46/10/17
بسم الله الرحمن الرحیم
العبودیّة/صفات المؤمن /جنود العقل و الجهل
الموضوع: جنود العقل و الجهل/صفات المؤمن / العبودیّة
حقیقة العبودیّة في منظر الإمام الصادق (علیه السلام) في روایة العنوان البصري
في رواية «عنوان البصري» المشهورة، قد بيّن الإمام الصادق (عليه السلام) نقاطاً أساسيّةً و بالغة الأهميّة عند الإجابة عن سؤال عنوان البصريّ حول حقيقة العبوديّة.
قلت: يا أبا عبدالله ما حقيقة العبوديّة؟ قال : ثلاثة أشياء؛ أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوّله الله ملكاً، لأنّ العبيد لا يكون لهم ملك يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله به و لا يدبّر العبد لنفسه تدبيراً و جملة اشتغاله فيما أمره- تعالى- به و نهاه عنه، فإذا لم ير العبد لنفسه فيما خوّله الله- تعالى- ملكاً، هان عليه الإنفاق فيما أمره الله-تعالى- أن ينفق فيه. و إذا فوّض العبد تدبير نفسه على مدبّره هان عليه مصائب الدنيا، و إذا اشتغل العبد بما أمره الله- تعالى- و نهاه لا يتفرّغ منهما إلى المراء و المباهاة مع الناس، فإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاثة هان عليه الدنيا و إبليس و الخلق و لا يطلب الدنيا تكاثراً و تفاخراً و لا يطلب ما عند الناس عزّاً و علوّاً و لا يدع أيّامه باطلاً فهذا أوّل درجة التقى قال الله تبارك وتعالى: ﴿تلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين﴾[1] »[2] .
المقدّمة:
قد أشير في الجلسة الماضية إلى حديث للإمام الصادق (عليه السلام) يوضّح فيه حقيقة العبودية لعنوان البصري. و تتلخّص هذه الحقيقة في ثلاثة محاور رئيسيّة و هذه الثلاثة طرق للوصول إلى التقوى و التقرّب من الله.
الجزء الأوّل: حقيقة العبوديّة من منظر الإمام الصادق (عليه السلام)
1. المالك الحقيقيّ هو الله: يجب على الإنسان أن يعتبر كلّ ما يملكه من الله. إذا كانت لديك فكرة أو عقل أو علم أو مال أو منصب فكلّ ذلك من الله و يجب أن تُنفق في سبيل الله المال و النفس و العلم و القلم و الخطوات و سائر النعم. إذا آمنّا بهذا فلن نجادل أحداً و لن نتفاخر و لن نعتبر أنفسنا مالكين. و بالتالي إنّ أوّل درجات التقوى هي ألّا يعتبر الإنسان نفسه مالكاً لأيّ شيء، بل يعتبر كلّ شيء من الله.
۲. تدبیر الأمور بید الله: «و لا يدبّر العبد لنفسه تدبيراً»؛ علی الإنسان أن یحاول و لکن يترك النتیجة إلی الله. الظلم للآخرين له عواقب و و سوف يظهر تأثيره عاجلاً أم آجلاً. إن ذهبتَ بماء وجه الآخر فسیذهب ماء وجهك. إن ظلمتَ شخصاً فستُجزی؛ في الدنیا أو الآخرة.
۳. واجب الإنسان، إتیان الواجبات و الإنتهاء عن المحرّمات: «و جملة اشتغاله فيما أمره تعالى به ونهاه عنه»؛ إذا كان لدينا روح العبوديّة (لله)، فإنّنا ننفق في سبيل الله و لا ندّخر ما فضل من أموالنا. لقد أثبتت التجربة أنّنا كلّما أعطينا أكثر في سبيل الله، عاد إلينا المزيد. الإنفاق يفتّح أبواب الرزق. في المناصب الاجتماعيّة، لا ينبغي أن نكون متكبرين أو نُصاب بالغرور. المنصب هو بلاء و امتحان من الله. «فهذا أوّل درجة التقى، قال الله تبارك وتعالى : ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ لا تتکبّروا و اسلکوا سبیل ربّکم و اعملوا بأوامره و اعلموا ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
الجزء الثاني: النصائح التسعة عن الإمام الصادق (علیه السلام) لعنوان البصري
«قلت: يا أبا عبدالله أوصني، قال: أُوصيك بتسعة أشياء فإنّها وصيّتي لمريدي الطريق إلى الله تعالى و اللهَ أسأل أن يوفّقك لاستعماله. ثلاثةٌ منها في رياضة النفس و ثلاثةٌ منها في الحلم و ثلاثةٌ منها في العلم فاحفظها و إيّاك و التهاونَ بها. قال عنوان : ففرّغت قلبي له.
فقال: أمّا اللّواتي في الرياضة: فإيّاك أن تأكل ما لا تشتهيه فإنّه يورث الحماقة و البله، و لا تأكل إلّا عند الجوع و إذا أكلت فكُل حلالاً و سمِّ اللهَ، و اذكر حديث الرسول (صلّی الله علیه و آله) : ما ملأ آدميٌّ وعاءاً شرّاً من بطنه فإن كان و لابدّ فثلثٌ لطعامه و ثلثٌ لشرابه و ثلث لنفسه.
و أمّا اللّواتي في الحلم: فمن قال لك: إن قلت واحدةً سمعت عشراً فقل: إن قلت عشراً لم تسمع واحدةً، و من شتمك فقل له: إن كنت صادقاً فيما تقول فأسأل اللهَ أن يغفر لي و إن كنت كاذباً فيما تقول فاللهَ أسأل أن يغفر لك و من وعدك بالخنى فعِده بالنصيحة و الرعاء.
و أمّا اللّواتي في العلم: فاسأل العلماء ما جهلت و إيّاك أن تسألهم تعنّتاً و تجربةً و إيّاك أن تعمل برأيك شيئاً، و خذ بالاحتياط في جميع ما تجد إليه سبيلاً، و اهرب من الفتيا هربك من الأسد، و لا تجعل رقبتك للناس جسراً. قُم عنّي يا أبا عبدالله فقد نصحت لك و لا تفسد عليّ وردي، فإني امرء ضنين بنفسي، و السلام على من اتبع الهدى»[3] .
في استدامة الروایة سأل عنوان البصريّ الصادقَ (علیه السلام) وصیّةً و یذکّر الإمام الصادق (علیه السلام) بوصیّة مشتملة علی تسع نقاط، لا سیّما بالنسبة إلی مریدي الطریق إلی الله. لا تهاوِن و إیتِ بهذه الأفعال. تنقسم هذه الوصایا إلی ثلاث طوائف:
الطائفة الأولی: في ریاضة النفس
۱. أکل ما تشتهیه النفس: کُل ما تحبّه و تشتهیه و لا تأکل ما لا تشتهیه؛ لأنّه یورث البله و الحمق. قال: «فإيّاك أن تأكل ما لا تشتهيه فإنّه يورث الحماقة و البله».
۲. الأکل عند الجوع: الأکل المطلوب هو الأکل عند الجوع و لا یجوز الأکل علی الشبع، قال: «ولا تأكل إلّا عند الجوع».
۳ . مراعاة الحلال و الابتداء بالبسملة: یجب أن یکون الطعام حلالاً و اجتنبوا مِن مال مَن لم یکن أهلاً لدفع الخمس و سهم الإمام. و قولوا «بسم الله» عند الأکل. قال: «وإذا أكلت فكل حلالاً و سمِّ الله».
ثمّ استمرّ الإمام في کلامه و استشهد بقول الرسول: «و اذكر حديث الرسول (صلی الله علیه و آله): ما ملأ آدميٌّ وعاءاً شرّاً من بطنه فإن كان و لابدّ فثلثٌ لطعامه و ثلثٌ لشرابه و ثلث لنفسه».
الطائفة الثانیة: في الحلم و المعاشرة مع الناس
أمّا اللّواتي في الحلم:
۱. عدم مقابلة العدوان بالمثل: إذا قال أحدهم: «إذا قلتَ كلمةً فسأردّ عليك بعشر» فأجب: «لو قلتَ عشراً فلن أقول شيئاً» کما أوصی الإمام الصادق (علیه السلام) لعنوان البصري: «فمن قال لك: إن قلت واحدةً سمعت عشراً فقل: إن قلت عشراً لم تسمع واحدةً».
۲. عدم الإجابة للسّب: إذا سبّك شخص فقل له إذا تقول صدقاً غفر الله لي و إذا تقول کَذِباً غفر الله لك. کما قال الصادق (علیه السلام): »«ومن شتمك فقل له: إن كنتَ صادقاً فيما تقول فأسأل اللهَ أن يغفر لي، و إن كنت كاذباً فيما تقول فاللهَ أسأل أن يغفر لك».
۳. النصح أمام التوعید: إذا وعّدك شخص بشيء سيّء فانصحه بالحسنی و قل له: «لا تظلم و تباعد عن الظلم» کما قال الصادق (علیه السلام): «و من وعدك بالخنى فعِده بالنصيحة و الرعاء».
الطائفة الثالثة: في العلم
هذا الجزء من الروایة یتعلّق بآداب التعلّم و الأخلاق العمليّة و سنتحدّث حوله في الجلسة الآتیة.