47/03/24
بسم الله الرحمن الرحیم
قیمة العلم/صفات المؤمن /
الموضوع: /صفات المؤمن /قیمة العلم
قیمة العلم و مکانته في الأخلاق الإسلامي:
المقدّمة:
لدینا آیات و روایات کثیرة تؤکّد علی قیمة العلم و المعرفة. قال الله- تعالی: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾[1] تُشيرُ الآيةُ إلى أنّ العلمَ ذو قيمةٍ عظيمةٍ. فالمرحلةُ الأولى في مسارِ تكاملِ الإنسانِ هي تعلّمُ العلمِ، و تأتي مرحلةُ العملِ بالعلمِ في المرتبةِ التاليةِ.
المرحلة الأولی: ضروة تعلّم العلم
يجبُ على الإنسانِ أن يكونَ عالماً أوّلاً؛ فمن لم يعلمْ، لا يمكنُ أن يكونَ عاملاً. إنّ الذينَ یعلمون هم يميّزونَ ما هو الصوابُ و ما هو الخطأُ.
قد يتعلّمُ الإنسانُ شيئاً و يعملُ به، و قد يتعلّمُ و لا يعملُ؛ و لكن على كلِّ حالٍ، الخطوةُ الأولى هي التعلّمُ. إنّنا نتعلّمُ الصلاةَ أوّلاً، ثمّ قد نؤدّيها أحياناً و نتركُها أخرى. و نتعلّمُ الأحكامَ، ثمّ نعملُ بها أحياناً و لا نعملُ بها أخری. و المثالُ الواضحُ في ذلك هو المرضُ و العلاجُ؛ فعندما يمرضُ الإنسانُ، يجبُ عليهِ أوّلاً أن يعلمَ أيَّ دواءٍ هو نافعٌ له و أيَّ طعامٍ هو مضرٌّ. فيكتسبُ الإدراكَ أولاً (العلم)، ثمّ يعملُ. قد يتناولُ الدواءَ و يلتزمُ بالحميةِ فيُشفى، و قد لا يمتنعُ فتستمرُّ علّتُه.
و عليهِ، فإنّ الأمرَ كذلك في الأمراضِ الروحيّةِ و الأخلاقيّةِ؛ فنحنُ نستمعُ إلی الآياتِ و الرواياتِ و التوصياتِ الأخلاقيّةَ، فنعملُ بها تارةً و نغفلُ عنها أخرى. إلّا أنّ المرحلةَ الأولى هي اكتسابَ العلمِ و المعرفةِ.
مرحلة ثانية: تهذيب النفس و العلم الإلهي
العلم أنواع:
العلم البشري (الطب، الهندسة و الرياضيات، إلخ)
العلم الإلهيّ (الفقه، الأصول، المعارف الدينية و الأخلاقية)
كلاهما قيّمان، لكن للعلم الإلهي خصوصیّة، و هي أنّ «العِلمُ نورٌ يقذِفُهُ الله في قلبِ من يشاء»[2] .هذا النور الإلهي لا يحلّ إلّا في قلوب أهل العبادة و التقوى و تهذيب النفس.
إذا كان الإنسان مهذّباً، يصلّي الليل، و يقيم الصلاة في أوّل وقتها، و يتجنّب الذنوب، رسخ هذا العلم الإلهي في قلبه، و أدرك حقيقة الدين بشكل أفضل.
و كذلك ورد في الرواية: «مَن عمل بما عَلِم، ورّثه الله علمَ ما لم يعلم»[3] . يعني إذا عمل الإنسان بما يعلم، آتاه الله علوماً لم يكن يعلمها.
فمراحل النموّ الأخلاقي هي:
1. كسب العلم
2. تهذيب النفس
3. العمل بالمعلومات و البصيرة في الدين.
المرحلة الثالثة: البصیرة في الدین
بالإضافة إلى العلم و تهذيب النفس، يجب أن يتمتّع الإنسان بالبصيرة في المسائل الاجتماعيّة و السياسيّة و الثقافيّة. البصيرة تعني المعرفة الصحيحة لظروف الزمان و العمل السليم بناءً عليها.
يجب أن يتمتّع رجل الدين و الطالب الموفق بثلاثة أجنحة: أن يكون عالماً: (الدراسة و المناقشة و الفهم العميق للعلوم الدينية) و أن يكون مهذّباً: (حفظ العين و الأذن و اللسان و سائر الأعضاء عن الذنوب) و أن تكون لديه بصيرة: (المعرفة الصحيحة لقضايا المجتمع و أداء الدور المسؤول فيه).
تأثير علماء الدين على الناس:
لم يكتسب أکثر الناس إيمانهم و معتقداتهم عن طريق الفلسفة أو العرفان أو البرهان العقلي، بل نظروا إلى أفعال العلماء و رجال الدین و سلوکهم.
فعندما يرى الناس أنّ رجل الدين في منطقتهم مُواظب على الصلاة و العبادة، و يعيش حياةً بسيطةً و زاهدةً، و يكون خادماً للناس، و بعيداً عن الكذب و الغيبة و البهتان، فإنّهم يثقون به و تتقوّى معتقداتهم. و لكن لا سمح الله إن كان رجل الدين نفسه مُتّجهاً نحو الدنيا، أو مُتلبّساً بالكذب و الغيبة أو مُتّبعاً لأساليب العيش المترِف، فإنّ الناس لن يثقوا بكلامه.
فيقول الناس: «أنت لا تعمل بما تقول، فلماذا نعمل نحن؟» و هذا هو أكبر ضرر. و لهذا قيل: «الناسُ علی دینِ مُلُوکِهم»[4] ؛ أي إنّ الناس يكتسبون دينهم و سلوكهم من قادتهم.
المسؤولية الجسيمة لرجال الدين:
إذا أصبح رجل الدين ثرياًّ، فلا ينبغي له أن يُنشئ لنفسه حياةً مترفةً أو ترفيهيةً. الناس ينظرون إلى عمله، و ليس إلى تبريراته. إذا كان رجال الدين مُتّسمين ببساطة العيش و الخدمة، يقترب الناس من الدين؛ أمّا إذا كانوا مُتّجهين نحو الدنيا و الرفاهية، فإنّ الناس ينفرون من الدين. و لهذا السبب، يفقد بعض الشباب أحياناً معتقداتهم، لأنّهم نظروا إلى رجال دين يعيشون حياةً مترفةً.
الوصایا العملیّة:
1. نافلة الليل: إذا كان رجل الدين مواظباً على صلاة الليل، فإنّ الله- تعالى- سيكفّل رزقه. حتى لو كانت شاقةً، يمكن أداؤها قبل منتصف الليل أو في السحر، و لكن لا ينبغي تركها مطلقاً.
2. الالتزام بالصلاة في أوّل وقتها: يجب أن يكون ملتزماً بأداء الصلاة في وقتها المحدّد دون تأخير.
3. حسن الخُلق: ينبغي أن يكون رجل الدين ذا أخلاق حسنة و ودوداً وخادماً للناس.
4. بساطة العيش: يجب أن تكون حياة رجل الدين بمستوى حياة عامّة الناس، وألّا تكون أشدّ ترفاً منهم.
الاستنتاج:
لكي نتمكّن من نقل الإسلام و معارف أهل البيت (عليهم السلام) إلى الأجيال القادمة، يجب علينا أولاً أن نكون علماء، ثمّ أن نقوم بتهذيب أنفسنا، و أخيراً أن نؤدّي واجباتنا من خلال ممارسة دورنا ببصيرة في القضايا الاجتماعية و السياسية.
إنّ العلم يكون مؤثّراً فقط إذا كان مقروناً بالعمل. أمّا إذا كان العلم مجرّداً من العمل، فلن يكون له أي أثر، بل سيؤدّي إلى سلب ثقة الناس و توجيه ضربة إلى الدين نفسه.