآن تری أنّه یجب إیقاف إسرائیل بالحرب و القتال و الصاروخ. إسرائیل طاغیة و لا یقنع بشيء واحد. إنّ هناك بعض الأفراد یقنع إلی حدٍّما و لکن بعض الناس لا یکون قانعاً أبداً و إذا قدر لا یستطیع أحد منعَه، قال الله- تعالی: ﴿وَ إِذا تَوَلَّی﴾ إذا قدر و قال إنيّ وليّکم ﴿سَعی‌ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فيها﴾ یبحث عن الفساد و یرید الحکومة فقط و الإفساد في المجتمع.

یجب علی الإنسان أن یجد شخصاً لا یتغیّر و تکون له شخصیّة و ملکات أخلاقیّة واقعیّة و عدالة واقعیّة و لکن أکثر الناس لیسوا کذلك و إذا قدروا تغیّروا و لا یمکن التکلّم معهم؛ إلی الآن کان یظهر المحبّة و لکنّ الآن حیث قدر، لا یجیب تحيّتك. هؤلاء الناس أناس عدیم الأساس لا اعتبار بهم و لا یمکن الرکون إلیهم. و لكن هناك بعض الأفراد إذا قدروا، ازداد تواضعهم و محبّتهم.

الناس قسمان: بعض منهم إذا قدروا لا یجیب التحیّة أبداً ﴿وَ إِذا تَوَلَّی سَعی‌ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فيها﴾ و إذا أفسد فهو يُهْلِكُ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ معاً.

المراد من الحرث:

الحرث بمعنی الزراعة؛ قال الله- تعالی: ﴿نِساؤُکُمْ حَرْثٌ لَکُمْ﴾[2] إنّ النساء قد سمّین هنا بعنوان «الحرث» و هو بلحاظ أنّهن یصرن ذوات الأولاد و یزداد النسل بهن. إنّ مفاسد أمریکا و أروبا من أبعاد مختلفة و منها فساد النساء؛ أي إنّهم یفسدون النساء فیفسدون بإفسادهنّ الرجالَ و الأسرةَ و الأولادَ و النسل. هذا التدمیر من أجل حفظ حکومتهم؛ لیشتغل الناس بأنفسهم و لا یتعرّضوا لهم فإنّهم إذا اشتغلوا بمشاکلهم و شهواتهم، لا یعتنون بالحکومة. و الحکومة تعمل برئاستها و تذهب بنقدها و تقتاد مقاصدها و أغراضها. هؤلاء أناس هکذا.

معنی التولّي:

التولّي علی معنیین: أحدهما الولایة و السلطنة و ثانیهما الإعراض. إن یکن التولّي بمعنی الحکومة فهو علی وفق ما فسّرناه آنفاً و إن یکن بمعنی الإعراض فهو بمعنی أنّ الذین یعرضون عن الله و یولّون أدبارهم فسیُبتلَون بالفساد و یفسدون في الأرض؛ أي یدَعون الدیانة و الأحکام.

الصالحون إذا حکموا فهم ممّن قال الله- تعالی- فیهم: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَ آتَوُا الزَّكَاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ﴾[3] و من جانب آخر إنّ غیر الصالحین إذا قدروا في الأرض أفسدوا فیها. الغزو الثقافيّ الذي ترونه و الموادّ المخدّرة و تدمیر الاقتصاد و النسل و الموارد الأخری فهي من نتائج حکومة حکّام الجور.

هل حکّام الجور هم الذین یسبّبون فساد النسل و الحرث؟ أي هم علل تامّة أو الناس یتغیّرون؟ قال الله- تعالی:﴿إِنَّ اللهَ لاَ یُغَیِّرُ مَا بِقَوْم ٍحَتَّى یُغَیِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾[4] یمکن أن لا یبحث الحاکم عن الفساد بل یبحث عن حکومته و لکن الذین أجازوا أن یصیر هذا الشخص حاکماً فهم مقصّرون و هذا التقصیر یوجب الفساد.

ثمّ إنّ الناس حیث لا یقفون أمام الظلم و یتحمّلونه فهو یوجب ازدیاد الفساد في المجتم هذه الآیة تفسَّر بصورتین: قد یفسد الحاکم و یروّج السفور و الفساد فهذا أعلی درجة الفساد. لکن قد لا یبحث الحاکم عن الفساد و لکنّ الشعب الذين قبلوا حکومة هذا الشخص قد یتغیّرون و یصیرون غیر غیاری و أشخاصاً لا یقفون أمام الظلم فمن الطبیعيّ أن سیصیر فسادهم أکثر.

آیة ﴿ظَهَرَ الْفَسادُ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما کَسَبَتْ أَیْدِی النَّاسِ﴾[5] مؤیّدة للمعنی الثاني؛ أي الناس هم المسبّبون لإیجاد الفساد في المجتمع. و علی أيّ حال تتصوّر کلتا الصورتین.

المراد من النسل:

النسل بمعنی الأولاد. للنسل في هذا الآیة معنی حقیقيّ و هو أنّهم یدمّرون الأولاد إمّا أخلاقهم أو دینهم أو وجودهم. اسرائیل الآن ترتکب إبادةً اجتماعیّةً (تدمیراً جمعیّاً)؛ أي تقتل النساء و الأطفال و الأناسي. هذا مصداق لقوله- تعالی: ﴿وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ﴾.

یمکن أن یقال إنّ المراد من النسل معنی کنائيّ و هو الإنسانیّة. ترون الآن أنّ منظّمة الأمم المتّحدة و أمریکا و أروبا یؤیّدون جرائم إسرائیل الجانیة و یدمّرون الإنسانیّة. و لیس البحث حول فرد أو فردین، بل الإنسانیّة في العالم قد وقع التشکیك فیها؛ أي إنّهم لیسوا بأناسي. إنّهم یؤیّدون إسرائیل؛ أي یقولون إنّ عمل إسرائیل صحیح. هذا ذو خطر جدّاً إن کان هناك ظالم یقتل الأناسيّ و یدمّرهم و الآخر یجعل عمله من وظائفه القانونیّة و یقول إنّ عمله صحیح و لا بدّ لإسرائیل من هذا العمل! الآن تدمّر أمریکا و أروبا- المسمَّون اصطلاحاً بالدول المتقدّمة في العالم- الإنسانیّة بهذه الحرکات و التأییدات؛ أي لیست هناك إنسانیّة.

إذا أیّدوا یومیّاً أعمال إسرائیل و أعطوها الأسلحة و ساعدوها و اعتقدوا أنّ من واجبهم أن یساعدوا هذا النظام الظالم فهو بمعنی أنّ الإنسانیّة قد دمّر في الاجتماع و سیبقی هذا في التاریخ.

المراد من الفساد:

﴿وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ﴾ قد یکون الفساد شخصیّاً؛ أي یفسد الشخص في بیته و قد یکون نوعیّاً؛ أي یفسد الناس نوعاً. الفساد قد یکون فکریّاً و قد یکون اعتقادیّاً مثل الوهابیّة التي تکون فساداً اعتقادیّاً و قد یکون أخلاقیّاً و یکون الشخص فاسداً في الملکات الأخلاقیّة مثل أن یکون قاسي القلب و لیس فیه الملکات الفاضلة و قد یکون جاهلاً مرکّباً؛ أي لا یعلم بفساد فکره و عقیدته فمراتب الفساد مختلفة. ثمّ إنّ قوله- تعالی: ﴿وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ﴾ یشمل الفساد الاعتقاديّ و الفکريّ و الأخلاقيّ و الأنواع المختلفة للفساد.

 


logo