« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

47/04/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 فقدان الماء قبل الوقت/الأوامر /مباحث الألفاظ

 

الموضوع: مباحث الألفاظ/الأوامر / فقدان الماء قبل الوقت

 

ملخّص الجلسة السابقة: كانت المناقشة في الجلسة السابقة حول مسألة «فقدان الماء قبل دخول الوقت»؛ أي إذا علم الإنسان بانقطاع الماء قبل حلول وقت الصلاة، فهل يجب عليه حفظ الماء للوضوء أم لا؟

أقوال الفقهاء في فقدان الماء قبل دخول الوقت

لم يذكر أيّ من الفقهاء وجوب الوضوء قبل دخول الوقت؛ لأنّ الوجوب لا يتحقّق إلّا بدخول وقت الصلاة. لكن النقاش يدور حول حفظ الماء:

     قال الإمام الخمیني (قده سره): «من كان عنده ماء بمقدار الوضوء أو الغسل فقط، إذا علم أو أخبره شاهدان عادلان بأنّه لن يجد ماءً إن أراق هذا الماء، فإن دخل وقت الصلاة، يحرم إراقة ذلك الماء، و الواجب هو ألّا يُریق الماء حتّى قبل وقت الصلاة، بل كلّما كان هناك احتمال عقلائي بأنه لن يجد ماءً إن أراق هذا الماء، فالأحوط وجوباً ألّا يُریق الماء حتى قبل وقت الصلاة أیضاً.»[1]

     آیة‌الله المکارم الشیرازي: يرى نفس هذا الرأي، و قال الأحوط وجوباً حفظ الماء.[2]

     آية الله الوحيد الخراساني: يميل إلى الاحتياط الاستحبابي؛ حيث يقول إنّ حفظ الماء ليس واجباً، لكنّه مستحب أن يُحفظ الماء للصلاة.[3]

     الشهيد الصدر و آخرون: يرون أنّه لا يوجد أيّ إلزام أصلاً؛ بل لا إشكال حتّى لو أراق الماء. إذا دخل الوقت و وجد الماء توضّأ، و إن لم يجده تيمّم. [4] [5] [6]

     أدلّة القائلین بلزوم حفظ الماء

الدليل الذي استند إليه الكبار الذين أوجبوا حفظ الماء هو دليل عقلي و ليس دليلاً شرعياً. من الناحية الشرعية، ليس لدينا نص واضح في هذا الصدد؛ لأنّ الآية الشريفة تقول: :﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلَی غَسَقِ اللَّیْلِ﴾[7] أي تجب الصلاة بعد الزوال. و قبل الزوال، لا تجب الصلاة و بالتالي لا يجب الوضوء. لذا، ليس لدينا نص شرعي يوجب حفظ الماء قبل الوقت.

أما العقل فيحكم بالآتي: عندما تعلم أن مولاك – كوالدك – سيصل و هو عطشان، و تعلم أنّ الماء سينقطع قبيل وصوله، فالعقل یقول إحفظ الماء له. فإذا قلت: «كنت أعلم بانقطاع الماء و لكنّي لم أحفظه» فإنّ المولى لن يقبل منك.

و کذلك الوضوء أمر شرعي و له مصلحة. إذا علمنا أنّه بذهاب الماء يترك المكلف تكليف الشارع، فالعقل يحكم بوجوب حفظ الماء ليتأتى الوضوء في الوقت.

رأي الأستاذ

في رأينا، إنّ قول القائلين بوجوب حفظ الماء هو قول صحيح؛ و لكنه ليس في مرتبة «الاحتياط الوجوبي»، بل يجب حفظ الماء بحكم العقل و باعتباره حكماً شرعيّاً واقعيّاً. و بناءً عليه، لا يمكن القول بأنّ حفظ الماء جائز أو مستحب فقط، بل العقل و الشرع كلاهما يقتضيان حفظ الماء للوضوء.

و قد ذكر آية الله الوحيد الخراساني و آية الله الشاهرودي و بعض العلماء الآخرين: لا يوجد أيّ لزوم لحفظ الماء؛ لأنّ وجوب الوضوء لا يأتي إلّا بعد دخول الوقت.

لكن في رأينا، أنّ العقل يحكم مستقلاً بوجوب حفظ الماء؛ لأنّ الوضوء أمر من الشارع المقدس و له مصالح و في تركه مفاسد.

أمثلة أخرى

تُرى هذه المسألة في حالات أخرى متعدّدة:

    1. الغسل في ليالي شهر رمضان: الجميع يقول إنّ الشخص الجنب يجب عليه أن يغتسل قبل طلوع الفجر، رغم أنّ الصوم لم يجب بعدُ. هنا أيضاً، المقدمة (الغسل) وجبت قبل وجوب ذي المقدمة (الصوم).

    2. الحج: يجب على المكلّف قبل حلول شهر ذي الحجة، تجهيز مقدّمات الحج كالتذكرة و جواز السفر والتسجيل، و إلّا فإنّ أداء الحجّ في وقته سيفوت.

    3. القبلة: يجب على المكلف معرفة القبلة قبل وقت الصلاة؛ لأنّه إن دخل الوقت و لم يعرف القبلة، ستفوت صلاته.

    4. أحكام السفر: من ينوي السفر، يجب عليه أن يتعلم مسبقاً مسائل القصر وإتمام الصلاة وأحكام صيام المسافر، لكي يتمكّن من أداء واجباته بشكل صحيح في السفر.

في رأينا، هذه الأمثلة تدلّ على أنّ العقل يحكم بوجوب حفظ المقدمات المفوِّتة. لذا، في مسألة فقدان الماء قبل الوقت، تمسّك البعض بالشرع و لم يوجبوا شيئاً؛ و قال البعض بالاحتياط الوجوبي أو الاستحبابي؛ لكنّ العقل يحكم بوجوب حفظ الماء، و هذا الحفظ واجب.

خلاصة النقاش

    1. الوضوء قبل دخول الوقت ليس واجباً.

    2. البحث يدور حول لزوم حفظ الماء قبل الوقت:

     الإمام الخمیني و آیة‌الله المکارم: الأحوط وجوباً حفظ الماء.

     آیة‌الله الوحید: الأحوط استحباباً حفظ الماء.

     الشهید الصدر: عدم لزوم.

    3. دليل القائلين باللزوم: حكم العقل بوجوب حفظ المقدمة المفوِّتة.

    4. أمثلة مشابهة: غسل الجنابة قبل الفجر في رمضان، مقدمات الحج، تعلم القبلة وأحكام السفر.

    5. رأي الأستاذ: العقل يحكم بوجوب حفظ الماء، وهذا الوجوب يتجاوز مرتبة الاحتياط.


logo