« قائمة الدروس
الحدیث الأستاذ محسن الفقیهی

47/04/01

بسم الله الرحمن الرحیم

العفة/صفات المؤمن /شرح حدیث جنود العقل و الجهل

 

الموضوع: شرح حدیث جنود العقل و الجهل/صفات المؤمن /العفة

المقدّمة: أهمية الوقاية من الجريمة في الإسلام

يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في نهج البلاغة: «الْعِفَافُ زِينَةُ الْفَقْرِ وَ الشُّكْرُ زِينَةُ الْغِنَى».[1]

قبل الشروع في تبيان مضمون هذا القول الشريف، لا بدّ من تقديم مقدّمة حول الوقاية من الجريمة في المنظور الإسلامي. يطرح الإسلام نظريّتين أساسيّتين في التعامل مع الجريمة:

    1. نظرية العقوبة: بناءً على هذا الرأي، يجب معاقبة كلّ من يرتكب جريمةً. (رأي المحقّق الخوئي).

    2. نظريّة الوقاية: يؤکّد هذا الرأي على ضرورة منع وقوع الذنب من الأساس؛ أي يجب ألا ننتظر حتى يقع الإنسان في الخطيئة ثم نعمل على معاقبته. (رأي الإمام الخمينيّ قدس سره).

إنّ الإسلام يدعو إلى المنع قدر المستطاع من وقوع الجريمة، بدلاً من أن ننتظر ارتكاب الفرد لها ثم نبدأ في تطبيق العقوبة عليه.

ضرورة الإقدام الوقائي في المؤسّسات الدينيّة و القضائيّة

من إحدى النصائح التي نوجّهها إلى مسؤولي محاكم قضايا طلبة العلوم الدينيّة هي أنّه إذا رأيتم طالباً قد سلك مساراً منحرفاً، فيجب التحدّث إليه و توجيهه قبل أن يقع في الذنب. يجب أن تقولوا له: «يا أخي، نحن نعلم ما تفعله، فكن حذراً، إنّ الطريق الذي تسلكه خطير».

لا ينبغي أن ننتظر حتّى يسقط شخص ما في حفرة المعصية ثمّ نعمل على نزع لباسه أو هتك عرضه. عندما يكون لا يزال في المرحلة التمهيدية، يجب مخاطبته بلغة مع النصح و الرحمة و الشفقة. إنّ الوقاية خير من المعاقبة بعد وقوعها. فبدلاً من أن تقوموا بـ «الإمساك» به بعد الوقوع في فخّ الذنب، ينبغي أن تقوموا بإرشاده قبل ذلك.

قد يتعرض بعض القضاة أو رجال الدين في بعض الأحيان، لِزَلّاتٍ بسبب الاحتكاك الكبير بالناس؛ من ذلك الرشوة أو العلاقات غير السليمة أو التساهل في القضاء. و في مثل هذه الحالات أيضاً، يجب مراقبة الأمر و التنبيه منذ البداية لضمان بقاء العدالة و حماية المجتمع من تفشي الفساد.

تفسیر حدیث: العفاف زینة الفقر

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «العِفافُ زِينَةُ الْفَقْرِ». إنّ معنى هذه المقولة هو أنّ الإنسان الفقير يكون مُعرَّضاً للعديد من الزلّات بسبب فقره. فعندما يقترن الفقر بضعف الإيمان، قد يقع الإنسان في شَرَك الذنوب؛ و خاصّة النساء الفقيرات اللاتي قد يُدفعن في ظلّ الظروف الاقتصاديّة العصيبة أحياناً إلى ارتكاب كبائر الذنوب. إن یحافظ الإنسان الفقير عفته رغم ضيق ذات اليد فهذا له قيمة عظيمة جداً. إن مثل هذا الفرد هو زينة المجتمع حقّاً.

الفقر، مسبّب للفساد الاجتماعي:

إنّ العديد من المفاسد الاجتماعيّة، كالرشوة و السرقة و الزنا و الاختلاس، تتجذّر في الفقر. فعندما يُفقَر المجتمع، يزداد فيه الفساد. و بعبارة أخرى، الفقر هو عدوّ العفة. إنّ آثار الفقر في المجتمع لا تقتصر على الحاجة الماديّة فحسب، بل تؤدّي أيضاً إلى إبادة الثقة و الإيمان و العفة العامّة. قد يلجأ الرجل و المرأة الفقيران إلى أعمال الخلاف لتلبية احتياجاتهما. و عليه، فإنّه لكي نحافظ على العفّة، يجب رفع الفقر.

واجب الدولة و المجتمع في الوقاية من الفقر

إذا أردنا أن نمنع الجريمة و الخطيئة، فيجب علينا أن نعمل على إصلاح جذورها الاقتصاديّة. على الحکّام أن يعلموا أنه كلما ازداد الفقر في المجتمع، ازداد الفساد أيضاً. و لذلك، فإنّ القضاء على الفقر هو أحد أهم السُبُل للوقاية من الجريمة. و هذا الأمر يكتسب أهميّةً خاصّةً فيما يتعلّق بالنساء و الفتيات الصغيرات، إذ يمكن أن يشكل الفقر خطراً جسيماً عليهن.

فالفتاة الشابّة التي لا تملك مالاً و لا سنداً و تتعرّض لشتّى أنواع الوساوس، قد تضلّ طريقها بسرعة. من أجل ذلك، يجب توفير الدعم المالي و الحماية لهنّ حتّى لا ينجررن نحو الفساد.

اقتراح لدعم النساء و الأُسَر:

إحدى الطرق للوقاية من الفساد هي تقديم المساعدات الماليّة المنتظمة للأُسَر، و خاصّةً النساء المحتاجات. هذه المساعدات ليست من باب الصدقة، بل هي من باب حفظ عفّة المجتمع. فالمرأة أو الفتاة التي تُؤمَّن مادياً، تقلّ احتمالية انزلاقها و انحرافها.

و يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنّه في عصرنا هذا، تزايدت المظاهر الشكليّة و المتطلّبات الاجتماعيّة، مما يزيد الضغط الاقتصادي على النساء. لذلك، إذا لم يكن المال تحت تصرّفهن، فقد يسلكن الطريق الخطأ لتأمين الاحتياجات الظاهريّة و الاجتماعيّة.

الشُّكْرُ زِينَةُ الْغِنَى:

و في تتمّة هذا القول الشريف، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «الشُّكْرُ زِينَةُ الْغِنَى». فيجب على الإنسان الثَريّ أن يكون شاكراً. و لكن الشكر على النعمة ليس مجرّد كلام باللسان، بل هو عملٌ بالجوَارح. إنّ الشكر العمليّ للثريّ يتمثل في أداء حقوقه الشرعيّة و الاهتمام بالفقراء و إيصال العون إليهم من ماله.

إذا أعطاك الله مالاً وفيراً، فادفع خمسه أولاً، ثمّ أوصِل جزءاً منه إلى المحتاجين، و أخيراً إستثمر المتبقّي في مسار مشروع و مفيد إن شئت.

و قد نصّ كبار الدين على أنّ المؤمن التقي لا ينبغي أن ينتظر نهاية الحول الخمسي، بل عليه مراجعة حسابه و دفع خمس ماله كلّ شهر، لأنّه لا يضمن البقاء إلى نهاية العام. إنّ أداء الحقوق الشرعية سببٌ لزيادة البركة في الرزق.

خلاصة النتائج المستخلصة من قول أمير المؤمنين (عليه السلام):

من خلال وصية أمير المؤمنين (عليه السلام)، نستنتج ما يلي:

العفاف زينة الفقر: أي إنّ الفقير العفيف هو شريف و ذي قيمة عالية.

الشكر زينة الغنى: أي إن الثريّ الشاكر هو محبوب لله.

الفقر هو مُسبِّب للفساد، و يجب القضاء عليه من جذوره.

الوقاية من الجريمة و الخطيئة هي إحدى الواجبات الدينيّة و الاجتماعيّة الهامّة.

الدعم الاقتصادي للأُسر و خاصّةً النساء، هو سبب لحفظ العفّة العامّة في المجتمع.

 


logo