« قائمة الدروس
الحدیث الأستاذ محسن الفقیهی

47/05/07

بسم الله الرحمن الرحیم

قیمة العلم/صفات المؤمن /شرح حدیث جنود العقل و الجهل

 

الموضوع: شرح حدیث جنود العقل و الجهل/صفات المؤمن /قیمة العلم

 

المعنى الحقيقي للزهد:

الزهد هو إحدى الصفات الأخلاقيّة المهمّة التي يجب على الإنسان أن ينمّيها في نفسه. و لكنّ الكثير من الناس يفهمون المعنى الصحيح للزهد خطأً. الزهد ليس معناه البعد عن الدنيا أو ترك النعم. الزاهد هو مَن يستخدم الدنيا دون التعلّق بها. فالمال و المنصب والبيت و الزوج و الولد، كلّها أشياء طيبة و ذات قيمة، و لكن عندما يتعلَّق بها الإنسان و يصبح مستعدًّا لأن یضع الحقّ تحت قدمیه ليُبقيها، فذلك ليس زهداً، بل هو أسْر. الزهد يعني أن تكون في قلبك حرّاً راغباً عن الدنیا. إن كان لديك مال، فاشكر؛ و إن لم يكن، فاصبر. إن كان لديك منصب، فاخدُم؛ و إن أخذوه منك، فابقَ هادئًا. حرّية الإنسان تكمن في هذا التجرّد من التعلُّق.

استخدام المنصب دون تعلُّق:

المنصب و المسؤولية إن كانا لخدمة الناس، فهما أمران في غاية النُّبل. أما إن أصبحا وسيلةً للغرور، أو التكبُّر، أو الظلم، فهذا أمر خطير. قد يكون الإنسان هادئًا ما دام في موقع القوة؛ و لكن بمجرد أن يُسحَب منه، يصاب بالقلق، و الغضب، بل و حتى المرض. و هذه علامة على التبعية (التعلق)، و ليست علامةً على العبودية لله. الزاهد الحقيقي هو الذي يقول: «لقد خدمتُ لأجل الله. و الآن بعد أن أصبحتُ مُتنحِّيًا، أصبحتُ أكثر هدوءًا.» هذا الهدوء هو نتيجة التحرّر من المنصب. أمّا إذا انهار الإنسان بفقدان منصبه، فهذا يدلّ على أنّه قد أضاع ذاته في ذلك المنصب.

التعلُّق بمال الدنيا:

مال الدنيا ليس أمراً سيّئاً، بل هو وسيلة للحياة و الخدمة. المشكلة تكمن في أن يتعلَّق به الإنسان. فحين يصبح المال معياراً للسعادة و الشقاء، فهذا يعني أنّ الإنسان قد أصبح أسيراً. الزاهد هو الذي إن كان لديه ثروة، شكر؛ وإن لم يكن، بقي هادئًا و مطمئنًا. هو يعيش بالمال، لا لأجل المال.

التعلُّق بالولد و العائلة:

التعلُّق بـالولد أيضاً يمكن أن يصبح مانعاً للزهد. فالكثير من الآباء و الأمّهات يُخفُونَ الحقَّ و يُظهِرون الباطل بسبب محبّتهم المفرطة للولد. إذا أخطأ الولد، يجب القول بشجاعة: «هذا الفعل كان خطأً، حتّى لو صدر من ولدي.» الأب أو الأم الذي يستطيع الدفاع عن الحقّ حتّى في مواجهة ولده، هو في الحقيقة زاهد؛ لأنّه لم يتعلَّق بالمشاعر الشخصية. التعلُّق بأيّ شكل- سواء بالمال أو بالمنصب أو بالولد- يُبعِد الإنسان عن طريق الحق.

المقام و الشأن الحقيقي للإنسان:

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «ما أَحسَنَ بالإنسانِ ألّا یَشتهي ما لا یَنبَغي له»[1] ما أجملَ أن لا يسعى الإنسان لشيء ليس في شأنه. الكثير من الناس يسعون دائماً نحو المناصب الأعلى و يقولون: «هدفنا هو الخدمة.» و لكن أحيانًا تكون هذه «الخدمة» غطاءً لطلب عظمة النفس. إذا لم تكن لائقاً حقّاً لمنصب ما، فلا تسعَ إليه. قبول مسؤولية ليست حقّاً لك هو في الحقيقة نوع من الغصب. و يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَن تَقَدَّمَ على قومٍ و هو یری أنّ فیهم مَن هو أَفضَلُ منه، فقد خانَ اللهَ و رَسولَه و المؤمنین»[2] أي إذا قدَّمَ شخصٌ نفسه و أخذ منصباً مع وجود أشخاص أكفأ منه، فقد خان الله و الرسول و المؤمنين. غصب المنصب أيضاً يُعدُّ نوعاً من أكل مال الناس؛ لأنّ ذلك الموقع ليس حقّاً لك و قد تصرَّفتَ فيه.

ثلاث خصال للتقرّب إلی الله:

جاء في حدیث عن الإمام الصادق (علیه‌السلام) أنّ الله- تعالی- أوحی إلی نبیّنه موسی (علیه‌السلام):

«أَنَّ عِبَادِي لَمْ يَتَقَرَّبُوا إِلَيَّ بِشَيْ‌ءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ ثَلَاثِ‌ خِصَالٍ قَالَ مُوسَى يَا رَبِّ وَ مَا هُنَّ قَالَ يَا مُوسَى الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا وَ الْوَرَعُ عَنِ الْمَعَاصِي وَ الْبُكَاءُ مِنْ خَشْيَتِي[3]

هذه الخصال الثلاثة طریق العبودیّة و القرب من الله- تعالی.

سبب عدم الدموع في العبادة:

أحيانًا نسأل: لماذا لا نبكي في عبادتنا و دعائنا؟ السبب هو أن معرفتنا بالله و بأنفسنا قليلة. لو عرف الإنسان كم هي عظيمة النعم التي أنعم الله بها عليه و كم هو مقدار تقصيره في حقّها، لجرت الدموع تلقائيّاً. البكاء النابع من المعرفة هو علامة على القلب اليقِظ. عندما يعرف الإنسان ربَّه و يرى ذنوبه، ينكسر أمام العظمة الإلهية. أمّا الشخص المتعلّق بالدنيا و الأسیر في ید الهوی، فيجفّ قلبه و تغيب الدموع من عينيه.

النتيجة و الخلاصة:

الزهد يعني: أن تكون في الدنيا، و لكن لا تكون أسيراً لها. فالمال و المنصب و البيت و الولد، كلّها أمور طيّبة؛ و لكن إن جلبت التعلّق، فإنّها تسوقك إلى الأَسر. الإنسان الزاهد حرٌّ؛ سواء كان لديه مال أو لم يكن. أمّا الإنسان المتعلّق، فحتّى في أوج قوته هو فقير؛ لأنّ الحرية الحقيقية تكمن في الاستغناء عن الدنيا.

 


logo