< قائمة الدروس

بحث الأصول الأستاذ محسن الفقیهی

44/10/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 

موضوع: مباحث الالفاظ/ الوضع/الواجب التوصلی و التعبدی

التعریف السابع

التعبّديّ هو واجب لا يؤدّى على وجهه الأكمل إلّا مع قصد الطاعة و امتثال الأمر الذي تعلّق به. و كلّ واجب لا يشترط فيه هذا القصد عند الطاعة و الامتثال فهو توصّلي. [1]

قال الشیخ جواد المغنیة (رحمه الله): «كلّ واجب لا يؤدّى على وجهه الأكمل إلّا مع قصد الطاعة و امتثال الأمر الذي تعلّق به فهو تعبّدي، سواء أ كان من نوع المخترعات الشرعيّة، كالصلاة، أم لم يكن، كالذبح و النحر و الحلق و التقصير أيام الحج. و كلّ واجب لا يشترط فيه هذا القصد عند الطاعة و الامتثال، فهو توصّلي». [2]

أقول: إنّ الأداء علی الوجه الأکمل لیس بحدّ محدود، فإنّ الصلاة المأتيّ بها علی غیر الوجه الأکمل هل تشترط فیها قصد القربة و قصد الطاعة أم لا؟ فإنّ لإتیان الصلاة مراتب مختلفة، صلاة الأئمّة^ و صلاة أولیاء الله- تعالی- و صلاة العلماء و العرفاء و صلاة العوامّ و هکذا.

التعریف الثامن

التقرّبي ما يؤتى به لأجل عبوديّة اللَّه- تعالى- و الثناء عليه بالعبوديّة، بخلاف التوصّلي. [3] [4]

قال الإمام الخمینيّ (رحمه الله): «التعبّديّ ما يؤتى به لأجل عبوديّة اللَّه- تعالى- و الثناء عليه بالعبوديّة، كالصلاة و أشباهها. و لأجل ذلك لا يجوز الإتيان بعمل بعنوان التعبّد لغيره- تعالى؛ إذ لا معبود سواه، لكن يجوز إطاعة الغير متقرّباً إليه.

و غير التعبّديّ من التقرّبيّ ما يؤتى به إطاعةً له- تعالى، لا ثناءً عليه بالمعبوديّة؛ فإذن يكون المراد من التعبّديّ في المقام هو الواجب التقرّبيّ بالمعنى الأعمّ الشامل لكلا القسمين؛ إذ مدار البحث ما يحتاج سقوط أمره إلى قصد الطاعة؛ سواء أتى به بقصد التقرّب متعبّداً به لربّه، أم بعزم التقرّب فقط.

فالأولى‌- دفعاً للالتباس- حذف عنوان التعبّديّة و إقامة التقرّب موضعها. فظهر أنّ الذي يقابل التوصّليّ هو التقرّبي؛ أعني ما لا يسقط الغرض بالإتيان به إلّا بوجه مرتبط إلى اللَّه- تعالى- لا التعبّدي، بل هو قسم من التقرّبي‌. [5] [6]

أقول، أوّلاً: لا دلیل علی وجوب قصد الغایة- لأجل عبوديّة الله- تعالی- بل یکفي قصد القربة فقط في الصلاة و أشباهها.

و ثانیاً: عدم جواز الإتیان تعبّداً لغیره- تعالی- لا یدلّ علی وجوب قصد الغایة، بل یکفي قصد القربة فقط و یجوز إطاعة الله- تعالی- متقرّباً إلیه، کما تجوز إطاعة الغیر متقرّباً إلیه إذا لم تکن منهيّاً عنها.

إشکال علی بعض الأصولیّین

أقول: إنّ بعض الأصولیّین[7] قبل التعریف الثالث و الثامن معاً و هو لیس بصحیح.

التعریف التاسع

الواجب التوصّليّ ما يسقط بمجرّد وجوده في الخارج و لو بفعل الغير أو بدون الإرادة و الاختيار، أو في ضمن الفرد المحرّم أو یقال الواجب التوصّليّ ما يسقط بمجرّد إيجاده في الخارج و لو بدون قصد القربة و مقابله التعبّديّ و هو الذي لا يسقط إلّا بإتيانه مع قصد القربة. [8]

قال المحقّق الخوئيّ (رحمه الله): «إعلم أنّه قد يقال الواجب التوصّليّ و يراد به ما يسقط بمجرّد وجوده في الخارج و لو بفعل الغير، أو بدون الإرادة و الاختيار، أو في ضمن الفرد المحرّم و مقابله لا يسمّى باسم مخصوص، فيطلق عليه غير التوصّلي، بمعنى عدم سقوطه بفعل الغير و لا بصدوره بلا اختيار و لا في ضمن فرد محرّم.

و قد يقال الواجب التوصّليّ و يراد به ما يسقط بمجرّد إيجاده في الخارج و لو بدون قصد القربة و مقابله التعبّديّ و هو الذي لا يسقط إلّا بإتيانه مع قصد القربة. و أمّا صدق عنوان الطاعة و الامتثال و استحقاق الثواب فلا يحصل إلّا مع قصد القربة و لو في الواجب التوصّلي.

و النسبة بين الهيئة بالمعنى الأوّل و الهيئة بالمعنى الثاني هو العموم من وجه؛ لاجتماعهما في وجوب غسل الثوب المتنجّس للصلاة (مثلاً) و افتراق الأوّل عن الثاني في وجوب قضاء الصلوات الفائتة عن الميّت على الولد الأكبر، فإنّها تسقط بفعل الغير، بلا فرق بين التبرّع و الاستنابة و لا يكون توصّليّاً بالمعنى الثاني؛ لاعتبار قصد القربة فيها و افتراق الثاني عن الأوّل في وجوب ردّ السلام، فإنّه لا يعتبر فيه قصد القربة و لا يسقط بفعل الغير؛ فهو توصّليّ بالمعنى الثاني دون المعنى الأوّل، فإنّه إذا سلّم أحد على شخص معيّن لا يسقط بالردّ من الآخر، نعم لو سلّم على جماعة يسقط بردّ بعضهم للنصّ و لا ربط له بالمقام». [9]

أقول: کلامه (رحمه الله) في بیان اصطلاحین للتوصّليّ و التعبّديّ متین، لکن لا بدّ من بیان أنّ محلّ البحث في المعنی الثاني في مقام الشكّ في التوصّليّة و التعبّديّة هل لا بدّ من الإتیان بقصد القربة أو لا؟

التعریف العاشر

الواجب التعبّديّ هو الذي متقوّم بإتيانه بقصد الأمر و الواجب التوصّليّ‌ لا يكون كذلك. [10]

التعریف الحادي عشر

قال بعض الأصولیّین (حفظه الله): «الواجب التوصّليّ هو ما لا يشترط في سقوطه الإتيان به لأجل أمره- سبحانه- و ما يحصل الغرض بمجرّد إيجاد الواجب بأيّ داعٍ كان. يطلق التعبّديّ و يراد منه أحد الأمور التالية: أ. الإتيان بالواجب بقصد أمره- سبحانه. ب. الإتيان بالواجب للّه- تبارك و تعالى. ج. الإتيان بداعي التقرّب إليه- سبحانه. د. الإتيان بداعي كونه تعظيماً و تقديساً له. ه. الإتيان بداعي المحبوبيّة للمولى، فيكون الداعي إلى العمل كونه محبوباً و مطلوباً للّه، لا سائر الدواعي. و. الإتيان بقصد المصلحة المعنويّة المترتّبة على العمل». [11]

أقول: کلامه (حفظه الله) متین و توضیح لمصادیق قصد القربة و قصد الأمر.

کلام بعض الأصولیّین في المقام

قال (حفظه الله): «إنّ الأفعال الاختياريّة للإنسان على قسمين: الأفعال التي يأتي بها لرفع حاجاته اليوميّة، كالتجارة و الأفعال التي يأتي بها لإظهار عبوديّته و نهاية خضوعه و تعظيمه في مقابل ربّه و مولاه و هي بنفسها على قسمين أيضاً:

الأوّل: ما يكون بذاته تعظيماً و تجليلاً و يعدّ خضوعاً و عبوديّة، كالسجدة فإنّها تعدّ بذاتها عبوديّةً و لو مع عدم قصد القربة و وقوعها في مقابل أيّ شخص أو أيّ شي‌ء و هي عبادة و لو وقعت في مقابل صنم من الحجر و الشجر.

الثاني: ما يكون عبادةً و لكن لا بذاته و ماهيّته، بل باعتبار المولى و جعله، كعباديّة الصيام (التي ترجع إلى عباديّة الإمساك)، فإنّها أمر وضعت للخضوع و التعظيم في مقابل المولى الحكيم، فإنّه جعلها للعبادة و العبوديّة و وسيلةً للتقرّب إليه. و لا إشكال في أنّ هذا القسم أيضاً يتشخّص بتشخّص العبادة و يتلوّن بلونها بالجعل و الاعتبار مع قطع النظر عن قصد القربة و التعظيم و قصد العبادة؛ فالعمدة فيها الجعل و الاعتبار، نعم العبادة المطلوبة تتحقّق بقصد القربة، لا بذات العبادة.

فتلخّص: أنّ الفرق بين التعبّديّ و التوصّليّ لا ينحصر في قصد القربة و عدمه فقط، بل إنّهما تفترقان في الماهيّة أيضاً. و بعبارة أخرى: أنّ للعبادة التي توجب التقرّب إلى المولى ركنين: حسن فاعليّ و هو أن يكون العبد في مقام الإطاعة و التقرّب إلى المولى و حسن فعليّ و هو أن يكون ذات العمل مطلوباً للمولى»، (إنتهی ملخّصاً مع التصرّف). [12]

إشکال في کلام بعض الأصولیّین

إنّ السجدة ليست كذلك، بل قد يكون لها عنوان العباديّة و قد يكون لها عنوان غير العباديّة و يشهد على ذلك أمر الباري للملائكة بالسجود لآدم(ع) و معلوم أنّ سجودهم له ليست عبادةً و إلّا لا بدّ من القول بالتخصيص في الشرك في العبادة، مع أنّ الآية الشريفة: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾[13] غير قابلة للتخصيص، فالسجدة لآدم ليست بعبادة له، بل كانت عملاً مأمور بها من الباري- تعالى- فالطريق المنحصر لاستكشاف عباديّة الأعمال عبارة عن بيان الشارع و تصريحه بها. [14] [15]

أقول: الإشکال متین.

 


[1] علم اصول الفقه فی ثوبه الجدید، المغنیه، محمد جواد، ج1، ص60.
[2] علم اصول الفقه فی ثوبه الجدید، المغنیه، محمد جواد، ج1، ص60.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo